لم يحل الصدام فيما بين دولتي المماليك في مصر والشام والإيليخانيين (مغول فارس) من أن يشتمل الجهازان الإداري والعسكري للمماليك على عناصر مغولية من شتي أجناسهم أو الخاضعين لسلطانهم ، المندمجين فيهم في دولتيهم الأولى والثانية - وقد تعددت طرق ومنافذ وصولهم إليها ، سواء من أسواق وتجار النخاسة - حيث اعتاد أهل التركستان وبلاد القفجاق لضيق المعاش وقشف الحياة - بيع أبنائهم : بنين وبنات - أو تخطفوا صغارًا من الطرقات في مواطنهم الأصلية وبيعوا لتجار النخاسة الجالبين لهم إلى مصر والشام فأقبل على شرائهم وتنشئتهم السلاطين والأمراء ، وتسروا بالبنات أو زوجوهن بمماليكهم ، أو نتيجة للسبي والأسر في الغارات والمعارك الحربية فقد كان زين الدين كتبغا -المتسلطن فيما بعد - من سبي المنصور قلاوون في وقعة حمص، كما سبى وأسر بيبرس عدداً لا أو بالوفود إليهم في هجرات جماعية وفردية فراراً من الجوائح والطواعين ، في وباء الشرق سنة ٧٤١ هـ / ١٣٤٠م] حيث وفدت إلى القاهرة أعداد كبيرة منهم ، وأوكتاي . بغية اضطراد الفتوحات بتوسيع كل منهم لنطاق مملكته فيما جاورها مما لم تخترقه القوات المغولية - أو فراراً من الاضطهاد الديني بعدما أقدم محمود غازان [أو قازان على اعتناق الإسلام ، واعتباره الديانة الرسمية للبلاد ، وهدم الكنائس والمعابد ، ويُلحظ أن سلاطين المماليك - وأصولهم مقاربة لبيئات وأجناس هؤلاء الوافدين - لم يتعصبوا الجنس على حساب أجناس أخرى في تكوين نظامهم العسكري أو الإداري ، بلكان ميله لمن يتخيل فيه النجابة كائناً من كان . فكانت [ مماليكه ] زهاء ستة آلاف . ومنهم من انتقل إلى تقدمة الألوف وإمرة المئين ، وكانوا جميعا عنده كبنيه بل أعز من بنيه ". أبرزها: أن هولاكو ضن على بركة بنصيبه من غنائم فتوحه وقتل رسله الموفدين إليه لتحصيله مخالفا لما تقر به شرائع المغول ، وإسلام بركة المبكر - فيما قبل توليه عرش البلاد - ونعيه على هولاكو إعدام الخليفة العباسي وملوك المسلمين دون مشورة ، فاعتزال بركة وقطع اتصالاته بالقاآن ، ثم خص مانكو قاآن - بعده - هولاكو ببلاد القوقاز وما جاورها خصما من مملكة بركة خان - فنشبت فيما بينهما حرب أهلية استدعت طلب مخالفة كل منهما لآخر - من خارج قبائل المغول وتشكيلاتها - للتقوي به في مقابلة خصمه ، فكان التقارب فيما بين بركة والظاهر بيبرس والإمبراطور البيزنطي ميخائيل باليولوجس، وتبادل السفارات فيما بينهم ، مما يسر تزويد الظاهر بيبرس وكثير من السلاطين المتولين بعده بالرقيق الأبيض من سهوب وأواسط آسيا الصغرى . وتتابع وفود جماعات وفرسان القفجاق والإيلخانيين إليه بذويهم وممتلكاتهم أثناء المنازعات الحربية فيما بين هولاكو وبركة خان. وتبديدهم ، 17 الله على أننا نلحظ أن بعض هذه الشخصيات المغولية المندرجة في سلكي التنظيمين العسكري والإداري قد تولت مناصب مهمة كالسلطنة ، حيث تولي زين الدين كتبغا المنصوري - كما مر - السلطنة إزاحة للناصر محمد بن قلاوون ، كما تولى السلطنة كذلك الظاهر ططر - وهذا وذاك من أصول مغولية صريحة . كما تولي نيابة السلطنة "سلار" ، وكان ذا تأثير وسطوة استبد بهما بأمور الدولة في عهدي الناصر محمد بن قلاوون والمظفر بيبرس الجاشنكير ، وكشفت مصادرة أملاكه بعد أن قتله الناصر محمد بن قلاوون صبراً عن اكتنازه لثروة هائلة - عينا ونقدا" - وإليه ينسب القميص السلاري واسع الأكمام ، وتنقلت به الأحوال إلى أن سجن ومات في محبسه مطعونا ، فاتصل شاهين - هذا - بعد موته بأحد التتر البارزين آنذاك ، وأتابك الأشرف برسباي - بعده - وقد أشارت المصادر إلى أنه كان مستخفًا بالجراكسة ، وعنده جنكز خان بمنزلة الخضر عليه السلام . فعين بوساطته حاجبا بالقدس الشريف ، وشد ديوان كنيسة القيامة أحيانًا ، لكن قضى بقية حياته - بعد مقتل الناصر فرج - طرخانا ، بينما أمر ابنه غرس الدين خليل - رغم أن الأب لم يُغادر الجندية طوال حياته - وتولى عدة مناصب وولايات ، ونظر دار الضرب وأمير حاج المحمل سنة ٨٤٠ هـ ، كما كان ابنه عبد الباسط من كبار المؤرخين وله مؤلفات متعددة في تاريخ الأنبياء - "تاريخ الأنبياء الأكابر وبيان أولي العزم منهم " - والسيرة النبوية - "غاية السول في سيرة الرسول ﷺ - والتاريخ العام - "نيل الأمل بذيل الدول " - وتاريخ مصر في العصرين الأيوبي والمملوكي "نزهة الأساطين فيمن ولى مصر من السلاطين" ، و "الروض الباسم في حوادث العمر والتراجم" ، و " المجمع المفنن بالمعجم المعنون " - ، فضلا عن بعض المختصرات في العلوم العقلية والنقلية. حيث قاومهم نائب السلطة سلار وكان في القلب في المرتين الأولى والثانية في السلطنة الثانية للناصر محمد بن قلاوون ، ولما استدعاه الناصر محمد بن قلاوون - من نيابة الشوبك - إلى مصر في سلطنته الثالثة ، وقد نصحه بعض رفقته بالفرار إلى الإيلخانيين لم يستجب لنصحهم وأقدم على السلطان في جماعة قليلة من مماليكه وهو يعلم - علم اليقين - أن في إقدامه عليه ذهاب مهجته لتضييقه على الناصر مع الجاشنكير في سلطنته الثانية ، كما أنَّ العادل كتبغا - قنع بعد خَلْعِه من السلطنة بتولي إحدى النيابات صر خد ، على حين كان المستدعي لمنكوتمر بن هولاكو وللمغول - في ملك أبغا - سنقر الأشقر في معاندته للمنصور قلاوون في الشام " ليكون الشغل بهم عنه " ؛ بل التجأ قبجق وقر اسنقر إلى أبي سعيد بهادر خان في تخوفهما من الناصر محمد بن قلاوون - بعد أن بان لهما شروعه في الغدر بهما وقد ساعداه في استرداد ملكه - وعبثاً حاول الناصر اغتيالهما بالفيداوية - حانثا في يمين مهادنته لأبي سعيد بهادر خان ، وكان من شروطها تأمينهما ،