يوضح علي الكواري أن ما شهدته أقطار الخليج العربي النفطية ليس إلا من قبيل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية العشوائية، وأنها ليست تنمية اقتصادية احتكاماً إلى المعايير العالمية والدولية لمؤشرات التنمية الاقتصادية، وأن تلك التغيرات العشوائية المتقلبة قد أضاعت على المنطقة فرصة تنمية محتملة نتيجة عجزها عن إحداث تغييرات هيكلية تسمح ببناء قاعدة إنتاجية مؤسسية وبشرية ومادية بديلة للنفط، ولم يستطع أي قطر من أقطار المنطقة أن يحقق تزايداً مطرداً في متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ولقد آل به المآل في محاولاته التنموية إلى أكثر من مأزق. وإذا كانت قد طغت في حقبة معينة نغمة من التفاؤل كتلك التي طغت في معظم دول العالم الثالث في أعقاب حصولها على استقلالها المعلن ودعوات التحرر الاقتصادي والسياسي، وإذا كانت حقبة الرواج النفطي قد روجت مرة ثانية وبطريقة مختلفة لنغمة التفاؤل على اعتبار أن المردود المالي المتعاظم من النفط يمثل فرصة ذهبية وتاريخية للانطلاق إلى آفاق التنمية في الأقطار النفطية، فقد انتهت حقبة الرواج النفطي وغلبت القتامة على الصورة أكثر ذي قبل. ولعل علي الكواري يؤكد أن التغيرات المصاحبة للنفط في أقطار مجلس التعاون الخليجي لم تكن عملية تنمية بالمعنى المتعارف عليه لمفهوم التنمية، ومروراً بمصطلح التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهكذا فإنه بين التنمية المفقودة وتنمية الضياع، وكلاهما متقارب في المعنى والمغزى، تبدو قتامة الصورة على الصعيد العربي بأقطاره النفطية وغير النفطية. وهذا ما تلتقي معه دراسة بعنوان «التنمية العربية: من المسار المغلوط إلى تلاشي الأمل» التي توضح أن الوطن العربي آل به الحال في العقدين الماضيين بصورة خاصة إلى الوضع المتردي، وأنه في الأقطار العربية النفطية وغير النفطية لم يكن هناك مسار تنموي فعلي تسنده إرادة جادة. فقد أغدقت الأقطار النفطية على المظهر الشكلي إلى حد كبير، واستحوذت القنوات الاستثمارية في الدول المتقدمة على ما كان يسمى بالفوائض المالية. فإنه لم يتم استثمار ما لديها من موارد، ‎والوضع العربي في محاولاته التنموية يمثل صورة قاتمة، وتصاعد حجم وأعباء الدين الخارجي، وتدهور أوضاع الاحتياطيات الدولية، وضعف بنية الصادرات السلعية، ولذلك بدأ الاقتصاد العربي يواجه نقطة ضعف هيكلية أساسية من حيث العلاقة مع العالم على جميع الجبهات، وشهد الاقتصاد العربي مزيداً من الاختراق وإحكام السيطرة عليه وتبعيته نتيجة تغلغل الشركات الدولية النشاط في بنية الاقتصاد العربي، ‎والمشكلة الرئيسية التي يواجهها العديد من الأقطار العربية هي أن أعباء ديونها الخارجية قد تزايدت وتعاظمت، الأمر الذي يؤدي إلى تردي مستوى المعيشة وتعطل الطاقات الإنتاجية وتوقف خطط التنمية وسبقت الإشارة بالنسبة إلى أقطار الخليج العربية النفطية الى أن أي مقارنة بين مفهوم التنمية والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية - الفجائية والعشوائية المتقلبة ـ التي شهدتها المنطقة في عصر النفط تبين مدى ابتعاد تلك التغيرات عن نهج التنمية، وواضح أنها لا ترقى إلى مستوى عملية تنمية بأي تسمية من التسميات المستحبة، بل إن مسار تلك التغيرات أخذ تدريجياً عبر حقب اليسر والعسر يصبح أقرب إلى تنمية الضياع منه إلى أي من تسميات التنمية المتعارف عليها .