نفى سبحانه التسوية بين المؤمنين القاعدين عن الجهاد وبين المجاهدين، ثم أخبر سبحانه عن تفضيل المجاهدين على القاعدين درجة، وقد أشكل فهم هذه الآية على طائفة من الناس، من جهة أن القاعدين الذين فضّل عليهم المجاهدون بدرجات، إن كانوا هم والقاعدون الذين فضّل عليهم أولو الضرر المجاهدون بدرجات: هم غير أولي الضرر. فيكون المجاهدون أفضل من القاعدين مطلقا. وعلى هذا فما وجه استثناء أولي الضرر من القاعدين، وهم لا يستوون والمجاهدون أصلا؟ فيكون حكم المستثنى والمستثنى منه واحدا. ونحن نذكر ما يزيل الإشكال بحمد الله. فنقول: وهي قراءة أبي حبوة. فأما قراءة النصب فعلى الاستثناء، هذا هو الصحيح. أي لا يستوي القاعدون غير مضرورين، والاستثناء أصح، فإن «غير» لا تكاد تقع حالا في كلامهم إلا مضافة إلى نكرة، كقوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وقوله عز وجل أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ، غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ فإن أضيفت إلى معرفة كانت تابعة لما قبلها. كقوله تعالى: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولو قلت: مرحبا بالوفد غير الخزايا ولا الندامى لجررت «غير» هذا هو المعروف من كلامهم. وحسن وقوعها إذ ذاك حالا له مقام آخر. وأما بالرفع: فعلى النعت للقاعدين. هذا هو الصحيح. وقال أبو إسحاق وغيره: هو خبر مبتدأ محذوف تقديره: الذين هم غير أولي الضرر. والذي حمله على هذا: ظنه أن «غير» لا يقبل التعريف بالإضافة. فلا تجزى صفة للمعرفة. وليس مع من ادعى ذلك حجة يعتمد عليها، سوى أن «غير» توغلت في الإبهام. فلا تتعرف بما يضاف إليه. وجواب هذا: أنها إذا دخلت بين متقابلين لم يكن فيها إبهام لتعيينها ما تضاف إليه. أحدهما- وهو الصحيح- أنه نعت للمؤمنين. والثاني- وهو قول المبرد- أنه بدل منه. بناء على أنه نكرة. فلا ينعت به المعرفة. وعلى الأقوال كلها: فهو مفهم معنى الاستثناء، وقوله وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً هو مبين لمعنى نفي المساواة. قالوا: والمعنى: فضل الله المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر درجة واحدة لامتيازهم عنهم بالجهاد بنفسهم ومالهم. ثم أخبر سبحانه أن الفريقين كليهما موعود بالحسنى، فقال وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى أي المجاهد والقاعد المضرور لاشتراكهم في الإيمان. قالوا: وفي هذا دليل على تفضيل الغني المنفق على الفقير. لأن الله أخبر أن المجاهد بماله ونفسه أفضل من القاعد،