وهي الليلة الثانية عشر من مرضه - رحمة الله عليه - اشتد مرضه وضعفت قوته ووقع في أوائل الأمر من أول الليل، وحال بيننا وبينه النساء واستحضرت أنا والقاضي الفاضل في تلك الليلة وابن الزكي، ولم يكن عادته الحضور في ذلك الوقت وعرض علينا الملك الأفضل أن نبيت عنده، فلم ير القاضي الفاضل ذلك رأياً، فإن الناس كانوا في كل ليلة ينتظرون نزولنا في القلعة، فرأى المصلحة في نزولنا واستحضار الشيخ أبي جعفر إمام الكلاسة، وهو رجل صالح يبيت في الفعلة حتى إن احتضر - رحمة الله عليه - بالليل حضر عنده وحال بينه وبين النساء وذكر بالشهادة وذكر الله تعالى، ففعل ونزلنا وكل منا يود فداءه بنفسه وبات في تلك الليلة - رحمة الله عليه - على حال المنتقلين إلى الله تعالى، والشيخ أبو جعفر يقرأ عنده القرآن، سمعه وهو يقول رحمة الله عليه : صحيح؛ وعناية من الله تعالى به فلله الحمد على ذلك ، وكانت وفاته رحمة الله عليه بعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء سابع وعشرين من صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وبادر القاضي الفاضل بعد طلوع الصبح وفاته - رحمة الله عليه - ولقد حكي لي أنه لما بلغ الشيخ أبو جعفر إلى قوله تعالى: ﴿لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ﴾ [الرعد: 30] تبسم وتهلل وجهه وسلمها إلى ربه ، قال القاضي بن شداد: والله لقد كنت أسمع من بعض الناس أنهم يتمنون فداء من يعز عليهم بنفوسهم، فإني علمت من نفسي ومن غيري أنه لو قبل الفداء لفدي بالنفس .