أو لظواهر عالم السياسة هي تلك المتعلقة بالموقف العلمي الذي يقف وراء هذا الاختلاف السائد بين مجمل علماء السياسة الذين يفضلون استعمال عبارة علم السياسة بصيغة المفرد، بدل العلوم السياسية بصيغة الجمع والعكس صحيح. ففي حين يفضل جانب من علماء السياسة، استعمال عبارة العلوم السياسية بصيغة الجمع، في عدم الاعتراف بعلم سياسة واحد مستقل وقائم بذاته، والذي هو موضوع مشترك ويدخل في جميع العلوم الاجتماعية والإنسانية، وبالتالي هاته الأخيرة هي الأجدر بدراسة ظواهر عالم السياسة بشكل علمي دقيق وهي التي تكملها وتغطي كل جوانب القصور التي يمكن أن يقع فيها إن ابيستمولوجيا أو منهجيا، إذا ما تمت معالجتها ومقاربتها في إطار علم واحد، وإن تحوزت بالنظرية العامة التي تحلل ظواهره وتفسره ظواهر عالم السياسة بل وتتنبأ بمالياته المستقبلية. يدعي التيار الآخر عدم صوابية هذا الرأي، وهذا التوجه المتعصب لوجود علم سياسة واحد، يستأثر بكامل شروطه العلمية التي تجعل منه علما قائما بذاته، بل هي نتيجة الخط العام الذي سارت فيه مجمل العلوم، كما أنضجتها حكمة تطورها التاريخي، مجمل العلوم تسير في خط تكاملي ووظيفي، إلى دراسة العلوم التي نتقاطع معه على مستوى قس على ذلك علم الرياضيات الذي لا يمكن مقاربة ظواهره الرياضية بشكل علمي ورزين، إلا بمعية دراسة علم الفيزياء والعكس صحيح وكذلك الشأن لباقي العلوم التي تتكامل وظيفيا، ولا يمكن إدراك ودراسة ظواهرها بشكل علمي ودقيق، إلا بمعية العلوم الأخرى المتكاملة لعها في هذا الجانب، الذي لا يمكن مقاربة ظواهره إلا بمعية العلوم الاجتماعية الأخرى التي تشكل فروعا له، كعلم التاريخ وعلم النفس والجغرافيا والاقتصاد. نفس الأمر أيضا بالنسبة لعلم السياسية في إطار تكامله الوظيفي مع علم الاجتماع السياسي وعلم النفس السياسي وعلم الاقتصاد السياسي والجغرافيا السياسية. وإن كانت هذه النظرة صائبة إلى حد ما، ومنسجمة مع ما يحكيه تاريخ تطور العلوم، والذي يمكن الذهاب به بعيدا، وفي أقصى حدود تكامله الوظيفي، ضرورة دراسة أي علممن العلوم الاجتماعية والإنسانية، من زاوية الأصول الفلسفية والاجتماعية لعالم الظواهر التي تشكل موضوعا له، كالفلسفة السياسية والانتربولوجية السياسية مثلا، وبالمواقف العلمية السالفة التي تقف ورائها، وبالمواقف العلمية المستحكمة في مواقف علماء السياسة الذين يحبذون هذا الاسم، ولهم أيضا مبررات علمية لا تقل وجاهة وصوابية عن التيار الذي لا يعترف بعلم سياسة كعلم مستقل وقائم بذاته. وفق مفردات وشروط البحث العلمي الحديث، الذي يشترط توفر جملة من الشروط العلمية في الظاهرة التي يدرسها، يستقيم دراستها دراسة علمية وتفسير كل تحركاتها وتطوراتها في النسيج الاجتماعي والإنساني الذي تشكل فيه نشاطا سياسيا محضا، غير قابل للمعالجة العلمية إلا في إطار علم سياسة واحد وضمن نظرية علمية عامة وخالصة في هذا الجانب، ينظر إلى مجمل العلوم التي تدخل في المجال العلمي، للعلوم السياسية بصيغة الجمع مجرد مواضيع محورية، التي تدخل في تكوين العلوم السياسية حسب هذا التيار الفكري الأخير، في معالجة علم السياسة المعاص كما حددتها لجنة خبراء اليونسكو المجتمعين بباريس سنة 1948، في الكتاب الذي صدر عنها بهذه المناسبة، والذي حمل عنوان «علم السياسة المعاصر» نتعرض له،