ثورة أحمد بن الأحرش الدرقاوي وبقي بها إلى أن تولى بايا بقسنطينة / وحاله لم يتشوش إلى أن قام عليه (ص 239) ثائرا رجل من درقاوة يقال له السيد أحمد بن الأحرش ، فتى مغربي مالكي مذهبا ، جاء لتلك القبائل وادعى أنه الإمام المهدي المنتظر ، وكان صاحب شعوذة وخنقطرة وحيل وخبر ، يبدل بها الأشياء للشيء الذي يريد فورا ، كاستحالة البعر زبيبا وتقطير السيف دما والحجارة درهما والروث تمرا ، وأظهر لهم الأمور الغرائب ، لا حقيقة لها دون مين فنصروه وعقدوا له البيعة حزبا حزبا ، وجندوا معه وأمره كله كذبا ، فحرك بهم على قسنطينة وحاصروها يوما كاملا ، وكان الباي عثمان خارجا عنها لبعض شئونه (كذا) فلما سمع أتاه عاجلا ، فألفاه هزم وأصيب بالرصاص في فخذه فتكسرت ، لكن حاله لا زال مجتمعا غير متشتت ، فبات بداره ومن الغد خرج لطلبه وهو بواد يقال له وادي الزهور فلحقه هناك وأثخن فيهم بالقتل والسبي والأسر والحرق أمّنه من شوكتهم الغرور ، إلى أن توغل في بلادهم وقد ترك وراءه معقلا صعبا ومضيقا وعرا وكان أمره منشورا. ففرّ القبائل للمعقل وأجروا فيه الماء وداروا بعسكره من كل جانب دحورا. واشتدّ القتال وحمي الوطيس وكبر النهار ، فهزم الباي هزيمة شنيعة وولّى الأدبار ، فوجد المعقل على غير ما تركه فحلّ به المكر بالقتل والأسر والكسر والسبي إلى أن كبّ به فرسه في الطين ثم فرّ عنه وتركه ، فأخذ الباي وقتل هنالك وفرح ابن الأحرش بذلك ، ولم ينج من جيش الباي إلا القليل ، وقد أدارت (كذا) بهم القبائل إدارة عظيمة صار العزيز بها كأنه الذليل. قال صاحب در الأعيان ، وكذا صاحب أنيس الغريب والمسافر ، والفهامة الهمام ، ذكي الفهم والأحوال ذكاءة المسك والعنبر والقرنفل وزهر القرفة السيد عبد القادر بن السنوسي بن دحّ ابن زرقة ، ومنهم صنوه الفقيه ذو الفهم الراشمي ، الخرير السيد الهاشمي ، ومنهم ابن عمهما الفقيه الأديب الألمعي الذكي الأنجب الشبيه بالأوزعي مؤلف فتح وهران السيد مصطفى بن عبد الله وغيرهم من الأعيان. وظهر الجراد الكثير كثيرا (ص 240) جسيما / فأفسد الزرع والثمار فسادا عظيما. وكانءاغته بالدوائر الشجاع الطاوي ، السيد عثمان بن إسماعيل بن البشير البحثاوي. وبالزمالة قائده قدور بن علي الثابت في الجزء (كذا) والكلي. ثم صار على الدوائرءاغة بن عودة بن خده أحد أجواد غريس من ذرية الممدود وتوليته على المخزن من وضع الشيء في غير محله وتطوّر الشخص على غير شكله. وسبب توليته إنه كان شاوشا علىءاغة قدور بن إسماعيل ثم تزوّجءاغة بابنته ميرة فصيّره خليفة عليه ولما مات قدور وتولى أخوه عثمان أبقاه معه خليفة إلى أن مات عثمان تولىءاغة بموضعه وبقيءاغة إلى أن مات بغارته انقاد في وقت مصطفى باي في توليته الأولى. الباي مصطفى العجمي وثورة درقاوة سبعة سرد ، وواحد فرد ، تولى سنة خمسة عشر ومائتين وألف (1) ، وقد أشار عليه بعض الأولياء بقوله (كذا) سيأتي مصطفى عصي ، هو فوق الكرسي والناس تعصي. وفي السنة الثانية من ولايته وهي سنة ستة عشر ومائتين وألف (2) غزى (كذا) أهل انقاد غزوته الذميمة فهزموه الهزيمة العظيمة ، مات فيها جملة من رؤساء مخزنه الأعيان منهمءاغته بن عودة بن خدة وللجنان ذهبوا ، واشتدت الهزيمة حتى أسّروا وسلبوا ، وهي أول واقعة وقعت بهذا الوجه في المخزن ، فدخله بها الرعب والوهن بعد أن كان في أحواله بالقلب هو المطمئن ، وكثر طمع الرعية في شبه ذلك وقد مسّ المخزن بعض الجبن والكسل من ذلك ، لا سيما إذا كان الأمير جبانا خوالا ، فلم يزدهم ذلك إلا جبنا وكسالا (كذا) لأن الرعية تابعة للراعي في الصلاح والفساد وأحوال المراعي ، وإن كان بعكس ذلك فهو بحسب الأمير ، المرء في ميزانه أتباعه أسباب ثورة درقاوة وسبب قيام درقاوة ، أهل الحالة الدالة على ذمّ وشقاوة ، أنهم عامة ينتحلون العبادات ، ويتلبسون على الناس ببعض الخيالات. ـ يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفّف وهم في أحوالهم في غاية التلطف لإنالة مالهم به التوصّف ، يجتمعون في الأسواق والطرق والفنادق ومراح الدواوير والمقابر والمواسم والزوايا حلقا حلقا ويذكرون لا إله إلا الله جهرا مناوبة / ثم يذكرون الاسم المفرد بالأصوات (ص 241) المتجاوبة ، ثم يقومون للشطح والرقص بعد الأكل الكثير ، ويعلقون القرون وقلائد الببوش ، ويتسابقون على تلك الحالة ، 1) الموافق 1800 ـ 1801 م. 2) الموافق 1801 ـ 1802 م. الحالة ، ويلبسون الثياب المرقعة ، وربما أخذوا جديد الثياب! فيقطعونها ثم يرقعونها بالاستعاب ، ويظهرون الزهد في الدنيا إظهارا كليا ، ويجلبون الناس للأخذ عنهم والدخول في طريقتهم تحليا ، ويذمون الدنيا وتابعها ، ويعظمون طريقتهم وجامعها ، ويطالعون كتب التصوّف فيأخذون منها الألفاظ الدالة على ذمّ الدنيا ومدح الآخرة. وفي الحقيقة أنهم ليسوا من أبناء الدنيا ولا من أبناء الآخرة. وإن هم إلّا كالأنعام بل هم أظل سبيلا ، وأقدم حالة وأكذب مقيلا ، ويكرهون الأولياء والعلماء ويقدحون في أمواتهم سيما شيخ المشايخ الشيخ عبد القادر الجيلاني ذا السر الباهر ، وينفون عنه التصوّف بالكلية وينسبونه لأنفسهم بالإخفاء والظاهر ، وينتسبون إلى رجل مغربي من بني زروال بوادي أبي بريح من فرقة يقال لها درقاوة ، يقال له الشيخ مولاي محمد العربي بن أحمد وينسبون له السرّ والنقاوة. أخذ عنه جملة من أشياخهم وأصولهم وأفراخهم ، منهم السيد عبد القادر بن الشريف القائم بالغوغاء والعامة على أهل الملك والتصريف ، وهو من أولاد سيدي أبي اليل (كذا) المرابطين بقبيل الكسانة النقد ، محققا لها بقيودها والمنطوق والمفهوم / ورعا زاهدا ، حنينا راحما ، أستاذا يقري (كذا) القرآن ويعزّ أهله ويزيل بتعلمه لكل جاهل جهله ، فذهب للمغرب وأخذ عن مولاي العربي تلميذ مولاي علي الجمل. فقدمه على إعطاء الذكر لمن بهذا المحل ، ثم رجع من المغرب وترك ما كان عليه من التعليم ، ولم يدر أنها انقطعت في القرن التاسع باتفاق من الأئمة وليس في هذا مدافع ، ولبس الخرقة المرقعة وعلّق الببوش وركب الكلخ وعلّق القرون المرقّعة ، وابتدع أمورا يمجّها الطبع ، وينكرها الشرع ، واقتدى به في ذلك الجلّ من الناس ، خصوصا أهل الصحراء فأذعنوا له إلى أن قهرهم قهرا ، وزاغت به نفسه الأمارة بالسوء وباع آخرته بدنياه ، وصارت عامة درقاوة تجتمع إليه ، وتتلقاه الأعراب بالفرح والسرور ، سرور ، وصارت كل شيعة تهدي إليه الهدايا ، ويأتون إليه من كل فج بالعطايا ، ويشتكون إليه ضرر المخزن وما هم فيه من أداء المغارم ، فكان يعدهم بالفرج القريب المشكور ، ويجمع تلك الزيارة والهدايا فيذهب بها إلى شيخه المذكور ويدفعها إليه ويقص عليه ما هم فيه خدّامه من إهانة المخزن إليهم ، فيقول له انصرهم والله ينصرك عليهم ، فحصل له بشيخه الطمع الكثير مع ما نظره من اجتماع الغوغاء عليه بالأمير العسير ، وهم الأحرار وغيرهم من أهل العناد ، الذين يشبّهون بصغار الجراد في الفساد ، فدعا أهل الصحراء كالأحرار وغيرهم لمبايعته فأجابوه فورا لذلك ولكل ما يشتهي وأقام بالأحرار / يأمر وينهي. وفي هؤلاء درقاوة وقع السؤال والجواب (ص 243) من العلماء أولي الألباب ونصّه : أيا أهل تطوان فما الحكم عندكم في أصحاب درقاو إلى الجمل ينسب بنصّ يزيل المشكلات بأسرها أيتبع مطلقا أم التّرك أصوب ومن أين ذاك الأخذ بالسند الجلب كما قرّروا للشاذلي الجاه يحسب إذ ذّا المحدثات شاع في الناس حكمها يا ذا الأمن بالأوطان بلدنا مغرب وما أحدثوا من جلد ذيب ونحوه في لبسهم والحبل والعود يركب إذا نصبوا للاقتداء فهل لنا ثواب صلاتنا أم الأمر أصعب وهل غيبة تجري وينصق عادل جوابكم نبغي من الحوض نشرب جوابه عليك سلام الله يا سائليّ فخذ وابن هلال شدّد جدا محررا ومن يتّبع ذا الأمر إبليس يصحب ومن يعتقد الرقص والشطح باليد عبادة ربّه فزنديق يحسب وقد خالفوا سبل الرسول محمّد ومن خالف سنّ النبيّ يعذّب إمامتهم مع الشهادة باطلة لبدعتهم حقّا وصدقا مركّب فلا غيبة تجري في سبعة طبّقوا في مثلهم الأخيار للعلم ينسب فهذا هو المشهور عند جميعهم فجنّب طريق اللهو للحقّ تقرب في تنزيله القرآن شرعا مهذّب معركة فرطاسة ونتائجها قال فبينما الناس على غفلة إذا بابن الشريف أصبح قائما بأقوالهم ، معلنا (ص 244) بجهاد / الترك والمخزت محللا لدمائهم وأموالهم فاجتمعت عليه الغوغاء من كل جانب ومكان للحرك ، وهبط مع وادي مينا قاصدا نحو المخزن وأذن لأتباعه في النهب لأموال أتباع الترك. وكان الباي في بعض حركاته راجعا بعد فراغه منها إلى وهران. ولما سمع بالدرقاوي جمع له الجيوش وخرج للقائه فبلغه الخبر المحقق وهو نازل بالموضع المعروف بالبطحاء الآن ، بأن ابن الشريف بمينا بقرب تاقدمت بجيشه حائطا ، فصار الباي صاعدا نحوه ، وابن الشريف له هابطا ، إلى أن تلقيا بفرطاسة في غاية الحزم والشدة ، فاشتدّ القتال بينهما على الماء وصارت نار الحرب بينهما دائرة بالحتوف ، وتزاحفت لبعضها بعضا الصفوف وتراكم الأمر وحام الوطيس المعروف ، فانهزم الباي وقام مخزنه على ساق واحد وركب العدّو بظهره في تزايد ، وصار يقتل ويسبي ويأسر إلى قرب أم العساكر ، وبقيت محلة الباي بما فيها بيد الدرقاوي المتجاسر ، فأمسى الباي بمخزنة في نكد ، وأصبح الدرقاوي بأتباعه في رغد ، فسبحان المعز المذل الإله بوحدانية المنفرد ، ودخل الباي للمعسكر على غير الحالة المعهودة ، وعساكره خلفه مطرودة ، من جملتهم كاتبا الباي وهما : العلامة السيد الحاج أحمد ابن هطال التلمساني الراوي ، والعلامة الأديب أبو عبد الله السيد محمد الغزلاوي إلى غير ذلك من الأعيان ، الذين انتقلوا إلى جنّة الرضوان. فرطاسة يومها ترى الجنود به ما بين قتلى وأسرى غير ناجينا فالباي جاء بجيش لا نفاذ له به يريد لقاء العدو باغينا فلم يحقّق له سعي ولا أمل بل جاء جنده صفر الكف باكينا ص 245) / فاليوم لابن الشريف عزّ فيه على وقال السيد مسلم الحميري : لقد هيّا مصطفى جيشا كبيرا تركا ومخزنا الملك الجدير فلم تك ساعة إلّا وانهزموا من جيش قليل هيّأه الفقير من هجرة من حاز الكمال والشرف والوصف. ورجع لوهران فدخلها في فلّه ، وهو في وجل ببعضه وكله ، وأزالوا عنه ما بنفسه من الوجل والريبة وقالوا له لا تجزع من الدرقاوي وأعرابه ، وجيوشه وأصحابه فنحن سيوفك الماضية. ورماحك النافذة القاضية ، وشجعانك الداهية وفرسانك الضارية الدامية ، والأمر كذلك وفوق ذلك ، ولا يكون إلّا ما تراه من الدفع عنك بأنفسنا وأكثر من ذلك ، فإن كان الأمر من الله فلا يليق إلا التسليم ، والرضى؟ بما قدره وقضاه الحكيم العليم وإن كان غير ذلك فلا ترى إن شاء الله إلا ما يسرّنا ويسرّك بغير خلف ، ألم تعلم أننا فحول هذه الأوطان وأبطالها موروث ذلك عندنا خلفا عن سلف ، ومن يناقمنا يحلّ به الويل ، وقد صدق فينا قول الشاعر الماهر ، الذي قوله ذائع عند البادي والحاضر : إذا قالت قريش في أمر شيئا فذاك القول مصداق المرام / فصدقوها في المقال حقا ولا يكن تكذيب في الكلام ص 246) وقول الآخر : فإنّ القول ما قالت حذام وقول آخر : وننكر إن شئنا على الناس قولهم ولا ينكرون القول حين نقول وقد نصبنا أنفسنا للموت والتزمناها ، بحيث من لم يمت منّا بالسيف مات بغيره فيتمناها فصدق فينا قول الشاعر : ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعدّدت الأسباب والدّاء واحد __________________ ولا خير في خلف إذا لم يتبع السلف ، ولا في الرجل إذا لم يتبع أباه ولخصاله يقتف ، والورقة من الشجرة ، والنار من الزناد والحجارة. وقال فعند ذلك اتفق رأيهم على تحصين البلاد بكل الأدوار ، وأتقنوا أمرهم غاية ، واستعدوا للعدو بدءا ونهاية. ولما استولى الدرقاوي على المحلة وعزّ جانبه في كل قرية وحلّة ، واتصف بالمزية ، كتب بالبشائر والتهاني لجميع الرعية ، قائلا لهم بقوله الذي بان لهم فيه النصيحة والمعونة ، أننا نزعنا عنكم ما كنتم فيه من الحقر والذلة والمسكنة ، وأداء المغارم والجزية الثقيلة ، والمؤن الكثيرة الجليلة ، على من انتظم بالدخول في سلك الإسلام ، وأتباعهم الشّرار اللئام. فالواجب عليكم مبايعتنا والإذعان لنا وطاعتنا ، فوافقه على ذلك (ص 247) جمّ غفير ، وعدد كثير / فاجتمع عند ضحى يوم الجمعة ، ما لا يحصى عده ، ولا يستطاع دفعه ورده ، من رعايا الباي ، من ذوي العقول الفاسدة الرأي ، فمرّ بغريس الشرقي والألوية على رأسه في غاية الخفقى ، إذا به سمع امرأة تنادي على أخرى تركية ، وكان ذلك اسمها في المحكية ، وقال ما عدونا إلّا الترك بأتباعهم وحشومهم وأشياعهم. ثم دخل المعسكر فأطاعوه ، وقد ألفى بها وقتئذ الفارس القائد أبا محمد بالحضري بن إسماعيل البحثاوي نسبا ، الدايري (كذا) مرتبا ، قد كان الباي بعثه لها لبعض شئونه ، وقضاء مطالبه ومؤنه ، فتقبّض عليه كغيره من القواد وسجنه ، وكبّله ومهنه. وهزم جيشه خليفة الباي مصطفى ببلاد مجاهر في ربيع الثاني من تلك السنة (1) هزيمة شنيعة ، ثم خرج من المعسكر بجيوش كالجرذ أن تملأ الخراب والعمران ، قاصدا بها فتح وهران. ولما حلّ بسيق بأرض الغرابة ، فرّ منه أهلها بعضهم للجبال وبعضهم للغيب والأماكن المتوعرة الشعابة ، ومن دخل منهم لغابة الجيرة التي هي طريقه أوقع بهم عظيما ما بين القتل والأسر __________________ 1) 1219 ه‍ الموافق 22 جوان 1804 م. 1) 1219 ه‍ الموافق 22 جوان 1804 م. والسبي وحلّ بهم تطريقه ، حتى عرف بالموضع الذي وقع به ذلك للآن بشعبة النواح ، وكان الولي أبا عمامة الغربي تلميذ أبي دية قبل الواقعة يقول وهو في خلوته : مزينكم يا حواض السماء لو كان فيكم الماء لأن كل من فرّ لأحواض السماء وهو الجبل المطل على طلقة العلوج وسيق نجا ، وصارت جنوده المفسدة الذميمة الوافرة العدد الجسيمة ، ما تمرّ بموضع إلا تركته وحشا ، مهانا ووجهه وخشا ، وكان قدومه لوهران في الصيف في أبّان الحصاد ، ولا شريف القدر ولا دني ، خشية منه على زرعهم ومالهم وضرعهم ، لكون الجنود مضنة الفساد ، والضلال والنكاد ، لا سيما عادة الجنود السلطانية المتوّجة بالتّيجان الشيطانية ، فلم ينفع ذلك من دخل في طاعته ، ولا من أتاه للخلاص ببضاعته ، بل سلّط من شدة ظلمه أتباعه ، على من انتسب للمخزن فأكثر إيقاعه ، فأخذوا ماله ونهبوه وسبوا أولاده ، وتركوا حيارى زوجه وأفراده ، وصار المستغيث بهم كالمستغيث في الرمضاء بالنار ، فكانوا أهلا بقول الشاعر ، الحاذق الماهر : فالمستغيث بالسفيه عند كربته كالمستغيث في الرمضاء بالنار ولم ينج من وقائعهم الرذيلة إلّا من نجاه الله منهم أو لجأ إلى بعض المواضيع الممتنعة عنهم. قال : ثم ارتحل ونزل ضواحي وهران بقربها في المشتهر ، طامعا في دخولها وأخذ ذخائرها ، وتزوج نساء أكابرها ، كطمع جنوده بذلك لضعف أهلها في زعمه عن دفع ذلك ، مستحلّين ذلك لضعف مذاهب الأعراب ذات الفعل القبيح الخائضة مع كل ريح ، وما ذلك إلا لضعف عقولهم وقساوة قلوبهم ، واتباعهم هواهم وما سوّلته لهم أنفسهم في قيامهم وجلوسهم ، وشدة حسن ظنهم بأميرهم ، ولا فرق بين كبيرهم وصغيرهم جازمين أن كلمته لا تردّ ، وأن دعاءه مستجاب في كل واحد ، فاستعدّ / للقائه (ص 249) أهل البلد ، وتهيّوا (كذا) لقتاله بكل مرصد وخرجوا لمبارزته ومكافحته ومنابزته ، ومحاربته وقتاله ، ومناطحته ونزاله ، فقاتلوا شديدا مددا وهم مع ذلك أقل منه عددا وعددا ، فكان من أمرهم الظهور عليه بحشوده ، وحصل النصر لهم فهزموه مع كثرة جنوده ومكر الله بالقوم الظالمين الفاجرين ، وانهزم العدو من حينه مع كثرته وجلّته ، ومسرة بشارتهم وأنسهم ، فما من يوم بعده حاربوه إلا كان لهم فيه النصر والظفر ، والمهابة والنصرة تجري على القضاء والقدر ، ولا زالت بينهم وبينه الحروب الشديدة ، والمكايد المديدة العديدة ، وانسدّت السّبل البريّة بين وهران والجزائر أياما. فبينما الناس كذلك وإذا بالسفن في البحر تخفق فيها أعلاما مشحونة بعساكر الأتراك الشداد ، تحت حكم باي آخر وهو محمد بن محمد بن عثمان على حسب المراد.