سقوط الدولة الرستمية على أيدي الشيعة الفاطميين سنة 296ىـ/777م، إيذانا بانتهاء حكم الرستميين في لمغرب الاوسط الذي استمر ما يزيد عن مائة و ثلاثين سنة، لكن سقوط الحكم الرستمي لم يؤدي إلى القضاء على النفوذ الإباضي في بلاد المغرب، إذ شكلت ورجلان و سدراتة مدينتين ىامتين لتجمع الإباضية بعد سقوط الدولة الرستمية، حيث تمكن أىل الدعوة فيهما من الحفاظ على استقلالهم مدة طويلة من الزمن عن سلطة الفاطميين و أصبحت الرابطة المذىبية و الثقافية ىي الرابط الوحيد بين التجمعات الإباضية ىناك. و رغم أن الإباضية الرستميون قد حظيوا بدراسات عديدة في المشرق و المغرب1 عند تأسيس دولتهم في المغرب الأوسط. و منها اختيارىم للصحراء كمكان لاستقرارىم و التي ستصبح أحد معاقلهم الرئيسية في مواجهة الحكم الشيعي الفاطمي في بلاد المغرب. و ىنا يجدر بنا طرح إشكالية مهمة، و ىي لماذا اتخذ الإباضية الصحراء معقلا رئيسيا لنشاطهم بعد سقوط دولتهم في تيهرت رغم أنهم كانوا يسيطرون على رقعة جغرافية واسعة في بقية مناطق المغرب الأوسط؟ و تندرج تحت ىذه الإشكالية تساؤلات ذات دلالة، لعبت الصحراء في تاريخ المغرب الأوسط الوسيط دورا ىاما في استقرار التجمعات البشرية فقامت بها مراكز حضارية و عمرانية ىامة من أبرزىا ورجلان، و سدراتة، فبعد سقوط الدولة الرستمية في المغرب الأوسط توجو يعقوب بن أفلح إلى ورجلان و معو عدد كبير من العائلات الرستمية، رافضا طلب الشيخ أبو صالح و قال قولتو المشهورة "لا يستر الجمل بالغنم" 3 و بقي في ورجلان حتى توفي ىناك سنة 310ىـ /922م و صار قبره مزار الإباضية ىناك. إذ وجهوا جيشا كبيرا إلى صحراء ورجلان للسيطرة عليها، و لم يستطع الجيش الفاطمي اقتحام الحصن فأثروا الانسحاب و بقيت ورجلان معقلا للمقاومة الإباضية ضد الفاطميين. إلا عن اندلاع مواجهات بينهم وبين الإباضية. و قد احتفظ أبو سالم عبد الله بم محمد بن أبي بكر العياشي ) 1037-1090ىـ/1627-1379م( بوصف لمسجد من مساجد الإباضية بورجلان قائلا " فأعجبني غاية، فلما دخل المؤذن كبر في آذانو أربعا أول الآذان، و أربعا آخره، و لما دخل الناس للصلاة ابتدروا زوايا المسجد يتيممون و قلت عجبا ىؤلاء من ذوي الأعذار فوقع في نفسي أنهم مزابة روافض. " 7و على بعد أربعة عشر كليومترا من ورجلان أخذ الإباضية في تخطيط عاصمتهم الجديدة سدارتة المعروفة عند الأمازيغ ب"أسدرتن" الذي أنشأ فيها الإباضية حضارة كبيرة و بنوا فيها قصورا عظيمة، و بعد ذلك استقر الإباضيون في الواد المسمى عندىم آغلان أو كما ىو معروف اليوم عند الجميع بوادي ميزاب حيث أسسوا ىناك حياة حضرية في المدن الخمس التي شيدوىا و تسمى قصور )Ksars ( و إمليشت و تجنينت )العطف( و آث بنورة و آث يزكن و تاغردايت و أحيوا فيها الأرض الموات، و حولوىا إلى بساتين، و لعل أىم ما برع فيو الإباضيون في ىذه المناطق الصحراوية من المغرب الأوسط ىو التجارة حيث تحولت مدنهم الخمس التي ذكرناىا آنفا إلى مراكز تجارية نشيطة عامرة تتوفر على جميع السلع. بعد محاولة فاشلة في الاستلاء عليها من جانب عبيد و قد وقع اختيار الإباضية على ورجلان كمجال لاستقرارىم للاعتبارات التالية: حيث كانت مركزا تجاريا مهما يقع في بداية الطريق التجاري الأوسط، • تطرف الواحة في أقاصي الصحراء، فهي في مأمن من غارات الفاطميين، فلا غرو أن يكون الإباضية قد اختاروىا للاستقرار، و رجعوا أدراجهم، 10 • دور ورجلان العلمي حيث أصبحت وريثة تيهرت الرستمية في المغرب الأوسط، و ىو ما شجع الإباضية للتوجو إليها لمواصلة الحركة العلمية التي بدأت في تيهرت، خاصة و نحن نعلم مدى حرص الإباضية على العلم بداية من مؤسسي دولتهم عبد الرحمن بن رستم إلى يعقوب بن أفلح الذي حاول في ورجلان تجديد سيرة الائمة الاوائل حيث اشتهر بالعلم و التقوى و كان حافظا للقرآن الكريم مجيدا لو، رد عليهم قائلا:" معاد الله ينزل على موسى و عيسى ما لم أحفظ و أعرف معناه، "11 . 2-الإباضية في وادي ميزاب بصحراء المغرب الأوسط: و إنما لـجأوا كذلك للاستقرار في وادي ميزاب و ذلك بعد اجتماعهم بأريغ سنة 421ىـ للنظر في مسائل الإباضية الرستميين بعد أن غص أريغ بهم. فوقع اختيارىم على وادي ميزاب، إلا أنهم وجدوه أىلا بالكثير من المعتزلة، فرجع الرأي إلى مؤتمر أريغ، و اتفق فيو على النزوح إلى ىذا المكان أي وادي ميزاب و تعميره بما يصلح سكانو المعتزلة المزابيين من العلم و الألفة و حسن الجوار. فرجع الإمام المصلح ىو و ابنو، في سنة 422ىـ وصل بلدة العطف، و بدأ في دعوتو للمذىب الإباضي، ثم بدأت ىجرة الرستميين الإباضيين إلى وادي ميزاب. و الواقع أن تفسير تحول الإباضية للاستقرار في وادي ميزاب بصحراء المغرب الأوسط راجع بالأساس إلى دور القبائل الهلالية في القضاء على المذىب الإباضي بالبلاد الواحية و الصحراوية و منها ورجلان 14. فقد ضايقت ىذه القبائل معتنقي المذىب الإباضي و سيطرت على الكثير من أراضيهم، يوفر لهم الحماية و يجنبهم شر الغزوات الهلالية، و يبدو أن بني ىلال عندما تحركوا نحو الواحات الصحراوية أبعدوا على كل نطاق حضاري، و قد عمد الإباضية في واد ميزاب إلى تنظيم أنفسهم فيما يعرف عندىم بالحلقة أو العزابة لتبادل الآراء و دراسة وجهات النظر 17، و قد عدد الورجلاني كل الشيوخ الإباضية )أئمة الكتمان( الذين أشرفوا على تدبير بعد انقراض الإمامة و حافظوا على الدعوة شؤون جماعاتهم إلى أن ظهرت الحلقة، لجأ الإباضية في معاقلهم بصحراء المغرب الأوسط بورجلان و سدراتة، ىذه اللفظة تستعمل لقبا لكل من لازم الطريق و طب العلم و سر أىل الخير و حافظ عليها و عمل فإن حسن جميع ىذه الصفات سمي عزابيا. و من شيوخ الحلقة الذين ذكرىم الدرجني أبي محمد بن عبد الله بن محمد اللنتي من أىل الطبقة الحادية عشر بتينزارين بورجلان،