الدراسة التركيبية ومما لا شك أن « الصوتمية » برزت الى الوجود قبل التركيبية » (Syntaxe) كعلم يبدو على جانب كبير من الضبط ويرجع ذلك إلى أسباب : منها حجم المادة التي تكون موضوعها والتي لا تتجاوز في كل لغة بضع عشرات من الوحدات الدنيا ولذا يتسنى ضبطها وتحديد جداولها بدون عناء كبير ومنها خلق هذه الوحدات الدنيا في حد ذاتها من المعنى وهذا يحول دون تنوع وظائفها وتفرعها. ومنها تبعا لذلك نوع العلاقات التي تقوم بينها في سلسلة الكلام وارتباط هذه العلاقات بالمرتبة التي ترد فيها. ثم عليه أخيرا أن يبحث عما وراء تتابع الوحدات المفيدة من علاقات قد يحجبها هذا التتابع. على أنه يوجد ضرب من التوازى في المنهج بين الدراسة الصوتمية والدراسة التركيبية فكما أن أول ما يبادر به في التحليل الصوتي هو تحليل الوحدات الدنيا المتتابعة أي الصواتم فان أول ما يبادر اليه في التحليل التركيبي هو تفكيك الملفوظ الى وحدات دنيا متتابعة مفيدة وهي اللفاظم ومن الملاحظ هنا أن التحليل التركيبي في اللسانيات قد تخلى بصفة عامة عن مصطلح « الكلمة ، لما قد يحدثه من اضطراب في المفاهيم فهو يطلق على وحدات مثل « من » و « على » و « هل » أي وحدات دنيا بأتم معنى الكلمة ، ولكنه يطلق أيضا على وحدات مثل » خرج » و « اخرج » أي وحدات يدل التحليل على أنها ليست دنيا وانها تتكون من عناصر لكل واحد منها وظيفته فمما لاشك فيه أن « أَخْرُجُ ، - ومما يعتبر أيضا متناظرا في التحليل الصوتمي والتحليل اللفظمي هو تحديد الأجزاء (Segments) التي تمثل في الحالتين اختيارا توخاه المتكلم : إما للحصول على دال بعينه كما هو الشأن في اختياره الباء عوضا عن الواو في وحدة مثل « حبل » لأنه لو اختار الواو لحصل على » حول » وليس هذا هو مبتغاه * وإما لتبليغ « رسالة » (Message) بعينها كما هو الشأن في اختیاره مثلا منتصر عوض منهزم في «الفريق منتصر ». على أن التناظر بين التحليلين ليس تاما بل أن التحليل التركيبي يثير مشاكل ناجمة عن نوع المادة المدروسة ودور المعنى فيها. ومن هذه المشاكل أنه لا يتيسر دوما تحليل التركيب الى وحدات دنيا متتابعة اذ كثيرا ما تتداخل العناصر الدالة في الجزء الواحد من أجزاء الملفوظ تداخلا يحول دون تحليله الى دوال متتابعة من ذلك مثلا أنه لا يمكن لنا أن نحلل « هُزموا » على أساس تتابع الدوال الثلاثة التى تعبر عن المدلولات الثلاثة المستفادة يمكن بدون شك فك الدال المفيد للغائب الجمع، إن هذه الظاهرة التي يعبر عنها بمصطلح « المزج » ( amalgame) تعقد التحليل التركيبي وتنبه إلى أن الأمور لا تجري كما يُتوهّم من خلال وصف اللغة بانها مزدوجة التقطيع وبأنها تبعا لذلك تخصص لكل مدلول دالا يمكن عزله عن غيره وضبط حدوده ومن هذه المشاكل ايضا أن تتابع الوحدات المعنوية قد يكون مفيدا وقد لا يفيد شيئا، لكن في ملفوظ من نوع « سأسافر »، إنَّ تدخل المعنى في مادة 3 - أما الصنف الثالث فيتكون مما بقي من اللفاظم وهي التي لا توحي بذاتها بنوع العلاقة التي تحصل في الملفوظ بينها وبين غيرها وهي « اللفاظم التابعة » (dependants) وهذا النوع تتعدّد وظائفه وتتنوع طرق الترجمة عن هذه الوظائف كالمرتبة أو الاتصال بلفظم وظيفي أو الاعراب كما هو الشأن في العربية. على أن التحليل الوظيفي يراعي أيضا مدى الالتحام الحاصل بين اللفاظم في الكلام، وعلى غرار اللفاظم المستقلة نجد بين المركبات النحوية مركبات مستقلة ليست وظيفتها رهينة موقعها من الكلام فهي : 1 - إما أنها تحمل في معناها ما يفيد وظيفتها وهذا هو شأن الظروف ؛ فأداة التعريف مثلا وحروف المضارعة لا تدلّ في حد ذاتها على وظيفة ما تلتحم به من اللفاظم إن هذه الاصناف من اللفاظم والمركبات تجمع مبدئيا كل العناصر التي تتكون منها اللغة وتتألف منها الجمل ؛ أو بعبارة أخرى ما هي الوظائف التي يقوم عليها الملفوظ ؟ - لقد صنفت النظرية الوظيفية الوظائف الى نوعين : الوظائف الاولية (Primaires) الوظائف غير الاولية (Non Primaires) فالوظائف الاولية هي التي تتصل مباشرة بالملفوظ باعتباره كلا لا بأحد عناصره ؛ اقتنى الاستاذ بماله كتابا مفيدا من المعرض فكل من اقتنى والاستاذ وكتابا تعتبر وظائف أولية ، وكل من بماله ومفيدا ومن المعرض تعتبر وظائف غير اولية حيث الاهمية هو ما لكن هذا التصنيف لا يعني أن كل الوظائف الأولية على قدم المساواة من الأهمية في الكلام ؛ از لابد من اقحامه في سياق (Actualiser) أقل عناصره اثنان واذا كانت بعض الملفوظات تبدو منحصرة في لفظم واحد مثلا شكرا » و « أهلا وسهلا فهي في الواقع صور مختصرة لملفوظات أطول، فادني ما يقوم عليه الملفوظ في كثير من اللغات لفظمان : اللفظم الاستنادي واللفظم المقحم له في سياق معين وهو عادة الفاعل أو المبتدأ أي المسند اليه وكل ما ليس لفظما استناديا ولفظما مقحما له في السياق يعتبر توسيعا ، ويفرع التوسيع حسب المتطور الوظيفي الى نوعين : التوسيع بالعطف وهو الذي يحصل عندما يقوم العنصر المعطوف بوظيفة العنصر الذي سبق وجوده أي المعطوف عليه . * التوسيع بالاتباع (Subordination) وتتمثل في ان وظيفة العنصر المضاف متميزة عن العنصر السابق وتتجسم في مرتبتها ففي قولنا ، اقتنيت كتابا » تعتبر « كتابا » توسيعا بالاتباع تدل عليه مرتبته بعد النواة الاسنادية، وهو من ناحية أخرى يمكن أن يكون لفظا واحدا أو مركبا نحويا (Syntagme) أو مركبا إسناديا هذا هو اهم ما بدا لنا ممثلا للنظرية الوظيفية وقد رأينا الا نكثر من التفاصيل اجتنابا لما قد يترتب عن ذلك من غموض خاصة وأن جانبا مما غضضنا عنه الطرف قد لا نجد له مقابلا في استعمالات العربية ولعل من أهم ما يميز النظرية الوظيفية اعتبارها المعنى في وقت شاعت فيه النظرية التوزيعية التي استنكفت من مواجهة المعنى لما تثیره دراسته من مشاكل ويمكن أن نعتبر أن اعتماد مفهوم الوظيفة بدا لأصحاب هذه النظرية منفذا الى حل هذه المشاكل والى السيطرة على المعنى في التحليل اللساني فالوظيفة أي العلاقة التي تنشأ في الملفوظ بين مختلف العناصر المكونة له هي المقياس الذي يعتمده اللساني ليختار من الملفوظ ما هو أساسي في التواصل والتبليغ أي ما هو مفيد فيه (Pertinent) ولغض النظر عما لا يفيد أي لا يحمل شحنة إعلامية أو إخبارية وليس من شك في أن وجهة النظر المتوخاة تثير مشاكل وتحول دون تفسير بعض الظواهر فالانطلاق من ازدواجية التقطيع القاضية بان كل مدلول يقابله في سلسلة الكلام دالّ يفضي كما رأينا الى ضرب من التكلف في تحليل الدوال الممزوجة كما أنه يفضي بغض النظر عن وسائل لا تدخل في نطاق ازدواجية التقطيع كما هو الشان مثلا في النغمة التي تضطلع بوظيفة في الاستفهام أو