مقدمة مما لاشك فيه أن مفهوم التربية لا يتوقف عند اكتساب المعارف والمعلومات بل يتعداها الي تنمية المتعلم بوصفه فردا متكاملا من النواحي الجسمية و العقلية والروحية والوجدانية والاجتماعية والمهارية, بحيث تعده كمواطن صالح في مجتمعه و بيئته و يسعي الي تطويرها نحو الأفضل و الأحسن. و في رحلة التربية الطويلة في المجتمعات تعرضت التربية الي رؤي و وجهات نظر فلسفية متعددة, أشتملت علي مجموعة من الثنائيات التي التي أثرت علي مجال التربية لسنوات طويلة و ما زالت تؤثر علي التربية حتي وقتنا هذا . و في هذا الفصل سوف نعرض لك أيها الطالب الكريم بعضا من من هذه الثنائيات لنوضح لك كيف اثرت هذه الثنائيات و لا زالت تؤثر في معتقدات كثير من المعلمين أولياء الأمور والمهتمين بالتربية, ونوضح لك كيف عملت هذه الثنائيات و ما ترتب عليها من المعتقدات علي وجود مشكلات تربوية و ثقافية في المجتمع و التي نتمني أن نتخلص منها و نغيرها و نحسن من معتقدتنا و التربوية ونظمنا التعليمية كما نهدف أيضا من هذا العرض أن نوضح لك أهمية الأخذ بمفهوم التربية التكاملية في عملك كمعلم في المستقبل و القضية هي أنه في تطور الرؤي الفلسفية في ميدان التربية ظهرت بعض الثنائيات بسبب تركيز بعض الفلسفات علي جوانب معينة تصورت أنها أكثر أهمية في تفسير الظواهر التربوية من جوانب أخري رأتها أقل أهمية فافتقدت الرؤية الشاملة وتسببت في حدوث تلك الثنائيات الفلسفة التكاملية : نتيجة التعقيد و التشابك المتزايد في مشكلات وقضايا العصر الحديث حيث لا يمكن للانسان المعاصر أن يواجه الحياة أو أن يحل المشكلات المعاصرة باستخدام فرع علمي واحد حيث تتشابك عناصر و مسببات المشكلات و طرق حلها و مواجهتها, مما تتطلب الأخذ بالنظرة التكاملية للكون والحياة و من ثم التربية انتشرت الفلسفة التكاملية بشكل واسع في العالم الغربي و يقصد بالفلسفة التكاملية أنها نظرة تهدف الى توحيد كافة المعارف الأنسانية في مختلف المجالات سواء كانت علمية أو فلسفية أو روحية . و لذلك يقال علي الفلسفة التكاملية فلسفة " كل شي " و تنصب فلسفة التكاملية علي ايجاد تقاطعات بين قطاعات معرفية عديدة كانت الي عهد قريب تبدو كما لو أنها متباعدة عن بعضها . وتهدف الفلسفة التكاملية الى تقديم خريطة معرفية تمكننا من فهم أفضل للوضع البشري و القضايا الأنسانية و السؤال الاساسي الذي تطرحة الفلسفة التكاملية كما يري الفيلسوف الأمريكي "كين ويلبر " ( 2000 ) هو : أيجاد البراديم العام أي الأطار الذي فيه يتجمع كافة الحقائق التي تم التوصل اليها حتي الآن في مختلف التخصصات و الثقافات كيما تشكل كلا واحدا منسجما, أو بطريقة أخري كيف سنتمكن من تنظيم هذة القطه المتناثرة لي نصنع منها لوحة واحدة معبرة عن الأنسان ووعيه و مكانته في الكون ؟ وهنا نحب أن نشير الي نقطة هامه ألا و هي أن المقصود هنا بالتكاملية هو البحث عن الترابطات و التقاطعات الممكنة بين قطاعات المعرفة و ليس الغائها بحيث من خلال هذه التقاطعات يمكن الوصول الي صورة شاملة لما نبحث عنه و توضيح الحقائق بصورة أفضل، بحيث ما نعجز عن فهمه من خلال قطاع معين من قطاعات المعرفة يكون أكثر وضوحا بفهم قطاع آخر علي خلاف ما ذهب اليه " "هيجل " في فكرة النسق الكلي المغلق ( الكل في واحد ) و التي تعرضت للانتقاد لما أسماه " كيركيجارد ( المطلق الهيجلي ( لانها تعرض فكرة الأنسجام بين العناصر ضمن وحدة مغلقة على حساب الواقع المتعدد الدينامي فحيث يركز هيجل علي ضم العلوم في نسق واحد ثابت نجد الفلسفة التكامليه عند " كين و يلبر " تعبر عن فكرة الشمولية ( الهولزم ) التي تعبر عنها الطبيعة بشكل أكثر أتساعاً حيث أن مكونات البيئة التي نعيش فيها لا تكون حلقات منفصلة لكنها حلقات متسلسلة تتسم بالتراتبية والأضرار بأي منها يكون له آثارا مدمرة للبيئة ككل. و مرة أخري نشير الي أن التكاملية تكز علي المساحات المشتركة بين المجالات المعرفية ونظرية العلوم المتكاملة أو النظم المتداخلة التكامل المعرفي : يستخدم مصطلح التكامل المعرفي في كثير من الأحيان ليعني : أن شخصا ما موسوعي في معرفته و ثقافته لأنه يلم بكثير من العلوم و أن كان المامه من باب الثقافة و ليس المعرفة التخصصية و من الجدير بالذكر أنه لا يمكن اختزال التكامل المعرفي فقط في الحقل المعرفي و أنما هو عملية نفسية تربوية تستهدف تحرير العقل وتربية الوجدان وتنمية الأبداع و هو من ضروريات العلم و مقتضياته المنهجية, فيقتضى التكامل الجمع بين العقل و النقل و بين العلم والأخلاق و بين النظر و الفعل بين العلم و العمل و القول والفعل وهكذا " فلا يمكن لألف رجل أصلاح رجل واحد بحسن القول دون حسن العمل و لكن يمكن لرجل واحد بحسن العمل أصلاح ألف رجل". أشار كين ويلبر في كتابه العيون الثلاثة للحقيقة (1978) الي أن هناك حتى الآن ثلاثة عيون للحقيقة في تاريخ الفكر البشري حتى الآن و هي كما يلي : 1- عين الجسد 2- عين العقل 3- عين التأمل . 1- عين الجسد : و يقصد بها العين الحسية التي تطمح الي أدراك الطبيعة بواسطة التجربة والاحتكاك المباشر بالأشياء 2- عين العقل : ويقصد بها العين الفلسفية التي لا تحتكم الي الحواس بل تحتكم الي العقل و 3- عين التأمل : هي العين الحدثية الروحية التي تتعالي علي الحس و علي العقل . و يري أن كل عين من هذه العيون لها منطقها المنهجي الذي يميزها عن غيرها فعين الجسد منهجها تجريبي، وعين القل منهجها تجريدي و عين التأمل منهجها حدثي روحي . : بعض مظاهر الثنائية في التربية أولا : ثنائية العقل والجسم : ظهرت ثنائية العقل و الجسم لدي فلاسفة الفلسفة المثالية و حيث يري أصحاب الفلسفة المثالية مثل أفلاطون أن العقل هو الوسيلة الصحيحة للحصول علي الحقائق و الافكار الموجودة في عالم المثل, و العقل عندهم أسمي من الجسم لأن الجسم يتصل بعالم الجواس أو عالم الواقع المتغير الزائل . 1- عين الجسد 2- عين العقل 3- عين التأمل . 1- عين الجسد : و يقصد بها العين الحسية التي تطمح الي أدراك الطبيعة بواسطة التجربة والاحتكاك المباشر بالأشياء 2- عين العقل : ويقصد بها العين الفلسفية التي لا تحتكم الي الحواس بل تحتكم الي العقل و المنطق. وعين القل : بعض مظاهر الثنائية في التربية و بعد هذا العرض السريع للتكاملية يجدر بنا أن نشير الي بعض الثنائيات التي ظهرت في التربية نذكر منها مايلي :