شعرالمديح أحد الأغراض التي تناولها الشغراء في العصر العباسي وتأثرت بروح العصر، ويستبعد أن يكون الشاعر العباسي قد هدف من وراء ذلك إلى تجسيد الفضائل الإسلامية، وإنما يمدحه بوصفه خليفة للمسلمين وموضع آمالهم. فكأن الشاعر يرفع أمامه الشعارات التي ترديها الأمة في خليفتها، وبذلك ظلت المدحة حافزاً للخليفة وللأمة على التمسك بالفضائل والأخلاق المحمودة، وإتطاقاً لشعر المدح ولشعرائه بما نريده نحن أو نتمناه لا بما عليه الواقع! فالقضية من وجهة نظر الشاعر العباسي أبسط من كل هذا؛ ويمكن أن يون لهذه الأحداث في حد ذاتها مذاقها الإسلامي لدى الشاعر وإثاراتها الدينية لوجدانه. الشعرُ الذي مدح به الشعراء الأبطال والقواد الذين قادوا الجيوش الإسلامية في معاركها المظفرة ضد الأعداء. وبذلك لم تعد قصائدهم مديحاً فحسب بل أصبحت تاريخاً أدبياً لما وقع في العصر من أحداث. السيف أصدق أنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب فتح تفتح أبواب السماء له وتبرز الأرض في أثوابها القشب وقبل أبي تمام صور على بن جبلة بطولة "أبو دُلَف العجْليّ" قائد المأمون المشهور، صاغك الله أبا دلفٍ وفضلاً عن ذلك شعر الخلفاء منذ وقت مبكر بحاجتهم إلى تدعيم قواعد حكمهم، ولذلك فلن ندهش كثيراً إذا ذكرت الأخبار أن المهدي قد أعطى القائل "أبو دلامة" أربعة آلاف درهم، فسأله: وماذا تريد أن أعينك به في تربيتها أبا دلامة؟ قال: تملأ هذه يا امير المؤمنين وأشار إلى ثياب معه جهزها لذلك. ويدخل عليه سلم الخاسر فينشده: أليس أحق الناس أن يدرك الغنى مُرجى أمير المؤمنين وسائله لقد بسط المهديُّ عدلاً ونائلاً كأنهما عدلُ النبي ونائله!! شُدَّتْ مناكبُ ملكهم بخليفةٍ كالدهر بخلِطُ لينه بشماس أفنى سؤال السائلين بجوده ملك مواهبه تروح وتغتدي نفدَ السؤالُ وجودُهُ لم ينفدِ وحتى لا يغضب النقاد من الشعراء حافظوا على السنن المتبع لقصيدة المديح في التراث الشعري التي قعدها ابن قتيبة فيما بعد، فأحيا هذا الأدب الذي ازدهر إبان العهد الأموي خلال احتدام الصراع بين المذاهب السياسية المختلفة. فرأينا "منصور التمري" يمدح الرشيد فيضعه في منزلة من يسير الكون وفق إرادته، فليس بالصلوات الخمس ينتفع أحلك الله منها حيث تتسع إذا رفعت امرءاً فالله يرفعه ومن وضعت من الأقوام مُتَّضعُ ومن هذا قول أبي نواس في العباس بن عبيد الله الهاشمي" وثمة ظاهرة تجدر الإشارة إليها في شعر المديح هي تفرُّعه إلى أنواع شتى، كذلك يلاحظ أن شعرالمدح قد اتجه اتجاهاً جديداً حيث مدح الشعراء مدنهم وفضلوها على غيرها. وكذلك نجد البساطة في الأداء والخفة في الوزن نلمسها في مدح أبي العتاية للمهدي. ولم تك تصلح إلا له ولم يك يصلح إلا لها