الأوضاع الداخلية لدولة الخلافة العباسية العلاقة مع الأتراك – ظهور نظام إمرة الأمراء أ- العلاقة مع الأتراك التي ظلت ما يقرب من خمسين عاما حاضرة دولة الخلافة العباسية، ومنذ عهد المعتصم أخذت تظهر على مسرح الحياة السياسية شخصيات تركية أدت دورة كبيرة في الحياة العامة ، وقد خدموا الدولة وساندوها في حروبها الداخلية ضد الحركات المناهضة التي نشبت في أجزائها المختلفة ، وفي حروبها الخارجية ضد الأمبراطورية البيزنطية . ومع مرور الزمن بدأ هؤلاء الأتراك يتجهون إلى تكوين كيان خاص بهم سواء في كنف الخلافة أو منفصلا عنها، والثاني هو عهد سيطرة الأتراك مع زوال هيبة الخلافة وهبوط مكانة الخلفاء). لقد ثبت الأتراك في عهد الواثق أقدامهم في الحكم، وحصل رؤساؤهم على نفوذ کیبر، حتى اضطر الخليفة أن يخلع على أشناس لقب السلطان معترفا له بحقوق تتجاوز نطاق المهام العسكرية فكان بذلك أول خليفة استخلف سلطانا؟). وأسند إليه أعمال الجزيرة وبلاد الشام ومصر كما عهد إلى إيتاخ بولاية خراسان والسند وكور دجلة (۳) . نتيجة لهذا التوسع في الصلاحيات، فأحاطوا به يراقبون تحركاته، ويشاركون في المناقشات السياسية، فلم يذهبوا إلى ولاياتهم، إذ طمع الوكلاء بولاياتهم، واستقلوا بها منتهزين فرصة ضعف السلطة المركزية، وخطا الأتراك خطوة أخرى أيضا، في سبيل تشدید قبضتهم على الخلافة ، وكان الواثق هو آخر الخلفاء الذين تمت توليتهم على التقليد الذي كان متبعة من قبل. فنشب الصراع بين فئتين رئيستين بشأن اختيار الخليفة . تألفت الفئة الأولى من كبار رجال الدولة من أبناء البيت العباسي والوزير محمد بن عبد الملك الزيات وكبير القضاة أحمد بن أبي دؤاد، وتمثلت الفئة الثانية بقوة الأتراك النامية التي كانت تعمل على تثبيت نفوذها بزعامة وصيف التركي، وقد شكلت هذه الحادثة سابقة خطيرة في تولية الخلفاء بعد ذلك، لا تتم الخلافة إلا بموافقتهم ورضاهم، وحاولوا التخلص من «صانعي الخلفاء». تولى المتوكل (۲۳۲ - ۲۶۷ ه/ ۸۶۷ - ۸۲۱ م) الخلافة بقوة الأتراك وشعر هؤلاء أن الخلافة عاجزة عن الاستغناء عن خدماتهم مما ساقهم إلى مزيد من العنفوان . ولم يلبث هذا الخليفة أن أدرك حقيقة موقفهم الضاغط على الخلافة، فقرر تحجيم قوتهم وبدأ بإيتاخ فتمكن من إبعاده عن مناصبه وسجنه، وحتى يقطع على الأتراك طريق التدخل في اختيار خلف له، عمد المتوكل إلى عقد البيعة لأبنائه الثلاثة بولاية العهد وهم محمد المنتصر وأبو عبد الله المعتز وإبراهيم المؤيد، ودور الضرب، وأمر أن تضرب الدراهم باسمه). عندها أدرك الأتراك خطورة وأبعاد ذلك، واشتد حقدهم على الخليفة وعدوا إبعادهم عن مناصبهم خطوة أولى في سبيل القضاء عليهم، بالضيق . ولما كان وجوده في سامراء يجعله في قبضتهم، فقد حاول اجتناب سيطرتهم بأن انتقل إلى دمشق وجعلها حاضرة له، لعله يجد فيها من يقف إلى جانبه من العنصر العربي، وبلغ العداء بين الخليفة والأتراك في هذه المرحلة نقطة اللاعودة، وأدت إلى تثبيت أقدام الأتراك في السلطان، كما كانت إنذارة موجهة لكل عباسي يريد أن يعتلي الخلافة، فحدثت في سامراء في عام (۲۶۸ ه/ ۸۹۲ م) حركة شعبية عبرت عن استنكار العامة لعبثهم بالخلافة). خاضعة لنفوذهم، لم يتجرأ الخليفة على الاعتراض وأذعن للأمر وهو کاره، وهكذا أدرك المنتصر خطورة التسلط التركي، فكرههم وحاول التخلص من زعمائهم، وكان يسميهم قتلة الخلفاء». وتنبه الأتراك لهذا الخطر المحدق بهم فتخلصوا من الخليفة بواسطة الطبيب الطيفوري الذي سمه بمشرط حجمه به ۳. وتعاهد الأتراك على توحيد كلمتهم في عدم اختيار أحد من أولاد المتوكل خشية أن يقتلهم بدم أبيه واتفقوا على تنصيب أحمد بن محمد بن المعتصم ولقبوه با «المستعين»، وتوزعوا المناصب الكبرى في الدولة. وعقد لأتامش على مصر والمغرب واتخذه وزیرة كما جعل شاهك الخادم على داره وكراعه وحرسه وخاص أموره وقدمه وأتامش على سائر الناس ). بدأ عهد المستعين (۲۶۸ - ۲۰۲ ه/ ۸۹۲ - ۸۹۹ م) بحدوث اضطرابات وتطاحن على السلطة. واصطدم العامة والأتراك في حرب شوارع، فاجتمعت العامة بالصراخ والنداء بالنفير لكن الأتراك سيطروا على الموقف. فقد انشقوا على أنفسهم بعد أن انتصروا على العامة، في حين ساند أهل بغداد وبعض القادة الأتراك ممن فر إلى هذه المدينة ، الخليفة المستعين . ونشبت الحرب بين الطرفين فكانت بغداد وجوارها مسرحا لها. لكن الأتراك نجحوا في استعادة وحدتهم فأضحى موقف المستعين ضعيفة. فانفض عنه محمد بن عبد الله بن طاهر أمير بغداد بعدما أدرك حراجة موقفه ، وبويع للمعتز بالخلافة (۲۰۲ - ۲۰۰ ه/ ۸۹۹ - ۸۹۹ م). وخرج المستعين إلى منفاه بالبصرة، لم تكن ظروف الخلافة في عهد المعتز بأفضل حالا. ذلك أن الخليفة عاد إلى سامراء ووقع تحت تأثير النفوذ التركي. ومن جهة أخرى، وكثرت اضطراباتهم، وعجز الخليفة عن تلبيتها مما أدى إلى إقدامهم على خلعه وتنصيب أخيه المؤيد. لكن الخليفة أجبر أخاه على خلع نفسه ثم قتله، فأرغموه على خلع نفسه وأسندوا الخلافة إلى محمد بن الواثق ولقب ب «المهتدي وسلموا المعتز إلى من يعذبه حتى مات (۷). فبدأ بنفسه. وحرم الشراب، وكان يحضر كل جمعة إلى المسجد الجامع فيخطب بالناس ويؤمهم، وأخذ ينظر في المظالم، فبنى قبة لها أربعة أبواب سماها قبة المظالم، كان يجلس فيها للعام والخاص ). توقع المهتدي أن تؤتي سياسته الإصلاحية ثمارها، لكن الأوضاع العامة داخل الدولة وخارجها لم تسمح بذلك، فقد ثار العامة في بغداد ضد حكمه، وأذكى الطالبيون نار الثورة في كثير من الأقاليم ونشبت ثورة الرنج التي هددت كيان دولة الخلافة العباسية زهاء أربعة عشر عاما، وثار الخوارج في الموصل، كما ثار أحمد بن عیسی بن الشيخ والي فلسطين والأردن. وأضحى التخلص منهم ضرورة ملحة لنجاح الإصلاح، واستعادة الخلافة لهيبتها. لذلك قرر الخليفة، أن يضرب القادة الأتراك بعضهم ببعض. وبايع الأتراك بعد قتل المهتدي، لأبي العباس أحمد بن المتوكل ولقب ب «المعتمد» (۲۰۶ - ۲۷۹ ه/ ۸۷۰ - ۸۹۲ م)). فولی أخاه أبا أحمد طلحة الموفق. وأبقي للخليفة الخطبة والسكة والتسمي بإمرة المؤمنين. فانكسرت بذلك شوكة الأتراك خاصة بعد هزائمهم أمام الرنج وعجزهم عن مقاومة المد الانفصالي وقيام الدول الانفصالية. وتثبيت هيبتها واستمر في عهده تراجع نفوذ الأتراك. وبذل الخليفة جهدا كبيرة في قمعها فنكل بالقرامطة وأقر سلطان الخلافة على بلاد الشام، وتوفي ولما يمض ستة أعوام على خلافته، بفعل الخلافات الأسرية داخل البيت العباسي، ولما شب عكف على لذاته ، وبرزت في عهده ظاهرة تدخل النساء في أمور الدولة، ولقبوه ب «الراضي» ويبدو أن بعض القادة الأتراك ممن استمروا على ولائهم للمقتدر مثل مؤنس الخادم ومؤنس الخازن، وغریب خال المقتدر، نجحوا في إعادته إلى السلطة وسجنوا عبد الله بن المعتز (۲). فقد استمر شغب الجند وغدا منصب الخلافة مرة أخرى، وحاول مؤنس الخادم الاتفاق مع الوزير ابن مقلة الخروج على الخليفة ، لكن القاهر الذي رأى في القادة الأتراك أعداء لدولته استطاع أن يتخلص من هذا القائد التركي) وعلى الرغم من قوة القاهر وقسوته فإن القادة تمكنوا أخيرة من القبض عليه وخلعوه وسملوا عينيه ولم يسمل قبله أحد من الخلفاء وبايعوا للخليفة الراضي (۳۲۲ - ۳۲۹ ها/ ۹۳۶ - 940 م). ب - ظهور نظام إمرة الأمراء : ۳۲۶- ۳۳۶ ها/ ۹۳۶ - 946 م لقد حدث تطور جديد في شؤون الحكم في عهد الخليفة الراضي حين بذلت محاولة أخيرة لإنقاذ الخلافة تناولت مركز الخلافة والوزارة ووضع الأتراك. وأزال نفوذ الوزراء، ابتدأ هذا المنصب بالظهور في عام (۳۲۹ ه/ 936 م) على حساب منصب الوزارة. ذلك أن الراضي استعان في إدارة شؤون دولته ببعض وزراء كانوا ضعافا عجزوا عن النهوض بأعباء الوزارة، وفقدوا ما كان لهم من نفوذ، حتى أضحوا عرضة للتنكيل والمصادرة. ومن جهة أخرى، تراجع نفوذ الأتراك بفعل التفكك الذي ساد بينهم، وتفشي الحسد بين قادتهم. شعرت الخلافة نتيجة هذه الأوضاع المتردية ، بضعف الوزراء، وبعجز الأتراك، فأخذت تتطلع إلى حكام الإمارات القريبة من العراق لتستعين بهم على إنقاذ الموقف الذي بلغ درجة خطيرة من التدهور. فاستدعى الخليفة الراضي، محمد بن رائق أمير واسط والبصرة وسلمه مقاليد الأمور، وأطلق يده في سلطات الدولة كلها ولقبه أمير الأمراء). وقد وصف ابن الأثير أوضاع دولة الخلافة العباسية في عهد الراضي فقال: . ولم يبق للخليفة غير بغداد وأعمالها والحكم في جميعها لابن رائق ليس للخليفة حكم. وأما باقي الأطراف، فكانت البصرة في يد ابن رائق، وخوزستان في يد البريدي، وفارس في يد عماد الدولة بن بويه، والري و أصفهان و الجبل في يد ركن الدولة بن بویه وید و شمکير أخي مرداویج يتنازعان عليها، والموصل وديار بكر ومضر وربيعة في يد بني حمدان، والمغرب وإفريقية في يد أبي القاسم القائم بأمر الله بن المهدي العلوي، ويلقب بأمير المؤمنين، والأندلس في يد عبد الرحمن بن محمد الملقب بالناصر الأموي، وطبرستان وجرجان في يد الديلم. والبحرين واليمامة في يد أبي طاهر القرمطي». فقد حاربه أبو عبد الله البريدي حاكم الأهواز، كما خرج عليه أحد قادته ويدعى بجكم الذي دخل بغداد في عام (۳۲۷ ه/ ۹۳۹ م) واستولى على مقاليد الأمور وآلت إليه إمرة الأمراء . استمر بجكم في منصبه زهاء ثلاثة أعوام وصلت فيها الحالة العامة إلى درجة خطيرة من الفوضى والتدهور(۳). وكانت مدة خلافته سبع سنوات تقريبا)، فتشاور أعيان الدولة وأفراد البيت العباسي فيمن يصلح للخلافة . فرشحوا جعفر بن المقتدر لهذا المنصب وبايعوه في العشرين من شهر ربيع الأول عام ۳۲۹ ه/ شهر كانون الثاني عام 940 م) ولقب با «المتقی»(6) وانتقلت في عهده صلاحيات منصب أمير الأمراء إلى يد البريدي الذي برز بعد مقتل بجكم لكن دون أن يقلده الخليفة هذا المنصب تقليدة رسمية وذلك بفعل مواقفه المتقلبة، واكتفى بأن جعله وزيرا لكنه جمع إلى منصبه المدني قيادة الجيش فأضحى في حكم أمير الأمراء . وأضحى هدفا الدسائسهم. وظل الأمر على ذلك مدة، لكن البريدي وجماعته لم يظفروا بمحبة الناس بفعل إمعانهم في السلب والنهب ومن جهة أخرى عين الخليفة ناصر الدولة الحمداني أميرة للأمراء في عام (۳۳۰ ه ۹۹۲ م) وأرسله على رأس جيش كثيف لمحاربة البريدي فأخرجه من بغداد وعاد إليها الخليفة في العام المذكورة). برز في هذه الأحداث القائد التركي توزون، وسيطر الحمدانيون في هذا الوقت على مقدرات الأمور في بغداد . ويعتبر توزون من أقوى الأمراء الذين تولوا الأمر في العصر العباسي الثاني . وخشي من محاولة الخليفة التقرب من الإخشيديين في مصر، فقدم له فروض الطاعة ظاهرية، وأوعز سرة إلى بعض أصحابه فقبضوا عليه وأجبروه على خلع نفسه ثم سملوا عينيه وذلك في شهر صفر عام ۳۳۳ ه/ شهر تشرين الأول 944 م) وسجنوه مدة خمس وعشرين سنة حتى توفي في عام (۳۰۷ ه/ ۹۹۸ م). ثم خلفه ابن شیرزاد، وأن من يستقصي عهد الراضي والمتقي والمستكفي يجده عبارة عن سلسلة منازعات لا تنقطع بين رجال الدولة العباسية الذين عمل كل منهم على الاستئثار بالسلطة وتولي إمرة الأمراء (۳) . ج- حركة النج): ۲۰۰ - ۲۷۰ ه/ ۸۹۹- ۸۸۳ م طبيعة الحركة وأهدافها مما لا شك فيه أن حركة النج التي قامت في عام ۲۰۰ ه وأنهكت دولة الخلافة العباسية، قبل أن تقضي عليها، تسترعي الانتباه، وتدعو الباحث إلى معالجتها من خلال البحث عن طبيعتها وأهدافها، والواقع أن عماد الحركة، أما الفئات التي شاركت فيها، أهل القرى، العرب الضعفاء، عشائر عربية ثائرة على السلطة. فهو علي بن محمد الفارسي الأصل). وهو شخصية محيرة فعلا، وذلك بفعل تقلباته السريعة، ويبدو أن حياته كانت غير طبيعية، فقد بدأها کشاعر في بلاط الخليفة بسامراء، فسلك نهجة جديدة، وظهر كقائد ديني ومتنبيء ونبي، فادعى نسبة علویا، محاولا أن يستثمر ما للشيعة من عطف وتأييد بين الناس، وقد أحله أتباعه من أنفسهم محل النبي حتى جبي له الخراج). وادعى فيها النسب الشيعي على أنه یحیی بن عمر أبو الحسين، ووقف أثناء إقامته القصيرة فيها على أوضاعها الداخلية السياسية والاجتماعية ، حيث كان المجتمع البصري منقسمة على نفسه. فحاول أن يستغل هذه الخلافات الصالحه إلا أنه فشل. فذهب إلى بغداد . فعاد إلى البصرة في عام (۲۵۵ ها/ ۸۹۹ م) ليتزعم حركة ثورية، مدعيا أن الله أرسله لتحرير العبيد وإنقاذهم مما كانوا يعانونه من بؤس، فاستغلها بذكاء، كان يضرب على وتر حساس في نفوذ جماعة العلويين الذين برح بهم الشقاء، فحارب من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة (۳) . وكتب شعاراته على الرايات باللونين الأخضر والأحمر وهما لون العلويين ولون الخوارج. فقد جعلته خارجية متطرفة، يضاف إلى ذلك، ووعد أتباعه بأنه سيملكهم المنازل والعبيد، والواضح أن هذا التناقض في عقيدة الحركة يفرغها من أي صيغة عقائدية ، ويجعلها حركة مسلحة ضد النظام، ليس إلا، مما حد من اندفاعها لدرجة كبيرة، - تحدي الحكومة المركزية للخروج من دائرة البؤس والشقاء - الحصول على المغانم عن طريق السلب والنهب. فتكمن في ثلاثة : سیاسية واقتصادية واجتماعية. وانحصر نشاطهم في تقدير الوسائل التي تمكنهم من ضرب خصومهم ومنافسيهم، والاستئثار بالسلطة ، مما أدى إلى كثرة المؤامرات السياسية والانقلابات العسكرية ، الشيعية خاصة، فتعاظم النفوذ العلوي، وكان الاتجاه الحركي المعارض يجيش منذ مطلع القرن الثالث الهجري، كي يفوزوا بالسلطان، في الوقت الذي كانت فيه المعركة على أشدها بين الحكومة المركزية والمعارضة العلوية، مع بروز حکام في بعض الولايات لم يعترفوا حتى اسمية بسلطة الخلافة، وراحوا يعبرون عن أماني هذه الفئات المعارضة، وجد متنفسا له في دعوة علي بن محمد الطامح إلى السلطة. فإن الأمور الملفتة للنظر في النصف الأول من القرن الثالث الهجري أن مالية الدولة كانت في تأخر مستمر بفعل إسراف الخلفاء والقادة الأتراك على أنفسهم. ومما زاد الأوضاع المالية تفاقمة، في حين انصرف الخلفاء إلى تنمية موارد خزانتهم الخاصة . ا- الطبقة الإقطاعية، ويملك أفرادها الأراضي، مما تطلب زيادة عدد العبيد الذين يعملون في هذا الحقل، خاصة في جنوبي العراق ٣- الطبقة العامة العاملة . مما تطلب زيادة الاعتماد على العبيد المجلوبين من شرقي إفريقية ، فقام التجار بشراء العبيد بأثمان رخيصة، وباعوهم لملاك الأراضي في البصرة الذين حشر وهم في تلك المنطقة. واتسعت الهوة، مع مرور الزمن، وبلغ التناقض الاجتماعي مداه، مما كان دافعا للاستجابة لنداء الثورة الذي أطلقه علي بن محمد. ما كانت لتشبع، كما تعرضوا لضغط عوامل نفسية شديدة الوطأة بفعل أنهم كانوا عزاب أو متزوجين يعيشون بعيدا عن أسرهم. هؤلاء العبيد، وأن يهبهم الأملاك، وأن يبقى مخلصة لهم حتى النهاية ، ومنازل لإيوائهم. الاصطدام بالسلطة - نهاية الحركة وصلى بهم، وأعاد إلى أذهانهم ما كانوا يلقونه من ظلم وعنت، ومتاهم الأماني الطيبة، التي بناها قاعدة انطلاق . وقد برهن على أنه قائد مقتدر، فسيطر خلال عشرة أعوام (۲۵۵ ۔ ۲۹۵ ه/ ۸۹۹ - ۸۷۹م) على رقعة واسعة تمتد بين الأهواز وواسط، عندئذ عهد الخليفة المعتمد إلى أخيه أبي أحمد الموفق طلحة ، واستعمل كل ما لديه من إمكانيات سياسية واقتصادية وعسكرية ليكفل النجاح، وقطع التموين عنهم الذي كان يقدمه الأعراب لهم. وخارت قواهم. فاستسلمت أعداد كبيرة منهم. ومن حيث الصدامات العسكرية، فقد تمكن الموفق من إجلائهم عن الأهواز، وفتح مدينتهم المختارة، وقتل علي بن محمد إبان المعارك واستسلم من بقي من أتباعه. وكلفتها الكثير من الجهد والأموال والأرواح، كما يلاحظ أن رجالها استهدفوا الانتقام لا الإصلاح، وأن قائدها لم يستطع أن يحرر ذاته من مسألة فكرة الزعامة القرشية، وندرك من هنا عدم نجاح علي بن محمد في اكتساب قطاعات كبيرة من المجتمع العراقي، كالفلاحين وكبار الملاك والتجار والحرفيين، ومن جهة ثانية، وتصميم العباسيين على القضاء عليها، لذلك، كان من الطبيعي أن تفقد هذه الحركة طابعها الإنساني والثوري مما دفعها إلى نهايتها المحتومة، د. العلاقة مع الطالبيين الزيدية حفل العصر العباسي الثاني بكثير من الحركات السياسية والدينية التي كان لها أثر بعيد في تاريخ هذا العصر، وانتشار المبادىء الشيعية، خاصة الإسماعيلية والقرامطة، وتكللت جهود الإسماعيلية بقيام الدولة الفاطمية في بلاد المغرب إلى جانب قيام الدولة العلوية الزيدية في طبرستان . وقد تأثر هذا الخليفة بآراء وزيره عبيد الله بن خاقان الذي اشتهر بكراهيته لهذه الفئة من المسلمين). وقام الزيدية في عهد المستعين بعدة حركات ضد السلطة المركزية لعل أبرزها خروج يحيى بن عمر بن يحيى بن حسین بن زيد في الكوفة، ويبدو أن لخروجه علاقة مباشرة بتحسين أوضاعه المادية (۲). لكن حركته لم يكتب لها النجاح، إذ اصطدم به القائد العباسي الحسين بن إسماعيل بن إبراهيم بن مصعب، وقتل يحي في المعركة(). في تلك المنطقة، مما دفع السكان إلى الارتماء في أحضان الطالبيين ، وبايعوه، ولقب نفسه «داعي الخلق إلى الحق» أو «الداعي الكبير». وتمكن خلال مدة ثلاثة أعوام من الاستيلاء على جميع طبرستان و قسمة هامة من الديلم والري . وأخذ الطالبيون يتقاطرون عليه من الحجاز والشام والعراق ، بعد أن ذاع صيته واشتدت شوكته). في الوقت الذي كانت حركة الزنج تحتضر ظهرت دعوة الإسماعيلية التي يعود تاریخ حضورها على المسرح السياسي إلى أواخر عهد دولة الخلافة الأموية عندما انضم عدد كبير من الزيدية إلى طائفة الإمامية من أنصار جعفر الصادق، وبعد وفاته انقسمت الشيعة الإمامية إلى قسمين بفعل اختلاف الرأي في كيفية تحديد الحق الوراثي لاختيار الإمام، وهما الإمامية الموسوية، وقد أطلق عليها فيما بعد الاثنا عشرية، اعتقد أتباعها بإمامة موسى الكاظم بن جعفر الصادق وهو عندهم الإمام السابع والإمامية الإسماعيلية الذين اعتقدوا بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق وهو أكبر أولاد أبيه، ومع أن وفاته حصلت في حياة والده، فقد حول أتباعه الإمامة إلى ابنه محمد المستور، انتظمت الدعوة منذ الثلث الأخير من القرن التاسع الميلادي في بلاد اليمن والعراق". والراجح أن الدعوة إلى هذا المذهب ظهرت عقب وفاة الحسن العسكري وهو الحادي عشر من أئمة الشيعة الاثنا عشرية في عام (۲۹۰ ه/ 874 م)). فاضطروا إلى الاعتصام في مواطن نائية ومنيعة يصعب على العباسيين اقتحامها. كما نشروا دعوتهم سرة، واجتهدوا لاستقطاب الأتباع منطلقين من سلمية إلى كافة البقاع الإسلامية . لم يمنعها من ممارسة العمل السياسي فقد كانت تترجم أفكارها السرية في مضايقة الدولة كلما سمحت لها الظروف . القرامطة لكن التجاوب كان متفاوتة، وهكذا أضحت الدعوة الإسماعيلية حركة ثورية كبيرة تضم اتجاهات مختلفة لعل أبرزها: - الاتجاه العنصري الفارسي الذي أدرك مناصروه أهمية تحقيق المبادىء المزدكية . لكن جمعت هذه الاتجاهات غاية واحدة هي حلم الخلافة . وقد نتج عن اختلاف الأهداف استحالة اندماج الميول المتعددة بشكل كامل. فقد نشأت عن المذهب الإسماعيلي قوتان كبيرتان هددتا دولة الخلافة العباسية ؛ وهي استمرار للدعوة الإسماعيلية رغم الأطوار العصيبة التي مرت بها العلاقة بين الحركة الأم (الإسماعيلية والحركة الناشئة (القرمطية) ووصولها إلى حد المواجهة المسلحة . ولدي العودة إلى المصادر الإسماعيلية، نراها تنظر إلى القرامطة نظرة فئة تمردت على قیادتها وانشقت عنها). نشأت الحركة في سواد العراق في عام (۲۹۱ ه/ ۸۷۵ م) في عهد الخليفة المعتمد(۳) ثم انتقلت إلى بلاد الشام والبحرين واليمن، وذلك في ظروف سیاسية واقتصادية واجتماعية هي نفسها التي قامت في ظلها حركة الزنج، والراجح أن الاتجاه الاجتماعي - الاقتصادي قد غلب على اتجاهها الديني بالرغم من أن دعاتها كانوا متطرفين في أرائهم الدينية المتعلقة بالشريعة الإسلامية"). وهو من أهل الكوفة أحد دعاة القرامطة الأوائل. وقامت دعوته في أعقاب القضاء على حركة الزنج. واتجهت إلى أولئك الذين نجوا في المناطق التي عمت فيها الحركة المذكورة، فصادفت رواجا كبيرة في صفوف الأعراب الذين يتوقون للغنائم وفلاحي السواد والطبقات الفقيرة، وشمي أتباعه با «القرامطة» نسبة إليه). والت قيادتها إلى زکرویه بن مهرويه الفارسي وهو أحد تلاميذ حمدان، الذي نقل نشاطه إلى بلاد الشام، وامتد إلى بادية السماوة .