إن لم أكن على ظهر جواد في السويعات التي أكافي بها نفسي وأمد بها بصري فأنا مراقب شغوف للخيل . ولم تلق الخيل تشجيع ساستها وكثر عليها الزجر والنهر سترى همتها ضعفت ومعنوياتها هبطت ولم تعد قادرة على العطاء بالقدر الذي كانت تعطيه في الماضي. إذا كان هذا بالتأكيد هو حال الخيل الذي هو حيوان في النهاية، فما بالكم بنا نحن البشر ؟ الطيبون من المدربين الذين هم على تلك الشاكلة يعرفون ما ينتظرهم فيتنحون وينتقلون إلى أماكن أخرى . إن لم يكن الموظفون والعاملون سعداء بسبب ظروف عملهم أو بطء وتيرته وتثاقل ثوانيه أو نقص اهتمام رؤسائهم بهم ستهبط المعنويات وسيتضرر العمل وستسير الأمور في طريقها إلى الحضيض، بينما تجد البعض يترك لمساعديه الحبل على غاربه فيتجبرون بالموظفين ويحرمونهم من فرص إثبات قدراتهم والبرهنة على كفاءتهم ونيل هذه أنماط سلوكية مرفوضة لأنها تسبب الإحباط . كم من قائد دمر قدرات موظفيه ودفعهم إلى اليأس والقنوط؟ من دون موارد بشرية والجيوش لا تحقق الانتصار لأن لديها السلاح والطعام فقط. الطاقة السلبية والترفيع مثلها. ماذا يصنع كل هذا؟ مواطناً محطماً لا يستطيع أن يحقق أي هدف من أهدافه ؛ لا تستطيع أن تقتل الحلم في الشباب ثم تطلب منهم الإبداع والتميز . يجب أن نفصل المشاكل عن بعضها وأن نحاول فهم أسباب كل مشكلة ثم نعالج كل سبب على حدة ونضع لكل مشكلة حلاً. وبما أن هذا غير متوافر يصبح من الصعب العثور على طريقة مضمونة واحدة للخروج من هذه الدائرة الخانقة. إن كانت هناك مثل هذه الطريقة السحرية فأنا لا أعرفها لكنني أعرف الطريقة المضمونة للبقاء في هذه الدائرة : إنها الإمعان في تحطيم النفس وكسر المعنويات وتعذيب النفس داخلياً فوق تعذيبها خارجياً والاستسلام للطاقة السلبية . توجد عند البعض في مجتمعاتنا سلوكيات لا يسهل أحياناً فهمها . إذا كانت الحياة تعني الطاقة الإيجابية أفلا تعني الطاقة السلبية العكس؟ إذا قررنا أن الحياة تستأهل عناء العيش أفلا نقرر بالضرورة أن نرمي ثقل الحياة بكل طاقتنا الإيجابية وأن نحاول أن نصنع منها شيئاً جميلاً، أو على الأقل أن نخفف الألم؟ بعض الناس ينظر إلى الحياة بصورة إيجابية فيرى فيها كل ما هو إيجابي وجميل، وبعض الناس ينظر إلى الحياة بصورة سلبية فيرى كل ما فيها سلبياً وقبيحاً. كيف يا ترى يستطيع شخص أن ينظر إلى شيء معين فيراه جميلاً ثم يأتي شخص آخر فينظر إلى الشيء نفسه فيراه قبيحاً؟ لعل الجمال والقبح فعلاً في الناظر لا في المنظور. كل الأم تفتخر بنفسها إلا نحن لا أعرف أمة يجلدها أبناؤها بالقسوة التي يجلد بها العرب أمتهم. نحن مهزومون الخ. المجنون يعتقد أن كل ما يفعله طبيعي وكل ما يقوله عين العقل. بعضنا صار يصدق ما يقوله وبعضنا صار يفعل ما يقول ومع التكرار وكثرة الجلد صار بعضنا عدو نفسه ووطنه وأمته وهيمن عليه الإحباط والتشاؤم ولم يعد يرى شيئاً إيجابياً وكل من قال له إن الدنيا لا تزال بخير صار رجعياً ومتخلفاً . أعتقد أن العكس هو الصحيح. لماذا يريد أن يفعل هذا يا ترى؟ لأنه يريد أن يحمي مصالحه لا مصالح الناس. البعض يعتقد أن إعاقة الركب أسهل من اللحاق به وأن تدمير المنازل الجميلة المحيطة بمنزله القبيح أسهل من تجميل منزله . ولماذا أيضاً؟ لأنه يريد أن يحمي عمله ؛ الكسل فعلاً لا ينافس النشاط، والتحفيز لا ينافس الإحباط. التغيير من مهام القائد الناجح العثور على المديرين والإداريين لتحقيق رؤيته وأهدافه لكن المهمة لا تكتمل ما لم يبحث في صفوف مرؤوسيه عن النشطين المبدعين ذوي الروح الإيجابية والتفاؤل بالحياة والمستقبل . حتى هذه المهمة الحاسمة لا تكتمل ما لم يبحث في صفوف إدارته عن المحبطين والضجرين والملولين والمتعبين ويحاول إذكاء نارهم الخامدة وإنقاذهم من أنفسهم أو تغيير الأوضاع والشروط التي أدت في البدء إلى هبوط المعنويات والتشاؤم والكسل. واحتضنهم الروتين وغمرتهم الطاقة السلبية وهجرهم الإبداع والابتكار إلى عقول أخرى. الرابطة الوحيدة التي تربطهم بالعمل هذا المكتب الذي يجلسون فيه وهذا المعاش الذي يتقاضونه آخر الشهر . إذا طلع الصبح ذهبوا إلى مكاتبهم، نفسها والنهج ذاته والروتين القاتل بعينه، من كلام الحكماء : الأماني حلم المستيقظ وسلوة المحروم. إنه من أكثر حقائق الحياة تأكيداً. إنه التأقلم مع المحيط ومن لا يتأقلم مع محيطه لا يستطيع البقاء فيه أو التعايش مع باقي المجتمع. إذا اتفقنا على أن العالم دخل مرحلة تغيير فلا بد من أن نتفق على ضرورة التغير لكي نتأقلم مع القاعدة في عالم اليوم هي التغيير والاستثناء هو الاستقرار لأنه يعني الانكماش وعدم التنافس . نريد العولمة لتقوية روح التنافس لأنه سمة طبيعية من سمات الحياة لذا لا بد ان نتكيف مع قوى السوق. الجانبية . معه . إذا اقتنعنا بضرورة التغيير فإننا نستطيع إلى حد ما أن نرسم وتيرة التحرك في اتجاهه. نستطيع أن نختار أولويات التغيير إن لم نقتنع فلن يكون أمامنا خيار لأن العالم سيفرض علينا التغيير. عصرنا يقتضي أن يعرف الجميع التعامل مع الإنترنت لذا لا يستطيع القائد أن يخفي جهله فيمنع كل الناس من الارتباط بهذه الشبكة الدولية . تحدثنا كثيراً في هذا الكتاب عن الإنجازات والنجاح لكن الريح الطيبة لم تحمل إلينا إنجازاً واحداً بالمجان، ولا الحظ . لم نحقق شيئاً لم نرم فيه كل طاقاتنا، ولا نعتقد أن الأمر سيكون مختلفاً في المستقبل لذا يخطىء من يستخف بأي عقبة أو مشكلة ماثلة في الطريق. يخطىء من يعتقد أن سفينة التغيير يمكن أن تبحر في المجتمع مدفوعة بريح الاقتناع الطيبة. وبأن مصالحهم الحقيقية تكمن في حدوث التغيير لا في الركود. من يعتقد أنه يستطيع أن يعرض على القطاع العام خطة لتطوير العمل وزيادة الإنتاجية وتقديم الخدمة الممتازة للمتعاملين ولا يخرج من مكتب الوزير إلا وتوقيعه على الخطة لا يعرف هذه المؤسسة. الإنطباع السلبي الذي يحمله الناس في كل دول الدنيا عن هذه المؤسسة لم يأت من فراغ بل نتيجة تراكم التجربة . كلمة بيروقراطية حديثة لكن البيروقراطية مهنة قديمة لازمت الإنسان منذ بدء الحضارة ولا يوجد من يتغنى بفاعلية القطاع العام إلا من رحم الله . عندما تقول لبعض الموظفين إن عليه من الآن فصاعداً أن يتخلى عن بعض عاداته الوظيفية المتخشبة وممارساته اليومية العتيقة فيبدأ باحترام الناس والاهتمام بالمتعاملين وتخويل الصلاحيات فمن الطبيعي من وجهة نظره أن يجد ذلك صعباً. وقبل أن يقنع الناس بالتغيير عليه أن يتقبله ويعمل بموجبه . إذا اعتاد الإنسان على ترتيب معين ارتاح إليه واطمأن التغيير بالنسبة لهذا الإنسان يعني إعادة التأقلم مع الواقع الجديد والبعض لا يجد التأقلم سهلاً لذا يماطل في قبول التغيير ويسوف ثم يبدأ بالرفض في أول فرصة سانحة . الرفض لا يعني المظاهرات. يمكن أن تسأل الرافض فيقول «نعم» أمامك و ( لا ) عندما تدير ظهرك. لم أنتبه، باختصار يستطيع الإنسان أن يكون سلبياً ألف مرة في اليوم من دون أن يُظهر سلبيته لأحد بل ربما رآه بعض من لا يعرف بخفايا الأمور وهو ينقل كل هذه الأوراق من السلة إلى الأخرى ويخرج من مكتب ويدخل إلى آخر واعتبره مثالاً للموظف المجد. بعض القادة يستخدمون الصلاحيات التي ينص عليها القانون لفرض التغيير على طريقة شئتم أم أبيتم» و «رغم أنوفكم . نريد أن يكون التعامل حضارياً لأننا كلنا أبناء الوطن الواحد البناء أصعب من الهدم والسلام أصعب من الحرب والإقناع أصعب من الفرض لكن الثلاثة أدوم وأطول عمراً. الطاقة السلبية موجودة فينا إلى جانب الطاقة الإيجابية والكسل الى جانب النشاط هذا أول ما يجب أن نقوله لهؤلاء ثم : التطوير يديم فرصة العمل ولا يضعفها، ثم : الاهتمام بالمتعاملين يجعل الناس يحترمون الموظف ويقدرونه . يجب أن نوقظ الإبداع ونعيد الخمول إلى فراشه . يجب ان نركز على الطاقة الإيجابية وننبذ الطاقة السلبية التي يمثل الإحباط أهم عوارضها. يجب أن نقنع هؤلاء وإن لم يقتنعوا فعلينا المحاولة من جديد مرة وثانية وثالثة ونستخدم كل الطرق المناسبة لإقناعهم . أو معظمهم على الأقل . عندما يقتنعون سيبدأون بالتغير والتغيير، وعندما يحدث ذلك سيكتشفون أشياء ممتعة في عملهم لم يكتشفوها من قبل. إذا استنتج القارىء مما تقدم أن السلبية موجودة في القطاع العام وأن القطاع الخاص معصوم منها فهذا ليس قصدي. سألني صحافي مرة: «أنت تقول إن عمل القطاع الحكومي تسهيل عمل القطاع الخاص لكن بعض من في القطاع الخاص لا يفهمون المعادلة بهذه الصيغة. فقلت : «لأن اقتصاد اليوم يتضمن تجارة حديثة وتجارة تقليدية. ومن اعتاد التعامل بالتجارة التقليدية يواجه صعوبات في التحول إلى التعامل مع التجارة الحديثة ويريد أن يظل في مكانه القديم . شبابنا لا يعاني من المشاكل التي تواجه الشباب العربي في دول أخرى فلماذا التشاؤم والسلبية؟ أنجزنا الكثير فلماذا لا نريد الحديث إلا عما لم ننجزه بعد؟ اليست هذه سلبية؟ ألسنا كمن يركز على طائرة واحدة تأخرت عن موعد وصولها ويتجاهل مئة طائرة وصلت في الموعد المحدد؟ يا ناس ! تفاءلوا بالخير تجدوه» . ولنكن متفائلين، إن إشاعة الروح الإيجابية في الناس وتعزيز الطاقة الإيجابية في المجتمع لا يتحققان بالكلام بل بالعمل وبالمشاريع وبتجارب النجاح وإعطاء الشباب المسؤوليات وتمكينهم من الإنتاج وتعميم الخير . إذا لم يتوافر العمل فلن يتوافر الخير وخير البلاد في عقول أبنائها وفي ثقتهم بأنفسهم وبلدهم وقدراتهم. والأداء المتميز والطموح فمستوى أداء الشخص المحفّز ذي المعنويات العالية يكون عادة في القمة والعكس صحيح. أنا ملتزم بالوعد الذي قطعته على نفسي بترقية كل شابات وشباب الوطن القادرين وأصحاب الكفاءات ومن هم في الصفوف الثانية والثالثة ومنحهم الفرصة لتسلم مواقع قيادية . وأتمنى لو أصبح كل شباب وشابات الإمارات قياديين وقياديات لكن الواقع ليس هكذا، واعتقد أن شبابنا وشاباتنا وصلوا إلى مرحلة متقدمة من النضج وباتوا يعرفون أنه ليست كل امرأة قيادية وليس كل رجل قيادياً وأن التميز ليس محصوراً بالقادة والرؤساء وأن المناصب ليست دائماً المقياس الدقيق لكفاءة الرجل أو المرأة . مستوى الرواتب يجب أن يرتبط بمستوى الإنتاجية، ومستوى الإنجاز هو الذي لدينا نظام للمكافآت والحوافز الوظيفية لكن التشجيع المعنوي ضروري في كل الحالات لأنه الدافع إلى الإنجاز والامتياز والتطوير والطريقة المناسبة لإبقاء الروتين بعيداً عن المرؤوسين. وعندما يشعر الموظف أو العامل بأن رئيسه يتابع نشاطه باهتمام ويقدر عمله بالنطق أو الكتابة فإن هذا وحده كفيل بإبقاء معنوياته مرتفعة ويعمق شعوره بالراحة إضافة إلى معرفته بأن الاستجابة إلى هذا التشجيع هي الحوافز المادية والمعنوية مهمة وتوفير شروط العمل التي تساعد على التميز مهم لكن الإنسان يجب أن يكون فخوراً بعمله، والإنجاز هو طريقه إلى الفخر . إنه البرهان على الإمكانات والخبرات والأدوات والوسائل التي يؤدي استغلالها واستخدامها الجيد إلى الإنجاز.