من أسباب نشوء المحنة كان محاولة من الخليفة العباسي المأمون في عام 218 هـ / 833م لفرض آرائهِ الفلسفية حول عدة مواضيع. وكان يتلخص في سؤال واختبار أشخاص بعينهم، فيما يرونه من وجهة نظرهم، حول ما إذا كان القرآن مخلوقا أم لا. فكل الطوائف أجابت أن القرآن هو الكلمة التي لم تمسها شائبة منسوبة إلى الله العلي، بما يعنى أن القرآن كلام الله ولم يخلق. وكانت المسألة هل القرآن مخلوق؟ (هذا هو موقف ورأى المأمون)، وكان هذا الجواب الأخير لايخلو من العواقب من قبل المحققين واتخذت ذرائع ضد من رفض الزعم بخلق القرآن، بما فيها الفصل من الوظيفة العمومية، واستمرت المحنة بعد وفاة المأمون وفي عهد خلفه المعتصم بالله والواثق بالله وانتهت عام 861م بوصول المتوكل على الله. نهاية فتنة خلق القرآن وحكم المعتصم قال سليمان بن عبد الله السجزى أتيت إلى باب المعتصم فدخلت الدار، فبينما أنا قائم فإذا المعتصم أقبل، ثم قال يحضر أحمد بن حنبل، فأحضر فلما وقف بين يديه وسلم عليه، قال له يا أحمد تكلم ولا تخف، فقال أحمد والله يا أمير المؤمنين، لقد دخلت عليك وما في قلبي مثقال حبة من الفزع، فقال له المعتصم ما تقول في القرآن؟ فقال كلام الله، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ}[5]، فقال له عندك حجة غير هذا؟ فقال أحمد نعم، يا أمير المؤمنين قوله تعالى: {الرَّحْمَن () عَلَّمَ الْقُرْآن}[6]، ولم يقل الرحمن خلق القرآن، وقوله تعالى: {يس () وَالْقُرْآنِ الْحَكِيم}[7]، ولم يقل «يس والقرآن المخلوق» فقال المعتصم احبسوه، فلما أصبحت قصدت الباب، فأقبل المعتصم وجلس على كرسيه، فقال هاتوا أحمد بن حنبل؛ فلما أن وقف بين يديه قال له المعتصم كيف كنت يا أحمد في محبسك البارحة؟ فقال: بخير، إلا أنى رأيت يا أمير المؤمنين في محبسك أمراً عجباً، قال له وما رأيت؟ قال قمت في نصف الليل فتوضأت للصلاة، وصليت ركعتين فقرأت في ركعة قوله تعالى: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}[8]، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس}[9]، في الثانية {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}[8]، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق}[10]، ثم قمت فكبرت وقرأت {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}[8]، وأردت أن أقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد}[11]، ثم اجتهدت أن أقرأ غير ذلك من القرآن فلم أقدر، فمددت عيني في زاوية السجن، فإذا القرآن مسجى ميتاً، والقرآن يموت؟ فقال له أحمد فأنت كذا تقول إنه مخلوق، فقال المعتصم قهرنا أحمد، فقال ابن أبى دؤاد وبشر المريسى: اقتله، فقال إني قد عاهدت الله ألا أقتله بسيف ولا آمر بقتله بسيف، فقال له ابن أبى دؤاد اضربه بالسياط، ثم قال أحضروا الجلادين، فقال المعتصم لواحد منهم بكم سوط تقتله؟ فقال بعشرة يا أمير المؤمنين، قال سليمان السجزى: فأخرج أحمد بن حنبل من ثيابه، وشد في يديه حبلان جديدان، وقال أضربه يا أمير المؤمنين؟ فقال المعتصم اضرب، فقال أحمد الحمد لله. وضربه ثانياً فقال ما شاء الله كان، فقال لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، فتقدم إليه ابن أبى دؤاد وقال له يا أحمد، قل في أذني إن القرآن مخلوق، يا ابن أبي دؤاد قل في أذني إن القرآن كلام الله غير مخلوق، حتى أخلصك من عذاب الله. فقال المعتصم أدخلوه الحبس، فلما كان الغد أقبل الناس، وقال هاتوا أحمد بن حنبل فجئ به، فلما وقف بين يديه، قال له المعتصم كيف كنت في محبسك الليلة يا ابن حنبل؟ قال كنت بخير والحمد لله، قال وما رأيت يا أمير المؤمنين؟ قال رأيت في منامي كأن أسدين قد أقبلا إلى وأرادا أن يفترساني، ودفعا إلى كتاباً وقالا لي هذا المكتوب رؤيا رآها أحمد بن حنبل في محبسه، فما الذى رأيت يا ابن حنبل؟ فقال له، يا أمير المؤمنين فالكتاب معك؟ قال نعم، وقرأته لما أصبحت وفهمت ما فيه، رأيت كأن القيامة قد قامت، وكأن الله قد جمع الأولين والآخرين في صعيد واحد وهو يحاسبهم، فبينما أنا قائم إذ نودى بي، فقال لي يا أحمد، فيم ضربت؟ فقلت من جهة القرآن، فقال لي وما القرآن؟ فقلت كلامك اللهم لك، فنودى بعبد الرزاق، فجئ به حتى أقيم بين يدي الله، فقال الله، فنودى بمعمر، فجئ به حتى أوقف بين يدي الله، فقال له ما تقول في القرآن؟ فقال معمر كلامك اللهم لك، فقال له من أين قلت هذا؟ فقال معمر حدثني الزهري، فنودي بالزهري فجئ به، حتى أوقف بين يدي الله، فقال له ما تقول في القرآن؟ فقال الزهري: كلامك اللهم لك، فجئ به، فقال ما تقول في القرآن؟ فقال كلامك اللهم لك، فجيء بها، فوقفت بين يدي الله فقال لها يا عائشة ما تقولين في القرآن؟ فقالت كلامك اللهم لك، فقال لها من أين لك هذا؟ قالت حدثني نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، قال فنودى بمحمد فجئ به، فوقف بين يدي الله فقال له يا محمد، ما تقول في القرآن؟ فقال له: كلامك اللهم لك، فجئ به، حتى وقف بين يدي الله فقال له ما تقول في القرآن؟ قال كلامك اللهم لك، فجئ به، حتى وقف بين يدي الله فقال سبحانه يا إسرافيل ما تقول في القرآن؟ فقال كلامك اللهم لك، فجئ باللوح، فوقف بين يدي الله فقال له أيها اللوح، ما تقول في القرآن؟ فقال كلامك اللهم لك، فقال له من أين لك هذا؟ فقال اللوح كذا جرى القلم على، فأتى بالقلم حتى وقف بين يدي الله فقال له يا قلم ما تقول في القرآن؟ فقال القلم كلامك اللهم لك، فقال الله من أين لك هذا؟ فقال القلم أنت نطقت وأنا جريت. صدق اللوح، صدق عبد الرزاق، صدق أحمد بن حنبل القرآن كلامي غير مخلوق. قال سليمان السجزى: فوثب عند ذلك المعتصم، فقال صدقت يا ابن حنبل وتاب المعتصم، وابن أبى دؤاد"، فامتنع من ذلك،