نتج عن اختلاط العرب والمسلمين بالأمم والشعوب الأعجميّة تفشّي اللحن على ألسنة الناس، ولم يقتصر الأمر على انتشاره في لغة التخاطب بل تعداه إلى اللحن في قراءة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وقد رويّ أنّ رجلاً لحَن أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ٣] استمر تفشي اللحن في عهد الخلفاء الراشدين؛ فقد ورد عن الخليفة أبي بكر الصديق قوله: "لأن أقرأ فأسقط أحب إلي من أن أقرأ فألحن"، واتّسع اللحن مع مرور الوقت حتى طال أهل البادية الذين عُرفوا بفصاحتهم، ممّا دعا علماء اللغة الغيورين على لغتهم لوضع علم لضبط الألسنة سُمّي فيما بعد بـ "علم النحو"، وقد اختلف العلماء في السبب المباشر الذي أدّى إلى وضع هذا العلم؛ فقد ذكرت بعض المصادر أنّ حدوث وقائع محدّدة استدعت وضع هذا العلم، ورجّحت مصادر أخرى أن يكون السبب في تكاثف جهود العلماء لوضع هذا العلم لم يقتصر على حدوث واقعة معينة وإنما جاء نتيجة لحدوث وقائع سابقة وأخرى حاضرة مجتمعة مع بعضها البعض دفعت العلماء إلى وضعه، ورجّح الكثير من رواة التاريخ هذا الرأي ووجدوا فيه درجة عالية من الصواب؛ فمن غير الجائز ان تتكاثف كل هذه الجهود لوضع هذا العلم من أجل حادثة فرديّة كان من الممكن علاجها بكل سهولة ويسر.