الفصل الثالثعقبات التحول الديمقراطيمشكلات التحول عقبات على الطريقأن التحول الذي يطرأ على المجتمعات من مرحلة إلى أخرى، ومن نمط إلى آخر لا يمكن أن يتم بدون مسيرة نضالية، تهرص الحق من فم صائدة، لأنها - أي عملية التحول - لا تعمل في فراغ أو إنها سيرورة تاريخية حتمية، وهي ليست خارجة عن سياق السيرورة التاريخية وليست عدمية التعامل، بل إنها عملية تؤثر وتتأثر بلا ادنى شك، وإنها مسيرة طويلة تتطلب تسخير الإمكانيات لها، وتتطلب توفر العديدةمن الشروط والأسس البناءه.والتحول الديمقراطي في المجتمعات العربية الإسلامية ليست خارج هذا السياق، إن لم يكن أقوى وتيرة منه، لأن الديمقراطية هي الطريق المعبد والسالك الوحيد الإعلاء شأن الأمة العربية الإسلامية، وعودة مكانة الإسلام الحضارية المستلبة والحفاظ على رأسمال العروبة القيمي المهمش - وإن حجم العواقيل والعقبات امام تلك المسيرة صعبة جدا لكنها ليست مستيحلة، بل من الممكن تجاوزها بمجرد تشريح تلك العقبات ووضعها على المحك أمام سونار البصيرة وتعريتها والتعريفبهاومن أهم تلك العراقيل والعقبات هي عقبة الطائفية بما هي مشروع ظاهرة الإسلام السياسي، الإرث الإستمعاري الصراع العربي - الصهيوني والسياسات المنبثقة عنه، مشكلة النفط وما تمخض عنها، قدامة الطروحات بشأنالمفهوم الديمقراطي، شيخوخة الأنظمة الاستبدادية العربية الحاكمة، غياب العقل العربي من المشهد السياسي، وعوائق أخرى.لقد أصبحت الطائفية الإشكالية الأكبر والأشد بؤس وضراوة على الأمة العربية الإسلامية، وهي حديث الساعة والشغل الشاغل في التفكير العربي فالطائفية هي عملية تفضيل وتقديم الولاءات الثانوية والفئوية الضيقة على حساب ولاء الوطن والدولة، كما وإنها المشروع الرجعي الذي يهدد المنظومة الدينية والقومية للعرب، وهي بهذا الشكل ليست إلا سياسة الأقلية مهما كان دينها وعلمها، وحجمها، بما تحمله من معان ترى انها التعبير السياسي عن المجتمع العصبوي الذي يعاني من نقص الإندماج الذاتي والانصهار )، إضافة إلى كون الطائفية في المشهد السياسي العربي اليوم ليس إلا التنظير الفكري والسياسي لظهور العصبيات الجزئية على اللحمة السياسية الجامعة الكبرى ( القومية أو الدينية سواء " وتحوّل الطائفية من كونها ثقافة العشوائيات والبيئات "الحاراتية والضيعوية إلى كونها ثقافة النخبة السياسية والطبقة المتقدمة في المجتمع الدرجة قد تصل لأن تصبح ثقافة النظام السياسي الحاكم وزبانيته، وهنا يكمن بؤسها وعمرها وضحالتها، وبهذا فهي - أي الطائفية - أصبحت نظاماً غير مؤهل لأن يتصالح مع الدولة المدنية المعاصرة والحديثة بحكم تركيبته الفكرية والاجتماعية ) لأنه كنظام يبقى عاجزاً عن تجاوز عقبة الميول الحزبية والمحاصصة الحزبية والمذهبية التي تبلورت بفعل الطائفية السياسية وما تسمى بـ "الديمقراطية1) التوافقية ، بل ويتماهي ويندمج معها بشكل عضوي "بايولوجي"، تلك هي عقبة الديمقراطية الأولى التي تحول دون الانتقال العربي للديمقراطية وعصرها لأن الديمقراطية سوف تعيد توزنات القوى السياسية داخل النظم العربية الحاكمة وإنها سوف تغير وجه المنتفعين والمزمرين للطائفية مما يقلب موازين القوى المحلية ويُصادر نفوذهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي كون الديمقراطية هي النظام الوحيد القادر على تحقيق العدالة الاجتماعية وقيام دول العدل والمساواة والمواطنة الفعلية، دون تفضيل لشخص على آخر، فلا خيار امام الطائفية وزبانيتها إلا خوض الحرب وإعلان الجهاد ضد قيام الديمقراطية، ذلك لأن النظام الديمقراطي هو الوحيد الذي يسمح بتجاوز الطائفية ومشروعها الخاسر، والتمييز الطائفي والإقوامي بين الجماعات لأنه نظام مبني على عقل وتصورات واقعية تنبثق من فقه المنطق والواقع المعاش، وتحاول زجها في الواقع المختلف بدون تمحيص أو عقل ثاقب ينظر للحقائق التاريخية ويعيد صهرها بقوالبعقبات التحول الديمقراطيثانيا : بروز ظاهرة الإسلام السياسي:لا أحد يستطيع الجزم أو القول بإن الإسلام ضد الديمقراطية، لأن نقيض الديمقراطية هو الإستبداد والدكتاتورية، فهل الإسلام دين استبدادي أو قمعي، وهو الذي جاء رحمة للعالمين، وجاء بمثابة المنقذ للأمة من الظلمات إلى النور، ومن العبودية إلى التحرر، فالإسلام دين شوري، بمعنى إنه دين يؤمن بالديمقراطية، فمايختلف بين الشورى والديمقراطية هو فقط باللفظ، وغيره. فالإسلام بل جاء في فترة لاحقة بعد قطيعة حضارية وتاريخية بين الخلافة الراشدة والملك العضوض، وإن سلفية الإسلام المبكر لا تمانع الديمقراطية أو تجعل منها خصومة وإنما البروز السياسي للإسلام بما يسمى بـ الظاهرة الإسلامية كان له رأياً مختلفا عن الإسلام الرسولي، لأن تأصيله التاريخي نابع من روافد الفكر الإسلاميالمحدث والمبتدع) وليس من الإسلام المبكر (الأصيل).فهناك الكثير من تيارات الإسلام السياسي تنتهج العنف والتطرف في الموقف من الديمقراطية، وهو التيار الأغلبي في سفينة الإسلام السياسي والتيار الأبرز والقائد والبارز على الساحة السياسية - رغم إن هناك تيار لا يستهان به من الإسلام السياسي الذي يؤمن بالديمقراطية لكنه شبه مغيب أو مهمش داخل منظومة الإسلام السياسي - لهذا نجد مثلاً موقف رواد الفكر الإسلامي السياسي بشأن الديمقراطية والكلام حولها، حيث يقول حسن الترابي، إن الديمقراطية في الإسلام لا تعني سلطة الشعب المطلقة بل هي سلطة الشعب وفقا على ال بالشريعة ،