ولد العلامه محنض باب بن أحمد بن المختار بوي بن يعقوب بن المختار بن بارك الله بن يعقوب الله بن ديمان سنة (1185هـ ـ 1771م) وينتهي نسبه إلى أمهنض أمغر أحد الخمسة الذين أسسوا الرباط الشمشومي ، ويرتفع نسبه في أكثر الشجرات إلى عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه . والدته (تانيت)بنت المختار بن المحجوب بن الطالب أجود ظاهرة الصلاح كثيرة البر مشتهرة بالمكاشفات والبركات . نشأ يتيما وأظهر مبكرا عصاميته في تحصيل العلوم والمعارف فساعده في ذلك ذكاء وقاد وحافظة قوية ، أخذ النحو عن محمد التاه وألمين بن الماحي ، ودرس التصوف على يد سيدي مولود فال اليعقوقي ، والفقه على يد خاله حامد ولد المختار ولد الطالب أجود . قال عنه صاحب الوسيط : ((علامة شنقيط عقدها الفريد البدر المنير العلامة التحرير سيف الله القاطع، غيثه الهامع شمر عن ساعد الجد وأدرك العلوم بفهمه وكده ، هو مدرة عصره ولعم مصره أبرزه الله لأهل اقليمه : بدرا منيرا وللصادين عذبا نميرا ، ما ضاعت أوقاته ولا خابت عفاته كان عند حسان حرما آمنا وحصنا حصينا ساكنا وإليه مرجع العلماء إذا اختلفوا ، وما ظنك بمن كان يصلحخ لابن بونه الجكني وهو له عدة تآليف)) الوسيط : ص: 538, بعد دراسة العلامة محنض باب عاد فأسس محظرته الشهيرة حيث درس ثلاث آجيال من العلماء مدة سبعين سنة ، من أبرز العلماء الذين عاصروه المختار ولد بونه الجكني (المتوفي 1220هـ ـ 1805) وأحمد بن العاقل الديماني (1242هـ ـ 1828م) وحرمة بن عبد الجليل العلوي (1150هـ ـ1737) القاضي الإيجيجبي ت : (1241هـ ـ 1825م)صاحب محظرة الكحلاء . ألف المختار بن ميلود خي كتابا عنه سماه : (عيون الإصابة في مناقب الشيخ محنض باب) نقتطف منه ما يلي : ((نشأ محنض باب بن اعبيد ببلاد المغرب في "إكيدي" فحمل لواءها وملأ أرضها وسماءها واستتبع سادتها كبراءها ، كان نسيج وحد وغرة دهره ، رحم الله صمها على عباد أشرقت الدنيا بميلاده وازدهت به انتظار ميلاده ، واخضر به سهلها وجرارها ، وأشرق به ليلها ونهارها وانقطع بوفاتها الحق وأظلم الأفق ، نصبه لذلك أهل الحل والعقد من الزوايا وغيرهم ، وكان إذا نزلت نازلة عظيمة أو حدثت معضلة انتظر فلا يفصم عنها حتى يقدم ولم يزل كذلك منذ نحو سبعين سنة . كانت طريقه في القضاء أنه لا يميل مع الأهواء ، ولا يحكم إلا بالمشهور في الأغلب ، واعتبره المختار بن ميلود خي مجتهدا أعظم بل مجدد القرن الثالث عشر الهجري في هذه البلاد لما رآىفيه من بروزالفقه المرتفع عن التقليد إلى درجة الإختيار والترجيح ، حيث جمع شروط مجتهد المذهب لكونه عالما بالفقه وأصوله وأدلة الأحكام تفصيلا، بصيرا بمسالك الأقيسة والمعاني تام الإرتياض بالترجيح والاستنباط بإلحاق ما ليس منصوصا عليه لإلمامه بأصوله بل اجتمع فيه أكثر شروط المجتهد واحتج المختار بحديث البخاري ومسلم : (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ) من فتاوي غيرالمشهورة وربما الشاذة لمصلحة في ذلك أو بعرف وافقه ، كما يرى أن الضامن يغرم ولو حضر المضمون موسرا تناله الأحكام رعيا للعرف . كان متأسيا بالإمام مالك رحمه الله ـ مكثرا من قول لا أدري لأن الإمام مالك كان يقول : ((ينبغي أن يورث العالم جلساءه قول لا أدري حتى يكون لك أصلا في أيديهم يفزعون إليه ، فإذا سئل أحدهم عما لا يدري قال : لا أدري) كان من أحفظ الناس ما استودع قلبه شيئا فنسيه ، قويا في الحجة والمناظرة ، رحل إلى مدرسته أهل المشرق والمغرب طالبا ، محمد باب بن أحمدخ ، الشيخ المختار بن أمد ولد ازوين التنواجي ، مولد والمختار أبناء داداه ، وغيرهم كثير كما في الحياة الثقافية للعلامة المختار ولد حامد ـ ص : 326. أدواره الإصلاحية : لعب بعض العلماء دورا أساسيا في بلاد شنقيط حيث غياب السلطة المركزية والبحث عن بديل للإمامة لهذا أشرف محنض باب على تنفيذ الحدود والمطالبة بنصب الإمام إلى حد أنه عارض الأمراء الحسانيين في قراراتهم السياسية أحيانا ، مثل معارضته لقرار الأمير محمد الحبيب بفرض حصار على بيع العلك للنصارى أثناء حربه مع الوالي الفرنسي "افيديرب"(1855 ـ 1858) ولعل الظاهر الأبرز هي اجتهاده خاصة أن العالم الإسلامي قد شهد انحصار الاجتهاد وشيوع التقليد والمحاكاة لدرجة أن اعتبره البعض مجدد القرن الثالث عشر الهجري . قام محنض باب بدور الإمام الأعظم حيث زاحم فحول العلماء فكان المبرز الجلي ، فعارضوه في كثير من النوازل ، وكان يرى لنفسه وهو في البلاد السائبة ما للإمام الأعظم من تنفيذ الأحكام وأخذ الحق من الظلام إن استطاع إلى ذلك سبيلا ). كانت دعوة محنض باب إلى تنصيب الإمام استمرار لجهود الزوايا منذ حركة الإمام ناصر الدين لإنشاء دولة إسلامية تلم شتات المسلمين وتحقن دماءهم ، وكانت البادية منطلق هذه الدعوة حيث قنن الفقه وكيف مع الواقع البدوي كما فعل محمد مولود في كفافه ، ونظم الشيخ محمد المامي ولد البخاري الأحكام السلطانية للماوردي ودرس السياسة الشرعية في محظرته ، وعلى هذه منوال سار العلامة محنض باب في دعوته يقول المختار بن ميلود خي (لبث الشيخ رحمه الله يدعوا الناس إلى نصب الإمام وإقامة دين الله إذ يجوز ذلك على الأصح ـ في بلاد لا تجرى فيها أحكام الإمام ، فعارضه في ذلك جماعة فركبوا وجالوا في البلاد يرفعون عقيرتهم به في كل واد وحضوا عليه بالنظم والنثر ، وأمروا بالمعروف ونهو عن المنكر ، فوجدوا الناس قد مات قلوبهم وصمتت آذانهم وعميت ابصارهم حتى كأنه لم يأت به بشير ونذير داع إلى الله وسراجا منيرا ). كانت الدعوة إلى نصب الإمام مواجهة سياسية مع حسان وحلفائهم من العلماء الذين عارضوا محنض باب ورأوا أن تلك المسائل تخص الإمام الأعظم والقضاء ولا يجوز للمحكم التصدي لها ولا والجماعة وأن الوسيلة إذا لم يترتب عليها مقصدها لم تشرع ، والحكم بشئ لا يوجد من ينفذه لا فائدة فيه ولا سيما إذا كان يؤدي إلى الفتنة ، رد العلامة محنض باب على ذلك بحججشافية ، وأن القصاص نزل في التوراة والإنجيل والقرآن (سورة المائدة الآيات : 48/50/74). لم يكن محنض باب بدعا من العلماء في هذه الدعوة فقد ساعده في ذلك جماعة من أكابر العلماء في القطر الشنظوري ، منهم على سبيل المثال : محمد بن الطلبة ، بابه ولد أحمد بيبه ، الشيخ سيدس باب ، الشيخ سيد المختار الكنتي . ومارس قضية الحدود كل من : الطالب محمد بن محمد بن أبي بكر الولاتي ، وأحمد الحاج القلاوي ، ت (157هـ) ولمرابط بن حمدي الحاجي ، وسيد محمد ولد حبت ، تراثه العلمي : ومنطقا من مؤلفاته : ـ مفوتات البيع الفاسد ـ الفتاوي الكبرى والوسطى والصغرى ـ الأجوبة الكبرى على أسئلة العتيق الجكني (ستين مسألة ) ـ تسديد النظر شرح مختصر السنوسي ـ رسالة في بعث الأجساد ضد البخاري ولد الفلالي الشمشوي ـ رسالة في ربوية الصمغ ـ رسالة في مرجع الحبس المعقب ضد حرمة بن عبد الجليل ـ نظم في قواعد الفقه ـ نظم المغني لابن هشام ـ نظم المحفوظات الجموع رحم الله العلامة محنض باب لقد كان خير خلف لخير سلف ، المصادر والمراجع : المختار بن ميلود خي : عيون الإصابة في مناقب محنض باب ، تحقيق محمد بن محمذن فال كلية الآداب جامعة انواكشوط