حين كانت حركة الإخوان المسلمين تعمل علنا في قطاع غزة ، لوحظ تمايز داخل الحركة ، حيث ظهر تيار قاده خليل الوزير ، مسؤول شباب الإخوان في قطاع غزة ، وتميز تيار الوزير بالطابع الجهادي ، فتبلورت عنه كتيبة الحق ، وبعد ضرب الإخوان المسلمين في مصر ، في أواخر أكتوبر / تشرين الأول ١٩٥٤ ، تحولت الجماعة في قطاع غزة إلى العمل تحت الأرض ، وانفض عنها أعضاء كثيرون ، ممن كانوا توهموا بأن «حركة الجيش» (۲۳) يوليو / تموز ١٩٥٢) تابعة للإخوان ، فتدفق المتسلقون والوصوليون على شعب الإخوان في قطاع غزة ، مع تأكد عدم صحة تبعية حركة الجيش للإخوان ، ووقوع الصدام الدامي بينهما ، على النحو المعروف . يؤكد بعض الإخوان بأن كتيبة الحق قد قامت بعمل عسكري من قطاع غزة ، وأن العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة ، كان ردا على ذاك العمل العسكري ، وقد ذهب ضحية العدوان الإسرائيلي ٣٩ جنديا مصريا ، من أقصى القطاع إلى أقصاه ، وفي اليوم الرابع أرسل حاكم غزة الإداري ، البكباشي (المقدم) سعد حمزة ، حتى يقدم مطالب الانتفاضة إلى حمزة ، واختار المنتفضون وفدا من ثلاثة ، هم : فتحي البلعاوي (إخوان) ، وجمال عمر الصوراني (مستقل) . وقدم الوفد مطالب الانتفاضة إلى حمزة ، الذي وعدهم برفعها إلى الرئيس جمال عبد الناصر . وتمثلت مطالب الانتفاضة فيما يلي : وتدريبهم . إشاعة الحريات الديمقراطية ، وتأسيس النقابات . - إلغاء مشروع سيناء ، مطلع ١٩٥٤ ، على تنفيذه في شمال غرب سيناء ، لاستيعاب اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في مصر وقطاع غزة ، في سياق محاولات واشنطن لتصفية القضية الفلسطينية . في عصر اليوم نفسه ، المقابل لسراي الحكومة ، وأبلغ البلعاوي وبسيسو بأن الرئيس عبد الناصر قد وافق على مطالب المنتفضين . وأصدر الحاكم العام لقطاع غزة ، اللواء عبد الله رفعت بيانا ، أكد فيه بأن الإدارة المصرية لن تحاكم أو تعتقل إلا كل من أحرق أو أتلف عن قصد ، وأقسم على ذلك بشرفه العسكري . وفي مساء اليوم الرابع لزيارة حمزة لنقابة معلمي الوكالة ، والمستقلين ، بما يشبه النسب المتساوية بين الفئات الثلاث . على أن عبد الناصر أفاد من تلك الانتفاضة ، فأدار ظهره للولايات المتحدة ، دون جدوى ، واتجه عبد الناصر إلى الاتحاد السوفييتي بمطالبته تلك ، وسرعان ما استجابت موسكو لتلك المطالبة ؛ فكانت «صفقة الأسلحة» التي أضيف إليها اسم «التشيكية» لتخفيف الصدمة على واشنطن . التي طالبت عبد الناصر بإلغاء تلك الصفقة ، فرد بعقد صفقة أسلحة أخرى ، ثم اعترف بالصين الشعبية ، الأمر الذي كانت واشنطن تؤمه ، والبنك الدولي ، لم يتأخر رد عبد الناصر ، إذ جاء بعد نحو أسبوع ، حين أعلن تأميم قناة السويس (٢٦ / ٧ / ١٩٥٦) ، ولم تقعد . ودخلت إسرائيل على الخط ، بعد أن روعتها الكتيبة ١٤١) ، التي شكلها عبد الناصر ، من فدائيين فلسطينيين، آنذاك ، البكباشي (المقدم) مصطفى حافظ ، في بضعة أسابيع ، بلغت ۱۳۸۷ إسرائيليا ، قتلوا على أيدي فدائيي الكتيبة ١٤١ (١) . هنا نشأ حلف سري بين الاستعمارين البريطاني والفرنسي وبين تل أبيب ، الاستعماران بسبب الضرر الذي لحق بهما من تأميم القناة ، وإسرائيل لتعطشها في سبیل استئصال شأفة فدائيي الكتيبة ١٤١ . وكان العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة ثمرة لذاك التحالف ، وهو العدوان الذي ابتدأته القوات الإسرائيلية ، يوم ٢٩ أكتوبر / تشرين الأول ١٩٥٦ ، وتبعتها بريطانيا وفرنسا . لكن هذا العدوان تحطم على صخرة صمود الشعب المصري . والتفافه من حول قيادة عبد الناصر ، إلى التضامن الشعبي العربي الجارف مع مصر ، فضلاً عن الدور الحاسم للإنذار السوفييتي ، إلى دول العدوان ، بضربها بالصواريخ إذا ما استمرت في عدوانها على مصر أو احتلال المعتدين للأراضي المصرية (1) . (۱) حين احتلت القوات الإسرائيلية قطاع غزة ، بادر الشيوعي» بدعوة كل من «الإخوان»، و«البعث لتكوين جبهة المقاومة ، وتشكلت جبهة المقاومة الشعبية» من «الإخوان» ، و«البعث»، مع جلاء القوات الإسرائيلية عن قطاع غزة ، في /٣/٧/ ١٩٥٧ ، كان بعض الإخوان المسلمين في القطاع قد اقتنعوا ، أولاً : بأن العمل الفدائي يهز الكيان الصهيوني ، على ما أكدته الأعمال الفدائية للكتيبة ١٤١ فدائيين ، وثالثاً : فإن سنوات ثلاث قد انقضت وليس أمام الإخوان إلا فكرة الثأر من عبد الناصر على ضربة خريف ١٩٥٤ ، اللهم إلا المزيد من عزلة الإخوان ، والتضييق الأمني عليهم . هنا تقدم مسؤول شباب الإخوان في القطاع ، ورأس التيار الجهادي في الجماعة ، بجانب الإخوان ، لا يحمل لونا إسلاميا ، ويعمل لتحرير فلسطين عبر الكفاح المسلح ، على أن يخلع أعضاء التنظيم الجديد ثيابهم الحزبية والأيديولوجية ، على باب التنظيم الجديد ، بما يكسر الطوق الأمني الناصري ، ويفتح الإخوان على الجماهير (١). عارضت قيادة الإخوان في قطاع غزة مضمون تلك المذكرة ، لكن التربة كانت خصبة لنمو التنظيم الجديد ، وسرعان ما صدرت مجلة «فلسطيننا» الشهرية في بيروت ، ابتداء من سنة ١٩٥٩ ، لتكون لسان حال التنظيم الجديد ؛ الذي أخذ يدعو إلى الارتفاع فوق الصراعات العربية - العربية ، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة عربية ، واعتماد الكفاح المسلح طريقا وحيدا لتحرير فلسطين . واستمرت الدعوة لذاك التنظيم الجديد ما يربو على الخمس سنوات ، ويبدو أن النهوض القومي العربي قد حال دون نهوض ذاك التنظيم القطري الجديد . وقد تعزز شعار الوحدة العربية طريق تحرير فلسطين ، بتحقيق الوحدة المصرية - السورية ( ٢٢ / ٢ / ١٩٥٨) ، وإن كان فصم هذه الوحدة (٢٨/ ٩ / ١٩٦١) قد قلب ذاك الشعار ، بعد أن تأكد استحالة حماية أي وحدة عربية ، مع بقاء إسرائيل . مع حلول العام ١٩٦٢ ، استجدت أمور في صالح مشروع التنظيم الجديد ، بتوقيع اتفاق إيفيان» ، وتحقيق الاستقلال السياسي للجزائر ، صيف العام نفسه ، حيث حث الرئيس الجزائري الجديد أحمد بن بيلا الشعب الفلسطيني على السير على خطى الثورة الجزائرية ، سعود بن عبد العزيز ، وفي ١٩٦٢/٧/٢٦ ، ألقى عبد الناصر كلمة قصيرة في أعضاء المجلس التشريعي في قطاع غزة ، اعترف فيها بأنه أو أي حاكم عربي آخر ، لا يملك خطة لتحرير فلسطين . لقد كان يمكن لكلمة عبد الناصر تلك أن تمر دون أن يسمع بها أحد ، سوى قلة ، التي خصصت برنامجا كانت تذيعه مرتين ، كل يوم ، تبدأهما وتنهيهما بصورة صوتية لكلمة عبد الناصر تلك . أما عنوان البرنامج فقد اختارت له الإذاعة الأردنية اسم : «المتسلل المريب ! » . حتى كانت المنظمات الفدائية الفلسطينية قد توالدت ، كالفطر ، وفاق عددها الثلاثين منظمة . صحيح أن النسبة الأكبر من تلك المنظمات لم تتعد اللافتة ، سوى أربع منظمات (٢)، في مقدمها «فتح» ، تشاءموا من احتف»، فقلبوها . وابتداء من أكتوبر / تشرين الأول ١٩٦٣ ، بدأ تشغيل حركة «فتح» ، وكان أول اجتماع تعقده المع» ،