أين فاطمة ؟ أقبلت فإذا أمامه فتاة في شرخ الضبا ضفيرتاها وأساورها الزجاجية الرخيصة ، وحركاتها وكل ما فيها وما عليها يصرخ بأنها قروية من أعماق الريف ، وما لها معصوبة العينين ؟ لم يدعها الرمد منذ سافر ، اعترف لي إسماعيل فيما بعد بأنه حتى في اللحظة التي كان يجب أن تشغله سعادة العودة إلى أحضان والديه عن القياس والمقارنة والنقد ، لم يملك نفسه عن التساؤل : كيف يستطيع أن يعيش بينهم ؟ وكيف سيجد راحته في هذه الدار . تعالي يا فاطمة قبل أن تنامي أقطر لك في عينيك . ورأى إسماعيل أمه وفي يدها زجاجة صغيرة ، وترقد فاطمة على الأرض وتضع رأسها على ركبة الأم ، تعودت أن أقطر لها منه كل مساء . لقد جاءنا به صديقك الشيخ إنه يذكرك ويتشوق إليك . تذكره ؟ أم تراك نسيته ؟ قفز إسماعيل من مكانه كالملسوع . أليس من العجيب أنه وهو طبيب عيون ، يشاهد في أول ليلة من فوجد رمدا قد أتلف الجفنين وأضر بالمقلة , فصرخ بصوت يكاد يمزق حلقه : حرام عليك . هذا الدواء ليس إلا من بركة أم هاشم . يا بني كل الناس يتبركون بزيت قنديل أم هاشم ، جربوه وشفاهم الله عليه ، طوال حياتنا ونحن نتكل على الله وانتزع من أمه الزجاجة وبحركة سريعة طوح بها من النافذة . انطلق إلى الباب ، لن يتراجع عن أن يطعن الجهل والخرافة في الصميم . ثمّ شب وأهوى بعصاه على القنديل بعض المهربات . لم يملك إسماعيل نفسه