يشكل العالم العربي بالمقابل النموذج المثالي للاستجابة السلبية التي جعلت منه المنطقة الأقل استفادة من الفرص التاريخية التي فتحتها العولمة والأكثر تأثرا بالمشاكل الخطيرة التي طرحتها على جميع الشعوب والبلدان على حد سواء. وهكذا بقدر ما نجحت الصين في إعادة تأهيل نفسها للقرن الجديد واكتساب مواقع قوية في جميع الميادين التي تخص المجتمع العولمي المتنامي الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية والاستراتيجية، يبدو العالم العربي، وكأنه خارج العولمة أو على هامشها، لا على الصعيد الاستراتيجي ولا الاقتصادي ولا السياسي ولا الاجتماعي ولا التقني ولا العلمي ولا الرمزي الثقافي المتعلق بالهوية. الثقافية والسياسية لعولمة العالم العربي فشل التجربة القومية لا نستطيع في نظري أن نفهم طبيعة الاستجابة التي قادت العالم العربي إلى الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية التي يعرفها اليوم، ولا الاستجابات التي نقلت بلدانا كبرى مثل الصين أو الهند إلى مقدمة مسرح الاقتصاد والسياسة العالميين مستفيدة من الفرص التي قدمتها العولمة إلا إذا حللنا السياق الذي حكم استراتيجية الانخراط في العولمة لكل منها. وفي مقدمها إعادة بناء النظام السياسي والاجتماعي بما يتفق مع متطلبات الانخراط في شروط الانتاج العالمية أو المعولمة. المتمحورة حول الاحتفاظ بوحدة البلاد ضد عوامل التفكك الداخلية وبمكانة الصين العالمية في التشجيع على التحول الانقلابي من السياسات الاقتصادية الاشتراكية التقليدية والانفتاح على السوق العالمية بهدف ضمان وتيرة التنمية والإزدهار الاقتصادي، ومن ورائها المجتمعات نفسها في إدراك حقيقة العولمة وأهمية ايجاد الحلول الفعالة لمشاكل انحسار الوطنية القومية كحركة سياسية فكرية محركة للدولة ومقومة للسلطة، قد يبدو هذا التفسير مفاجئا في الوقت الذي لا تزال الأفكار الوطنية والقومية تسيطر بشكل قوي على الخطاب السياسي العربي الرسمي والشعبي على حد سواء. لقد تحولت الوطنية إلى حجاب بالمعنى الديني للكلمة، لكن النتيجة المهمة التي نريد التاكيد عليها والتي تشكل العامل الرئيسي في تكوين سیاق اندراج المجتمعات العربية في عصر العولمة هو ما أسميه التغريز في الفكرة الوطنية القومية أو التخبط المستمر فيها وعدم النجاح في الخروج السليم والمنظم منها نحو آفاق أرحب تساعد العالم العربي على مقاربة التحولات الدولية الجديدة. ولا يرجع هذا التغريز وما رافقه من فشل في تجاوز إطار الدولة الوطنية أو القطرية إلى عامل واحد ولكن إلى عوامل متعددة. على تحقيق الاستقلال الذي يشكل الشرط الرئيسي لبناء هذه الدولة ذات السيادة القومية. وقد كان الصراع من أجل الاستقلال محور نضالات العرب ضد الهيمنة القومية التركية التي ورثت السلطنة العثمانية، في المشرق والمغرب العربيين وما إن تحررت الشعوب العربية من هذه السيطرة ونالت استقلالها حتى تطلعت،