والإنسان يشترك مع الحيوانات في الغرائز والأحاسيس، إلا أنه يفترق عنها في القدرة على التفكير. فالإنسان حينما تنقل له حواسه صورة شيء معين يدرك ذلك الشيء بعد أن يربط بين ما أحس وبين ما لديه من معلومات. ويقيناً إن أنصار الفكر المادي ينكرون هذا التفسير للعقل الإنساني لأنهم ينكرون وجود الخالق الذي زود الإنسان بأسماء الأشياء وعلمه البيان. ثم إن العقل الإنساني لا يكتفي بمجرد إدراك ما يرد إلى الإنسان من أحاسيس؛ إنه بعد أن يدركها يقوم باستخلاص حقائق مجردة تتصل بها. والإنسان المؤمن الذي يرى الكواكب والنجوم والجبال يزداد يقيناً بوجود الخالق الذي أحسن كل شيء خلقه. وهكذا فإن العقل البشري له وظيفة هامة هي الانتقال من المحسوس إلى المجرد. وتنتهي ثالثاً عملية إسلام الإنسان من منظور هذا الترتيب بالإيمان بالله الخالق المنعم" (عثمان، بيد أن العقل الإنساني ليس بالمعصوم عن الزلل، فقصوره وهو يتعامل مع عالم الشهادة حقيقة واضحة، فأشار عليه أبو بكر بإطلاق سراحهم مقابل أخذ الفدية بينما رأى عمر ابن الخطاب ضرورة قتلهم، فقد نظر إليهم على أنهم مجرمو حرب لا أسرى حرب. مَا كَانَ لِنَبِيَّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُتَّخِنَ فِي الْأَرْضِ، وإذا كان سيد الخلق قد عوتب في أكثر من موقف فلا شك في أن العقل الإنساني لا يمكنه الاعتماد على ذاته في جميع المواقف، فوراء العقل مصدر آخر هو النبوة، ثم إن المنهاج التربوي لا بد وأن يبعد المتعلمين عن الآفات التي تصيب العقل فتضعفه أو تقعده عن أداء دوره،