اختلفت معاملة المجرمين على مر العصور فتنوعت الجزاءات التي كانت تفرض على مرتكب الجريمة، وتنوعت معها الأساليب التي كانت تنفذ بها، وقد تطورت النظرة إلى المجرم، فتطور معها أسلوب معاملته وذلك تبعا للتطور الحضاري للمجتمعات. والعقوبة هي محور النظم العقابية قديما وحديثا، لذلك فإن كل تطور في العلوم الجنائية فيما يخص فكرة العقوبة ينعكس أثره على نظامها، وعلى الرغم من تنوع الجزاءات التي توقع على مرتكب الجريمة فإن جميع المجتمعات منذ القدم وحتى وقتنا الحاضر كان لها هدف واحد من فرض العقوبة على المجرم وهو محاربة الجريمة و الحد منها قدر الإمكان. ويعتبر وقف تنفيذ العقوبة أسلوبا حديثا هدفه إعادة إصلاح و تأهيل بعض مرتكبي الجرائم ممن هم ليسوا على درجة كبيرة من الخطورة الإجرامية، ورغم حداثة هذا الأسلوب في معاملة المحكوم عليهم، إلا أن له جذورا ترجع إلى القرن الثامن عشر، اللذان ناديا بإحداث التناسب ما بين الجريمة والعقوبة، ولأجل ذلك تم اقتراح نظام وقف التنفيذ بالنسبة لأقل الجناة خطرا على المجتمع وهم مجرموا الصدفة، ذلك أن تنفيذ العقوبة السالبة للحرية قد يكون سببا لإفسادهم لا تقويمهم، بحيث قد يخلق منهم بالتدريج مجرمين بالعادة بسبب اختلاطهم في المؤسسات العقابية بغيرهم من الجناة بالفطرة، خاصة إذا كانت العقوبة السالبة للحرية قصيرة المدة، ذلك أنها لا تكفي عادة لإصلاح المجرم بقدر ما هي كافية لإفساده، ونظام وقف التنفيذ هو أسلوب من أساليب تفريد العقاب، فهو يهدف إلى معاملة كل مرتكب للجريمة على الوجه الذي يتلاءم مع شخصيته و ظروفه و الحيلولة دون أن يحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية، نتيجة لارتكابه جريمة بدرت منه لأول مرة ولم تكن على درجة من الخطورة، ومن ثمة تفادي دخوله المؤسسة العقابية واختلاطه مع المسبوقين الذين هم على خطورة إجرامية كبيرة، وبذلك تحقق نفس الأغراض المرجوة من العقوبة دون اللجوء إلى تنفيذها، ولعل أهمها الردع و ذلك بتهديده طوال فترة التجربة طالما أن العقوبة الموقوفة التنفيذ معلقة على شرط يترتب عن مخالفته إلغاء وقف تنفيذ العقوبة الأولى، إلا أن له أن يفلت نهائيا من العقوبة المحكوم بها عليه إذا ما انتهت فترة التجربة بنجاح، وهذا النظام لا يطبق على إطلاقه، كما أنه لا يستفيد منه المسبوق بالحبس في جناية أو جنحة من القانون العام. وتجدر الإشارة إلى أن وقف التنفيذ ليس حق للمتهم يمنحه القاضي في حالة توفر الشروط المنصوص عليها في المادة 592 من قانون الإجراءات الجزائية، بل هو منحة في يد القاضي يتمتع في منحه بكامل سلطته التقديرية رغم توفر الشروط و له في ذلك أن يحكم بوقف التنفيذ البسيط أو الجزئي. يهدف إلى تحقيق نفس الأغراض التي تسعى العقوبة السالبة للحرية تحقيقها، وذلك بالإطلاع على الكيفية الصحيحة لتطبيق وقف التنفيذ بالنسبة للشخص الطبيعي و تسليط الضوء على إمكانية إفادة الشخص المعنوي بهذا النظام، هذا من جهة ومن جهة أخرى الوقوف على الإشكالات القانونية و العملية الناتجة عن استعمال نظام وقف التنفيذ، في المجال التطبيقي خاصة منها مسألة إلغاء وقف التنفيذ في حالة مخالفة المحكوم عليه المستفيد من نظام وقف التنفيذ للإنذار، عند عدم احترامه للشرط المعلق عليه وقف التنفيذ، إذ لا نجد لها تطبيق فعلي في الميدان العملي، وهذا ما حاولنا دراسته وفقا للمنهج التحليلي وذلك بتحليل المواد المعالجة له في قانون الإجراءات الجزائية،