ساد العصر القديم نظام يسمى بالديمقراطية المباشرة الذي يعني تسيير شؤون الدولة بواسطة الشعب مباشرة دون إنابة غيره، و قد ساد هذا النظام في اليونان حيث كان يجتمعون المواطنون الأحرار في شكل جمعيات كشكل كالجمعية الشعبية ecclesia لاتخاذ القرارات الضرورية لتسيير شؤونهم فضلا عن تعيين القضاة و مراقبة مجلس الخمسمائة و بعد انهيار هذا النظام ساد الحكم الفردي باستثناء فترات معينة في روما و الدولة الإسلامية إلى أن جاءت الثورة الفكرية التي اعتمدت الديمقراطية كأساس للحكم الشعبي و ارتبط مفهومها بالانتخاب حتى أن الكتاب المحدثين لا يطلقون تسمية النظام الديمقراطي إلا على تلك التي يتم فيها انتخاب الهيئات الحاكمة بواسطة الشعب. و قد استطاعت البرجوازية أن تفرض هذا المبدأ للقضاء على الطبقات الوراثية و الأرستقراطية و الدينية إلا أنها كانت متخوفة هي الأخرى الطبقات الشعبية فحاولت أن تفرض على الانتخابات قيودا حفاظا على سلطتها و مصالحها و لكنها أقرت أن الأفراد أحرار و متساوون، و أنه لا يحق وفقا لذلك أن يسيروا من طرف شخص واحد دون الرضا عنه بالانتخاب عليه و للتوفيق بين الحرية و المساواة من جهة، و القيود التي يجب فرضها على الانتخابات في حالات معينة إذ كانت تظهر مصالح الطبقة الحاكمة. الوكالة الإلزامية و الوكالة العامة التي سبق الحديث عنها. لقد عرفت نظم الحكم القديمة و الحديثة خاصة الديمقراطية الليبرالية منها الانتخاب، إلا أن هذه الوسيلة اشتهرت في النظم الغربية نتيجة استحالة تطبيق الديمقراطية المباشرة بعد أن اتخذت من قبل الدولة البنيوية القديمة باعتبارها لا تحقق المساواة بين المواطنين في تولي السلطة، و كذلك الديمقراطية المباشرة في ممارسة السلطة تكون بواسطة الجمعية الشعبية المكونة من المواطنين الأحرار. و الانتخاب كما سبق أن رأينا كيف من قبل البعض على أنه حق في حين أن البعض الآخر اعتبره وظيفة و قد استند أيضا الرأيين على الحجج التالية: الرأي القائل بأن الانتخاب حق شخصي لكل مواطن نتيجة تمتعه بحقوقه السياسية إلى جانب الحقوق المدنية و بالتالي امتلاكه لجزء من السيادة يمارسه عن طريق الانتخاب، مما يقرر حق الاقتراع العام و عدم حرمان أي مواطن يتمتع بالحقوق السياسية من ممارسته و كذلك له حرية استعماله أو الامتناع عن ممارسته. أما الرأي القائل بأن الانتخاب وظيفة فيرتكز على وحدة السيادة غير القابلة للتجزئة مما يحرم المواطن من التمتع بحق الانتخاب، فالمواطنون يمارسون وظيفة كلفوا بها من طرف الأمة، و التي لها الحق في تحديد من يمارس تلك الوظيفة سواء نتيجة انتماءاتهم الوظيفية أو المالية و كذلك إجبارهم على ممارستها. فاعتبار الانتخاب حقا شخصيا يحول دون تقييده مع أن المشرع يستطيع تقييده و تنظيمه، أما اعتباره وظيفة فإن ذلك لا يمنع المشرع أيضا من توسيعه على أكبر عدد من المواطنين باسم المصلحة العامة و إن كان البعض يتساءل أيضا عن مدى شرعية تنظيم المشرع لوظيفة هي التي كانت سببا في نشأته أو ظهوره. و قد ظهر نتيجة لذلك موقف جديد كيف الانتخاب على أنها سلطة قانونية يقررها المشرع للمواطنين للمشاركة في اختيار السلطات العامة في الدولة. فالسلطة القانونية مقررة من أجل الجماعة و ليس من أجل الفرد و للمشرع سلطة تعديل مضمونها و طرق استعمالها. الفرع الثالث: أساليب و نظم الانتخابالفرع الثالث: أساليب و نظم الانتخاب توجد عدة أساليب و نظم للانتخاب يمكن إجمالها فيما يلي: * الاقتراع العام المقيد: لم يظهر الاقتراع العام في الدول الديمقراطية إلا بعد تطور أسباب الاقتراع المقيد. الذي أخذ شكلين أساسيين: * القيد المالي و قيد الكفاءة: هما القيدان الواردان في الدستور أو قانون الانتخاب اللذان يتطلبان توافر شروط معينة في الشخص حتى يتمكن لا من ممارسة هذا الحق، و أهم هذه الشروط هي توافر نصاب مالي معين أو كفاءة أو هما معا. * القيد العائلي: في فرنسا ليستطيع نصاب مالي معين نجد أن القانون يشترط لكي يمارس المواطن تلك السلطة، أن يكون ملكا لثروة مالية معينة، قد تكون نقد أو عقارية و السبب في ذلك أن الثروة شريطة أكبر من غيره بالوطن، و أن يساهم خلقا لغير المالك في تحمل نفقات الدولة و له المصلحة في الدفاع عن الوطن، كما أن امتلاك لتلك الثروة تدل على كفاءته و إدارة شؤون الدولة لأنه أثبت قدرته و إدارته و حفظ أمواله. إلا أن هذا القيد كان يخالف مبدأ المساواة و يسمح للطبقة البرجوازية لتولي السلطة و إبعاد غيرها مما كان سببا في إلغاء هذا القيد باستثناء بعض الولايات الجنوبية و الولايات المتحدة الأمريكية الغرض منها إبعاد السود من ممارسة حق الانتخاب. * قيد الكفاءة: أما تقييد الانتخاب بالكفاءة فيهدف إلى منح سلطات أوسع للمواطن الكفء على المواطن البسيط، و مثل ذلك اشتراط قانون الانتخاب مستوى من التعليم أو شهادة معينة. و قد اتبعت هذه الطريقة في الولايات المتحدة الأمريكية في الجنوب، كذلك كانت تشترط للتمتع بحق الانتخاب أن يكون المواطن حاملا للقراءة و الكتابة أو يكون قادرا على تفسير الدستور. * و الملاحظ أن هذه الطريقة كانت تتنافى هي الأخرى مع الديمقراطية إلا أنها استعملت في بعض الدول مثل فرنسا في عصر الملكية سنة 1830 التي اعترفت للأعضاء الأكاديمية و ضباط الصف الأول من الجيش المنتخب من شرط النصاب المالي بحق الانتخاب. ظهر أسلوب الاقتراع العام أول الأمر في سويسرا سنة 1830 و في فرنسا1848 ثم ألمانيا سنة 1871 و بريطانيا سنة 1918.