لأن الترجمة يغلب أن تكون قصة حياة، وأما هذه فأحرى بها أن تسمى صورة حياته،ولأن تكون ترجمة ابن الرومي صورةً خري من أن تكون قصة؛قصة نادرة بني قصص الواقع أو الخيال، ولكننا إذا نظرنا في ديوانه وجدنا مرآة صادقة،ووجدنا في املرآة صورة ناطقة لا نظري لها فيما نعلم من دواوين الشعراء،تستحق من أجلها أن يُكتب فيها كتاب.إن مزايا الشعر كثرية تتفرق بني الشعراء، ويتفرق الإعجاب بها بني القراء،ً يحرم الشاعر إحداها أو أكثرها وهو بعد شاعر لا غبار عليه؛الوجوه رائق جميل،ذاك، ولا تشابه بينهما في غري الحلاوة؛أختها، وليس هناك إلا جمالٍ وكذلك الشعر،طراز، والذي يعجبنا من هذينزيدون، والذي يستحق به كل واحد منهم صفة الشاعرية، غري الذي يستحقها به البقية!فقد تفرقت مزايا الشعر كما قلنا أيما تفرق،والتعريف.ً غري أن املزية التي لا غنى عنها،مزيَّ ِّ ة واحدة، وتلك هي الطبيعة الفنية.نتعمد أن نقول: إنها تسمى باسم واحد؛هذه التسمية.فالطبيعة الفنية هي الطبيعة التي بها يقظةٌ بيِّنة للإحساس بجوانب الحياة املختلفة، أو كأنها معجم كامل من املصطلحات،أليست جوانب الحياة علميٍّا لا حد لها في العدد ولا في الصفة؟ ثم أليست أنواع التيقظ لتلكالجوانب أشتاتً ً ا وأخلاطا لا تجتمع في حصر حاصر؟ بلى! فمن املتيقظني لجوانب الحياةمن هو عميق الشعور بها،أو مستقيمه أو منحرفه، إلى غري ذلك من أنواع الشعور ودرجاته، فالذي تجمعه كلمةاليقظة هنيهة لا تلبث أوصاف اليقظة أن تفرقه كل مفرق،املعنى، وتقريب مقاده للتعريف والتوضيح؟نعم! وسبيل ذلك غري عسري، فنحن نقول موجزين: إن الطبيعة الفنية هي تلكحياته هو موضوع شعره،باطنية لنفسه، يخفي فيها ذكر الأماكن والأزمان،مما تتألف منه حياة الإنسان،ً ا طواعية واختيارا،أو يقل، كما يلتقي الصديقان أحيانًٍ بعد الحني على كره واضطرار،ِ املواعيد،أو قصري،وتفارقه، وينقل عنها ما تقول، وهو — إذا فارقته — فرد من هذا الملأ الذي لا يُوحي إليه ،ولا يكشف عنه الحجاب فمن عرف ابن الرومي الشاعر؛ ولمينقص منه إلا الفضول. والغريب مع هذا أن ابن الرومي الشاعر هو ابن الرومي الذي لم وإن عرفت له مزايا ونالت حسنات له حقَّ ها من الإعجاب.ً ليس من الصدق للتاريخ أن يقال: إن ابن الرومي كان خاملا في زمانه أو بعد زمانه،بهذا املعنى الشائع من الخمول الذي يراد به سقوط املكانة الأدبية ونسيان الأثر بنيَّ املتأدبني، فلعله إذا قيس إلى الشعراء الهج ٌ ائني خليق أن يعد سعيد الحظ موفور الجزاء؛ وذهب شعر دعبل إلا أقله،ٌ فلم يذهب منه إلا أقله! وهذه محاباة من الشهرة لم يرزقها في العربية شاعر هجاء، أو لمُ كر في كل كتاب متداول من كتب الأدب، وحفظت له مختارات كثرية لأنه ذًُ ا عليه لا إصغارا لشأنه،تعمدوا ذلك حنقً تأخر لأن ديوانه أطول ديوان محفوظ في اللغة العربية من جهة، ولأن وريما كان الإقذاع في الهجاء سببًا ثالثًا مضافًا إلى ذينك السببني.ً الشائع من الخمول، ولكنه مع هذا كان خاملا، وكان خموله أظلم خمول يصاب بهالأدباء؛ ولكنه يخفي أجمل فضائله وأكبر مزاياه.واملتأدبني. والتوليد الغريب، ولا يترك والناقص فيه هو املهم، وهو الأجدر بالتنويه؛كله مصحوبًا بالطبيعة الحية، والإحساس البالغ، والذخرية النفسية،والافتنان فيه؟ إن كثريًا من النظامني ليغوصون على املعاني النادرة ليستخرجوا لنا أصدافً أو لآلئ رخيصة كلآلئ املعتز وابن خفاجة وإخوانهذا الطراز،إن لم يكن صادق التعبري، مطبوع التمثيل والتصوير.ً وأرقام وحروف، ولكنها برسومها ونقوشها وأرقامها وحروفها لا تساوي درهما إن لم وهو الثروة الشعرية التي يقاس بها سراة الكلام، فعلامة لا أكثر ولا أقل، وقد تغني عنها علامة أخرى برقم ساذج وتوقيعنعم،املطلوب في لبابه، فكل معانيه وتوليداته ونوادرهولا استغراق؛ فقد أدى رسالته وأبلغ في أدائها أكمل بلاغ، وهذه هي الرسالة املقصودة، وهذه هي الطبيعة الفنية. أما املعاني والتوليدات فهي وسائل إلىَ غاية لا قيمة لها إلا فيما تؤديه وتنتهي إليه، ومن أداها إليك بكلام لا أغراب فيه ولا توليد. غواص على املعاني، ولكننا لو فقد نحذف منه توليداته ومعانيه، ولا نحذف منه عناصرالشاعرية والطبيعة والشاعر في جيده ورديئه، وليس الشعر عنده لباس ً ا يلبسه للزينة في مواسم الأيام، كلا! بل هو إهابه املوصول بعروق جسمه، املنسوج من والإبانة عن صحته وسقمه،بل ربما كان بعض رديئه أدل عليه من بعض جيده،لأن موضوع فنه هو موضوع حياته، واملرء يحيا في أحسن أوقاته، ويحيا في أسوأ أوقاته، وهو الجانب الذي