بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، أما بعد. فإن دين الإسلام دينٌ شامل لجميع أمور حياة الناس، وفي شأنه كله، ومنهج واضح، كما أن للعبادة والمعاملة منزلة في الإسلام للأخلاق والسياسة والمجتمع نظام في الإسلام. كما أن في الإسلام نظام اقتصادي له مفهومه ومصادره وأهدافه وخصائصه وأسسه، مصادر هذا النظام، أهداف النظام الاقتصادي في الإسلام، الاقتصاد قريب من القصد، وهذا الذي نصت عليه الآيات القرآنية في العديد من المواضع كما في قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ ‌لَمۡ ‌يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا} [الفرقان: 67]، وهكذا قول الله عَزَّ وَجَلَّ: {وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ ‌وَلَا ‌تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ} [الأعراف: 31]. هذا في اللغة، والسياسات الشرعية؛ أو تسنه الدولة من نظم وتشريعات يُقصد بها تنظيم أحوال المجتمع وتعاملهم فِيهِ، إذًا النظام الاقتصادي في الإسلام: مجموعة الأحكام والسياسات الشرعية التي يقوم عليها المال، تصرف الإنسان في المال كإنفاقه أو بيعه، هذا هو تعريف النظام الاقتصادي في الإسلام: "مجموعة الاحكام والسياسات الشرعية التي يقوم عليها المال وتصرف الإنسان فيه، في هذا المال". أما مصادر النظام الاقتصادي الإسلامي؛ والسنة النبوية، والإجماع؛ اتفاق المجتهدين من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ بعد عصر النبوة على حكم شرعي، والدرهم الفضي بجامع أن العلة واحدة، أيضًا من مصادر النظام الاقتصادي الإسلامي بعد القرآن والسنة والإجماع والقياس: قاعدة أصلٌ: (سد الذرائع)، كل ما تعارف عليه الناس وألفوه حتى أصبح شائعًا، الله عَزَّ وَجَلَّ قال: {وَعَلَى ‌ٱلۡمَوۡلُودِ ‌لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ} [البقرة: 233]؛ النفقة على الزوجة وعلى الأولاد، فالأخذ بالعرف في الجانب الاقتصادي، وسد الذرائع، والعرف؛ التشريعات وقوانين التي لا تُخالف الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. هناك أصول اعتقادية للاقتصاد الإسلامي، لكل نظام اقتصادي في العالم أصوله، إذا كان النظامان الرأسمالي والاشتراكي ينطلقان من قاعدة اعتقادية واحدة هي المادية، بل هي الأصل لكل جوانب الحياة، ويُحقق أهدافها في واقع الحياة، تحقق أهدافها في حياة الناس؛ ومنها أحكام المعاملات والاقتصاد، قال: {وَٱتَّقُواْ ‌يَوۡمٗا ‌تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} [البقرة: 281]، في أواخر آيات الربا، فعقيدة الإيمان هو الركيزة الأولى لكل جوانب الاقتصاد الإسلامي، لأنها من عند الله عَزَّ وَجَلَّ، خاصة الإيمان بالله، لأن المسلم يُؤمن بأن الله مطلع عليه في كل ما يأتي، وما يذر، يؤمن بأن الدنيا مزرعة الآخرة، وأنه مجازى في الآخرة على كل عمل. ومن هنا ترى المؤمن يأخذ بالأسباب المشروعة يبذل جهده في تحصيل الرزق راضيًا بما قسم الله له، غير متسخط ولا جازع مما يُصيبه من خسارة بعد فعل الأسباب؛ فسعيه في أخذ الأسباب في الاقتصاد ينبع من إيمانه بالله عَزَّ وَجَلَّ، الاقتصاد الإسلامي له أهداف كلها تصب في سعادة البشرية في الدنيا والآخرة، لكل إنسان، لهذا فقد فرض الإسلام أمورًا معينة كالزكاة لتُسهم في تحقيق المعيشة للذين لا يقدرون على كفاية أنفسهم. بل يُعد من ذلك تدخل ولي الأمر في سوق العمل لإيجاد فرص العمل والكسب للعاطلين، توجيه الموارد الاقتصادية وفقًا لاحتياجات المجتمع الحقيقي، تحقيق حد الكفاية المعيشية، أيضًا من أهدافه: الاستثمار الأمثل لكل الموارد الاقتصادية، التوظيف الأمثل للموارد الاقتصادية من الأهداف الرئيسية للنظام الاقتصادي الإسلامي، - توظيف الموارد الاقتصادية في إنتاج الطيبات من الرزق، الإسلام يُنكر التفاوت الكبير في توزيع الدخل والثروة، استئثاره فئة من المجتمع بالجزء الأكبر من هذا الدخل يُؤدي إلى الإضرار بالأغلبية الساحقة التي لا تستطيع ضمان تغطية حاجاتها الأساسية، كما هو حاصل في النظم الاقتصادية الوضعية. بل العكس هو الصحيح؛ إذ أن تخفيف التفاوت، لهذا فالإسلام ينبذ اكتناز الأموال والاحتكار والربا والقمار والرشوة والغش، يرتقي بحال الفقير، يُحقق حد الكفاية المعيشية له. لدولة الإسلام، يدرأ عنها العدو، كما قال: {‌وَمَا ‌تُنفِقُواْ ‌مِن ‌شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ} [الأنفال: 60]، وملكية الدولة، فيقوم على أساس الاعتراف بالملكية العامة، يقوم النشاط الاقتصادي في الإسلام على أساس الحرية الاقتصادية المقيدة؛ من خصائص الاقتصاد الإسلامي أيضًا: أنه يرتكز على أساس التكافل بين أفراد الأمة الإسلامية عامة، الاقتصاد الإسلامي جزء من الشريعة الإسلامية، جزء من نظام الإسلام الشامل، كما أن أيضًا للنشاط الاقتصادي في الإسلام طابع تعبدي، فيه عبادة قربة إلى الله عَزَّ وَجَلَّ. الرقابة على ممارسة النشاط الاقتصادي في الإسلام رقابة ذاتية، الاقتصاد الإسلامي يُحقق توازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، هذه بعض خصائص الاقتصاد الإسلامي. لذلك جاءت الشريعة الإسلامية بإقرار التملك الفردي للإنسان، رعاية للمصالح، استجابة للغريزة التي أودعها الله فِيهِ. التمتع بالطيبات، القيام بجميع أوجه النشاط الاقتصادي ضمن دائرة الحلال والقيم والأخلاق الإسلامية، تعود أثارها الطيبة على الأفراد والمجتمع، أيضًا من القيود التي وضعها الإسلام على الحرية الاقتصادية: تحريم طرق الكسب غير المشروع، هذه قيود وضعها الشارع مما يدل على أن من أسس الاقتصاد الإسلامي الحرية الاقتصادية المقيدة بقواعد الشرع، أن تكون داخل دائرة الحلال، أما السلع المحرمة، فحرمها الشَرع؛ لأنها مضرة بالاقتصاد الإسلامي. بحيث لا تطغى مصلحة الفرد على مصلحة الجماعة، يبقى للفرد كيانه مميزاته، تبقى للجماعة هيئتها سيطرتها، كما تكون هذه الجماعة متلاقية في مصالح الأفراد دفع الضرر عنهم، ولذلك الله عَزَّ وَجَلَّ يقول: {وَإِنَّ هَٰذِهِۦٓ ‌أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱتَّقُونِ} [المؤمنون: 52]، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ يقول: «المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كالبُنْيَانِ المَرْصُوصِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»([1]) شبك بين أصابعه كما في الحديث المتفق عليه. ويحث الإسلام على هذا التكافل الاجتماعي يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: «لَا يُؤْمِن أَحدُكُمْ حَتَّى يُحُبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»([2]) متفق عليه، هذه أسس الاقتصاد الإسلامي: المال والملكية الاقتصادية، الحرية الاقتصادية المقيدة بالشرع، لحماية هذا الاقتصاد الإسلامي حرم الإسلام كثيرًا مِنْ المعاملات التي تُؤثر على هذه الأصول والأركان، * المثال الأول: الربا، جاء الشرع بتحريمها، والربا نوعان: يطلب المدين من الدائن تمديد أجل الدين بعد حلوله، هناك أيضًا من أنواع ربا النسيئة أيضًا: الزيادة المشروطة، وربا الفضل يقع في الأصناف الستة التي ذكرها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ في حديث عبادة بن الصامت الذي رواه مسلمٌ في صحيحه، وَالبُرُّ بِالبُرِّ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، فإذا اختلفت الأصناف تمر بشعير مثلًا، فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد، هذا مثال فقط على الربا، - بيع جنس ربوي بمثله كبيع ذهب بذهب مثلًا يُشترط لجواز التعامل في هذه الحالة تماثل في القدر بين الجنسين، ويقول الله عَزَّ وَجَلَّ في الآية الأخرى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ ‌مَا ‌بَقِيَ ‌مِنَ ‌ٱلرِّبَوٰٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} [البقرة: 278]. وَقالَ: هُمْ سَوَاءٌ»([4])، مساوئ الربا على الفرد والمجتمع؟ من الحكم من تحريم الربا الابتعاد عن الظلم، من مساوئ الربا على الفرد والمجتمع: أن الربا طريقٌ للكسل والبطالة، ترك البحث عن الرزق والاكتساب وبذل الجهد في ذَلِكَ. بتطويق أعناقهم بالديون، يسد بالتالي أبواب الخير والتعاون على البر والتقوى، التعامل بالربا، يُغلق باب القرض الحسن، كما يحمل صاحبه على الشح والبخل المنهي عنه. التكافل الاجتماعي، الأصل الثالث من أصول وأركان الاقتصاد الإسلامي، فالربا يقضي على عوامل التكافل والتعاون، لماذا؟ لأن المدين مطالب بتسديد ما عليه من مستحقات لصاحب المال، وهي تتضاعف بسبب الربا، والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، حفاظًا على أمن المجتمع، للربا آثار نفسية وصحية مدمرة، يصاب بمرض نفسي، وعلى النظام الاقتصادي في الإسلام. * المثال الثاني أيضًا من المعاملات التي حرمها الشرع ولها تأثير سيء على الاقتصاد الإسلامي: الاحتكار؛ حبسه بقصد إغلائه عليهم، الإسلام حرم الاحتكار؛ لأن له مساوئ كثيرة على المجتمع المسلم، الاحتكار من مساوئه: ارتفاع أثمان السلع والخدمات، وتيسير سبل المعيشة للناس، نقص كمياته في كثير من الأحيان، لا يُشبع حاجات الأفراد بالقدر الكافي، السيطرة عليهم بشتى الوسائل، حتى أن بعض المحتكرين تحقيقًا لأهداف الاحتكار يلجئون إلى إتلاف فائض الإنتاج للإبقاء على الأسعار على المستوى المطلوب، نظرًا لكثرة مساوئ الاحتكار، ودلت الأحاديث النبوية على بيان حرمة الاحتكار، وفي رواية: «مِنْ احْتَكَرَ فَهُو خَاطِئ»([5])، والتصريح بأن المحتكر خاطئ كافي لإفادة عدم الجواز؛ لأن الخاطئ المذنب العاصي"[6]، إلا في أوقات الأزمات حيث يُغالي الناس في خزن المواد الضرورية مما يُؤدي إلى اعتباره احتكارًا، إذًا ما يدخره الإنسان لقوته وقوت عياله من الطعام والشراب يدخره في بيته لسنة أو سنتين لقوته وقوت عياله هذا احتكار مباح. لأن استهلاكه يستمر طيلة أيام السنة مثل الحبوب أو التمر، هكذا أيضًا ما يدخل ضمن احتياطيات الدولة لمواجهة الطوارئ لحماية المنتجين والمستهلكين، أما الاحتكار وحبس الطعام بقصد إغلاءه على الناس، وأن دين الإسلام دينٌ شامل ومن شموليته أن له نظامًا اقتصاديًا محكمًا فيه خير البشرية،