- أسطورة غياب الصراع الاجتماعي:لا يشكل التركيز على نواقص اﻟﻤﺠتمعـات الـثـوريـة سـوى جـانـب واحـد-الجانب الدولي-من مشروعات »توجـيـه الـعـقـول«لحـجـب واقـع الـسـيـطـرة الاستغلال عن الجماهير.وفي مجال تصويرهم للساحة الداخلية� ينـكـر ا�ـتـحـكـمـون فـي الـوعـي إنكارا مطلقا وجود الصراع الاجتماعي. وقد يبدو ذلك فـي ظـاهـر الأمـر� مهمة مستحيلة التحقيق. فالعنف� رغم كل شيء »أمريكي مثله مثل فطيرة التفاح«� ليس في الواقع فحـسـب� بـل فـي الخـيـال أيـضـا: فـفـي الـسـيـنـمـا� والتلفزيون� وعبر موجات ا�ذياع تخصص يوميا لسيناريوهات العنف مساحة مذهلة� فكيف يتفق هذا الكرنفال من الصراع والعنف مع الهدف الأساسي �ديري وسـائـل الإعـلام� وا�ـتـمـثـل فـي تـقـد� صـورة لـلانـسـجـام والـتـآلـفالاجتماعي? الواقع أنه تناقض يتم حله بسهولة. فالصراع� كما تصوره الأجهزة القومية لصنع الأفكار والتوجهات العامة�هو في الأساس مسألة فردية� سواء في تجلياته أو فـي أصـولـه. إذ إنـه لا وجود أصلا للجذور الاجتماعية للصراع في رأي مديـري أجـهـزة الـثـقـافـة والإعلام. صحيح أن هناك »أشخاصا طيب�« و»أشخاصا أشرارا«� إلا أن عملية تحديد هوية الدور )باستثناء تلك الحالات ا�صطبغة بطابع طقسي� أو �طي مثل أفلام الغرب الأمريكي والتي �كن تقبلها بوصفها سيناريوهاتتحكي عن ا�اضي( يتم الفصل بينها وب� الفئات الاجتماعية ا�ؤثرة. ولقد لقي السود� والسمر� والحمر� والصفر� والأقليات العرقية الأمريكية الأخرى� أقل قدر من الاهتمام في الإبداعات الثقافية ا�صنوعة. ومع ذلك فهي أقليات � استغلالها من جانب كل قطاعات الأغلبية البيضاء بدرجات متفاوتة. كذلك لم يلق الانقسام الاجتماعي الكـبـيـر فـي الأمـة� إلـى عـامـل وصاحب عمل-إلا في حالات استثنائية مـحـدودة-أي حـظ مـن الـدراسـة أو الاهتمام. بل ظل الاهتمام منصبا على موضوعات أخرى تتمثل بوجه عـام في مشكلات القطاع الأوسط من السكان� الذي يسعى جاهدا للصعود إلىأعلى السلم الطبقي� تلك الفئة التي يفترض انتماء كل إنسان إليها. ولا �ثل الإحجام عن الاعتراف با�ـوقـع الأعـمـق لـلـصـراع فـي الـنـظـام الاجتماعي� وعن محاولة تفسيـره� لا �ـثـل تـطـورا حـديـثـا فـي �ـارسـات أجهزة الثقافة والإعلام� بل هو نهج متفق عليه ومعمـول بـه مـنـذ الـبـدايـة. فأنت لا تصادف إلا نادرا� وسط هذه ا�ادة الهائلة السارية في دائرة الإعلام القومية� إبداعا ثقافيا حقيقيا يعترف بهذا الواقع. والواقع أن تفاهة وسطحية معظم البرامج� وخاصة ما يتعلق منها بتغطية الأحداث الاجتماعية الجارية� تعودان أساسا إلى قصور وسائل الإعلام ا�عتاد عن التسليم بوجود الصراع الاجتماعي� وعن تحديد طبيعة أسس هذا الصراع. وليس الأمر أمر خطأ غير مقصود� أو افتقار إلى الكفاءة الإبداعية� بل هو نتيجة مـتـرتـبـة عـلـىسياسة متعمدة يقبلها معظم ا�سيطرين على أمور الثقافة دون تحفظ. إن سيطرة النخـبـة تـقـتـضـي تجـاهـل� أو تحـريـف الـواقـع الاجـتـمـاعـي. فالدراسة اﻟﻤﺨلصة� وا�ناقشة الجادة للصراع الاجتماعي لن تؤديا إلا إلـى تعميق وتكثيف مقاومة الظلم الاجتماعي. وتصاب اﻟﻤﺠموعات والـشـركـات ذات النفوذ الاقتصادي القوي بتوتر بـالـغ وفـوري� إذا مـا � لـفـت الأنـظـار للممارسات الاستغلالية التي يشاركون فيها. وقد وصف ليس براون� محرر باب التلفزيون �جلة »فاريتي« Variety‘s-� حادثة من هذا النوع. فقد احتجت شركة »كوكاكولا للأغذية«� واتحاد فلوريدا لـلـفـاكـهـة والخـضـراوات بـشـدة على إذاعة الفيلم التسجيلي التلفزيوني »ا�هاجر«� الذي ركز على ا�هاجرين العامل� في جني الفواكه في فلوريدا.�N. B. C بعدم عرض الفيلم نظرا لأنه »متحيز«.ب.إس« و»إيه.ب.سي«)١٠(. فعلى الصعيد التجاري البحت� يؤدي عرض القضايا الاجتمـاعـيـة إلـى لذا يحرص رعاة البرامج التلفزيونـيـة أو �ـولـوهـا عملا �بدأ السلامة� ومن أجل الاحتفاظ بأكبر عـدد �ـكـن مـن جـمـهـور ا�شاهدين� على استبعاد أي برنامج يشتبه في احتوائه على مادة »خلافية«أو مثيرة للجدل. وهكذا نجد أن ألوان الترفيه والإنتاج الثقافي التي حققت نجاحا أكبرفي الولايات ا�تحدة� والتي لاقت قدرا أكبر من الدعم والدعاية من الجهاز الإعلامي� هي الأفلام� والبرامج التلفزيونية� والكتب� والتسلية الجماهيرية )ديزني لاند على سبيل ا�ثال( التي قد تقدم ما هو أكثر من تلـك الحـصـة ا�قررة من العنف� إلا أنها لا تتبنى بأي شكل قضية الصراع الاجتـمـاعـي. والواقع أن هذه ا�فاهيم هي بالفعـل أشـيـاء خطرة-بالنسبة للمضطهدين-من حيث إن إدراك مدلولاتها يـشـكـل ضـرورةللنشاط التحرري«)١١(. عندما انفجـر الـصـراع الاجـتـمـاعـي� فـي أواخـر الـسـتـيـنـيـات� وأصـبـحالاحتجاج ضد الحرب الفيتنامية� وا�ظاهرات ا�طالبة بالتغيير الاجتماعي حدثا يوميا تقريبا� ارتبك الجهاز الإعلامي لفترة وجيزة� لكن سرعـان مـا استعاد توازنه. وقبل أن ينتهي العقد ازدحمت شاشات السيـنـمـا فـي طـول البلاد وعرضها بطوفان من أفلام »الشباب« وأفلام السيناريوهات السوداء«. وأصبح إنتاج أفلام ومسلسلات مثل: )shaft( و)Super - Fly( و)Black Gunn( و)Hit Man( والتي أسماها الإمام أميري بركة� »الدمى الزنجية الحديـثـة«- تجارة رابحة. وحققت تلك العروض وصية جيم براون �نتجي أفلام السود: إن أسلوب التعامل الوحيد الذي يحقق النجـاح هـو الـتـعـامـل مـع الـسـيـنـمـا بوصفها صناعة� بوصفها نـشـاطـا تجـاريـا. إن عـلـى الـسـود أن يـكـفـوا عـن الهتاف بالشعار: »أسود« وأن يبدأوا في الهتاف بشعار »التجارة«)١٢(.