فسد عكس صلح أي بطل وهو معنى غير بعيد عن معنى الفساد كمصطلح متداول ففي أساسه البطلان وعدم الصلاحية . ولسنا بمعرض دراسة تحليلية لأسباب الفساد ولكن المثير للتساؤل والجدل : هل نستتسلم لمقولة كيفما تكونوا يولى عليكم ؟ . هل الفساد ينطلق من القاعدة الى الرأس ؟ هل القاعدة الفاسدة تفرز رأس هرم فاسد، أم أن القيادة الفاسدة تعمل على خلخلة القاعدة وإضعافها من أجل ترسيخ فسادها وتكريسه كضمانة لبقائها في سدة الحكم ؟. إنّ أي منظومة جماعية مؤطرة تحتكم الى مجموعة من النظم والعلاقات ويتدرج فيها الكادر رتبا تصاعدية، هي عرضة للفساد ما لم تتسلح تلك المنظومة بقوانين صارمة تحميها من الإنزلاق والتردي والوقوع في جب الأهواء والمكتسبات الشخصية مما يبلور مفهوم الفساد . ذلك أن ثمة تطلع فطري لدي النفس البشرية عند امتلاكها لقوة ما الى السطوة ومحاولة جرّ العمل برمته نحو المصلحة الخاصة . على أسس لا علاقة لها بالكفاءة ولا يحكمها سوى اشتراط واحد هو الولاء المطلق لرأس المنظومة الى أن يتحول هذا الكادر الى جزء من حجر طاحون الفساد، والذي يطحن بدوره المصلحة العامة التي تكونت من أجلها تلك المنظومة . والأشد خطرا هو تشريع هذا الفساد من خلال اجتزاء أو ابتكار قوانين دخيلة أو حتى الإحتيال على قوانين دستورية قائمة ولي عنقها واستخدامها من أجل قوننة الفساد ووخلق أطر ومؤسسات لرعايته حمايته . وعندها تصبح القيادة رأس المنظومة فاسدة فسادا مشرعا، وكذلك تتناقض القوانين الجديدة المشرعة مع الهدف العام وتصبح الغايات وتحقيق المكاسب والتطلعات الفردية أهم من العمل ذاته، وتصبح الوسيلة الأكثر جدوى هي التقرب من المسؤول المتمتع بصلاحيات المنح والمنع وليس العمل الجاد والمثابرة، وتنقسم بنى القوى العاملة في المنظومة الى قسمين: المتكسب الداعم لرموز الفساد من جهة، و العامل المنتج المؤمن بالعمل من جهة أخرى ، ومن هنا تقع المسؤولية الكبرى على عاتق الفئات الطليعية المدركة لأسباب الفساد وعوامله وطرق مناهضته كالأحزاب والجمعيات والمؤسسات السياسية والمجتمعية المتعددة الأشكال والإتجاهات ، لتعمل من أجل خلق أطر منظمة لمكافحة هذا الفساد ومنعه من إعاقة عجلة الحياة وبالتالي تصبح بدورها منظومة مستقلة لها هدف أساسي هو مناهضة الفساد في المنظومة المجتمعية الأكبر وخلق مناخ إحتماعي وسياسي قائم على أسس الحرية والعدالة . إلا أنّ الخطورة القصوى تتمثل في حدوث فساد من نوع جديد داخل هذه المنظومة ليحرفها عن مسارها الحقيقي المتمثل في مكافحة الفساد لتنزلق باتجاهات التفرد والمصالح الذاتية مبتعدة عن الهدف الأسمى الذي تشكلت من أجله مما يعيق عملية صراعها مع المنظومات الفاسدة وعدم قدرتها على القيام بدورها لتصبح كيانات شكلية مترهلة منخورة بالفساد الداخلي فكيف لها أن تناهض الفساد الخارجي وتتحول الى جزء جديد في حجر الطاحون الذي يطحن المصلحة العامة . من هنا لا بدّ من قوانين مؤسسية صارمة لها أن تكبح جماح المتسلطين وتحديد صلاحياتهم ضمن قوانين واضحة ليست شكلية وإنما مفعّلة، ولا بد من السعي الى ترسيخ وعي مجتمعي عام في مفهوم الديمقراطية والحقوق الفردية ودور وقدرة الفرد على الوقوف في مواجهة الفساد العام ،