مقدمة فهو يعني الفرد، كما أنه يعني البشرية بمجموعها أيضاً، وهذا المظهر الإجمالي للجوع يؤلف إحدى المشاكل، إن لم تكن المشكلة الرئيسية للبشرية قديماً وحديثاً. إن الجوع يمثل الدافع الذي يحث الإنسان على الأكل، لذا، فالجوع من بين الظواهر الحياتية الأكثر صعوبة على الإيضاح. ومن المناسب تمييزه عن الشهية والشبع مع أن هذه الانفعالات الثلاثة مرتبطة في الغالب، ومن الصعب فصلها في حالات اضطرابات الإدخال إلى المعدة. إن تاريخ الانسانية هو إلى حد كبير تاريخ البحث عن الغذاء. فمنذ مرحلة اقتصاد القطاف وصيد الطيور وصيد السمك، حين كانت كثافة السكان قليلة جداً، كان الناس يتألمون من الجوع في طبيعة لم يكونوا من الكثرة بحيث يسيطرون عليها. واللائحة الطويلة من المجاعات التاريخية معروفة، وهذه المجاعات ظواهر مأساوية إلى درجة أن التاريخ يرويها بنفس عناوين الحروب والأوبئة الكبرى التي كانت تشترك معها في أغلب الأحيان. وبلد الواحد منهم الآخر. إن التاريخ لم يحدثنا كثيرا عن حياة أجدادنا اليومية ومعاناتهم مع الجوع والفقر وسوء التغذية والمرض، ولكننا نستطيع أن تتخيلها ونعيد بناءها على ضوء الآثار التاريخية والأعمال المعاصرة. جفافاً ومطراً. فليست المجاعات كمية فقط في حدود أن كمية الأطعمة يمكن أن تبقى هي نفسها، وأكل المواد الترابية وأكل الروث، وهي الصور الأكثر فطاعة لمدوني أخبار أهوال المجاعة، لا يتيحأحياناً للجائع أن يستخرج أفضل حصيلة من غذائه الفقير. كتب لوغوليك منذ ستين سنة - يحيا الإنسان الحياة الأكثر بطالة والأكثر رتابة، ويختصرها شاغل واحد: الأكل. لأنه لا يأكل كفاية، ومعنى ذلك أن الجوع ليس هو عاقبة الكسل فقط. إذا كان الكفاح ضد الجوع هو أقدم معركة بشرية، فإنه لم يصبحمشروع البشرية كلها إلا منذ الحرب العالمية الكبرى، أكبر فضيحة في عصرنا. من المؤكد أن المشاكل الداخلية لتموين المدن قد عرضت للحكومات منذ أن كانت المدن والحكومات فقد نظم الفراعنة جمع الأطعمة وتخزينها، كما أن تخزين فوائض سنوات البقرات السمان لأجل تمضية سنوات البقرات العجاف يسمى اليوم برطانة الاجتماع الدولي عملية يوسف عليه السلام. لقد ادعت المالتوسية الاقتصادية أنها أظهرت أن اتلاف (۱۰٪) من كميات القمح المقدمة إلى السوق يمكن أن يمنع انخفاض (٤٥%) من دخل المنتجين الاجمالي ويجنب اثارة قضية الانحطاط الاقتصادي. ولو أنهم كدسوا الفوائض) في سبيل حقبات «البقرات العجاف بدلاً من أن يتلفوها، فإن نتيجة عملية يوسف تكون عامل توطيد مضاعف. ولكن إذا كان لا يزال يوجد فوائض) كما يوجد عبر العالم مجاعات كل سنة تقريباً، فليس من الممكن أن توجه إلى السكان الجائعين تلك الفوائض التي تهدد قدرة المنتجين الشرائية، ويخشى أن تحرضهم على إتلاف الثروات المكتسبة أو على التباطؤ في الانتاج. وحتى في غياب المجاعة المعلن عنها لا يمكن توجيه الفوائض نحو أولئك الذين ليس لديهم القدرة الشرائية الضرورية لشرائها، ومنذ أن ثبت أن لتحسين الاستهلاك تأثيراً على قوة الانتاج أصبح استعمال الفوائض) للتنمية الاقتصادية فكرة تفرض نفسها. فإذا كانت فضيحة الفوائض الكاسدة من الأطعمة في عالم معظم مكانه يشكون الجوع هي بالفعل لا تحتمل، فإن استعمال هذه الفوائض يسبب مشاكل صعبة. وبالفعل فإن المساعدة الغذائية مهما كانت مفيدة فإنها ليست ترياقاً، وينبغي أن تجري بطريقة خاصة حتى لا توهن الانتاج المحلي إن ما يلزم للتغلب على الجوع هو فلسفة اقتصادية جديدة. ولكننا مقتنعون أيضاً أن هذا التحرر لا يمكن إلا إذا حشدت الموارد البشرية والبيئية غير المستغلة لخدمة تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة. ومن ثم، فإن استمرار الجوع وسوء التغذية أمر لا يحتمل أخلاقياً واجتماعياً . لماذا الجوع ؟ يحصد الجوع المزمن في كل عام ما يتراوح بين (۱۸-۲۰) مليوناً من الناس. والسؤال المهم في هذا المجال: لماذا يوجد الجوع في عالم تسوده الوفرة والبحبوحة ؟ منها: وصلنا إلى حقائق مذهلة 1- ليس الجوع في أي دولة من دول العالم مشكلة مستحيلة الحل. حتى تلك الدول التي تعتبر مكتظة بالسكان إلى حد كبير لديها الامكانات الضرورية لتحرير نفسها من عبى الجوع. ٢- زيادة الانتاج الغذائي قد لا يساعد على حل المشكلة ففي كثير من الدول يزداد الانتاج، ولكن ما هو الجوع؟ إن مشاهد هياكل الأجساد والصفوف الطويلة بانتظار حفنة من الطعام هي المجاعة، جوع الذين يأكلون يوماً ولا يأكلون يوماً، جوع آخر يعانيه أكثر من (۷۰۰) مليون شخص. فالجوع يعني الألم، ألم الخيارات المستحيلة، والجوع يعني الخوف ومن ثم صارت أبرز أبعاد الجوع هي الألم، والحزن، والذل، وإذا كان الجوع بالنسبة لنا مجرد أرقام من الناس لا يحصلون على غذاء کاف، يكون الحل بالنسبة لنا أرقاماً أيضاً من الأطنان ومن الدولارات، تلك هي الخطوة الأولى نحو فهم حقيقي لمشكلة الجوع وظاهرة المجاعة. لأن العالم ملئ بالطعام، وليست الكوارث الطبيعية، بل إن ظلم الانسان لأخيه الانسان، وسغب الانسان وجشعه، وتبذير الموارد الاقتصادية والاسراف في استخدامها، وإهدار الطاقات كل ذلك، 1- خرافة: لا يوجد ما يكفي من الطعام. خرافة اللوم يقع على الطبيعة. خرافة: الضغط الذي يسببه العدد الكبير لسكان الأرض على مواردها المحدودة هو أصل الجوع. ه خرافة السوق الحرة كفيلة بوضع حد للجوع . المجاعات كوارث اجتماعية، وليست كوارث طبيعية، إنها نتيجة لأعمال الانسان. ثم، ماذا عن التزايد السكاني؟ أليس هناك من ترابط واضح بينه وبين انتشار الجوع؟ أي هل يسبب التزايد السكاني الجوع، فإن الأرجح، أن الجوع أحد مظاهر الفقر المدقع والتزايد السكاني ، إن لوم البيئة أو السكان أو غيرهما يجعلنا نشعر بالعجز عن المواجهة والمعالجة.