تطور مفهوم التربية :شهد مفهوم التربية عدة تطورات هامة على مر العصور ، فكان هذا التطور نتيجة التحولات الإجتماعية من جانب ، وإتساع النظرة العلمية إلى ميدان التربية من جانب آخر : ومن أهم هذه التحولاتأن ميدان التربية إنتقل من مرحلة الجهود المبعثرة وغير المنظمة عندما كانت التربية مسئولية الأسرة وغيرها من قطاعات المجتمع إلى مرحلة الجهود المنظمة التي تخطط لها البرامج وتنظم لها المشروعات وتكرس لها الجهود وتصدر بشأنها القوانين والتشريعات التي تنظمها وترسى قواعدها .٢- أنها انتقلت من مرحلة إحتكار الأسرة لها إلى مرحلة المنظمات المتخصصة التي تقوم بها وتشرف عليها وتوجهها . وتظهر إلى جانب الأسرة المؤسسات الدينية والعسكرية والإقتصادية .أنها انتقلت من مرحلة تعليم القلـة والصفوة إلى تعليم جماهير الشعب ، كل الشعب . فقد كانت التربية في الماضي مقصورة على فئة مختارة من الناس قادرة إقتصاديا واجتماعيا . أما الآن فقد أصبحت التربية حقا لكل إنسان تعترف به المواثيق الدولية والقومية على السواء . وترتب على ذلك التزام كثير من الدول بتوفير حد أدنى من التعليم لكل أبنائها بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو العقيدة أو المكانة الإجتماعية . وقد يعجب الإنسان من النمو الكمي الهائل الذي حدث في ميدان التربية خلال السنوات الأخيرة مما يدل على مدى التحول الجماهيري للتربية والتعليم في عصرنا الراهن . كما يتزايد من ناحية أخرى عدد السنوات التي يقضيها كل فرد في المدرسة مما يدل على مدى التوسع الراسيإلى جانب التوسع الأفقي . وقد جاء هذا بالطبع نتيجة لنمو المفاهيم الإجتماعية وغلبة المؤسسات الديمقراطية من ناحية ، وزيادة أمال الناس ومطامحهم في الحياة من ناحية أخرى . وترتبط جماهيرية التعليم وزيادة الطلب الإجتماعي عليه بالضغوط الهائلة التي يواجهها أي نظام تعليمي في أي بقعة من العالم لكي يسمح باستمرار وعلى كل المستويات بقبول أعداد متزايدة من التلانيذ . ومن يدري ربما يأتي الوقت الذي تصبح فيه المراحل الجامعية العليا للتعليم حقاجماهيريا أيضا . كما تتكامل فيها الأبعاد الجسمية والنفسية والإجتماعية وغيرها وأصبحت التربية تقوم على مفهوم شامل متكامل له أبعاد فردية واجتماعية معا .أنها إنتقلت من كونها عملية مرحلية تنتهي عند مرحلة تعليمية معينة أو زمن معين إلى كونها عملية مستمرة مدى حياة الإنسان من المهد إلى اللحد ، فالإنسان يتعلم ما بقى فيه حياة .وانتقلت التربية بمفهومها المهني من كونها عملية يستطيع أن يقوم بها أي فرد إلى كونها عملية مهنية تتطلب الإعداد والمران قبل ممارستها . ومع أن التربية لم تصل بعد إلى الدرجة التي تفرض فيها كل قواعد المهنة وأصولها لاعتبارات معروفة فإنها لا شك ماضية في هذا الطريق . وهي في الواقع أساس غيرها من المهن . إنه المعلم . فالمعلم هو أساس تكوين الأفراد في المهن المختلفة . ولم يعد التعليم مهنة من لا مهنة له كما كان في الماضي ، وإنما أصبح عملية لها أصولها التي ينبغي أن يلم بها من يتصدى للإشتغال بالتعليم من خلال إعداده إعدادا مهنيا في معاهد وكليات خاصةوكل الحقائق والمعلومات التي يلم بها المعلم عن العملية التربوية وشخصية المتعلم ونموه ومطالب هذا النمو من الناحية التربوية والمنهج المدرسي وأصوله وطرائق التدريس المختلفة واستخدام تكنولوجيا التعليم كلها جوانب أساسية يلم بها المعلم وتكون الحس المهني لديه . فالتعليم مهنة لأنه يقوم على التخصص ويحتاج لإعداد طويل يتدرب فيه معلم المستقبل على أن يعد نفسه عقليا وعمليا للدخول في المهنة . والتعليم مهنة لها دستور أخلاقها الذي ينص على أن هدف المهنة خدمة المجتمع قبل أن يكون هدفها الكسب المادي ، كما أن هذا الدستور الأخلاقي يفرض على المعلم ألا يبخل على تلاميذه بالمعرفة وأن يعلمهم الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة . ولا يجوز له أن يستغل ضعف تلاميذه بالسيطرة الفكرية عليهم أو ينقل إليهم تعصبه لفكرة معينة . وعليه أن يكون موضوعيا في معالجة القضايا العلمية والجدلية على السواء وأن يكون بناءا لا هداما . فالدور المهني للمعلم يجعل منه عضوا نافعا للمجتمع يخدم أهدافه الكبرى . ولا يجوز للمعلم أن يحصل على مكاسب شخصية من تلاميذه أو من أبائهم . ولا يجوز له أن يسخرهم لخدمته .التعليم مهنة أيضا لها روابطها المهنية ونقاباتها واتحاداتها التي تحفظ للمهنة شكلها الرسمي والتنظيمي وتكون حامية لها من خلال ما تضعه من شروط تنظم الدخولفي المهنة كما تنظم واجباتها والتزاماتها وهي في ذلك شأنها شأن المهن الأخرى لها أصول متعددة تستوحي منها أبعادها وخصائصها . ويلزم دارسي التربية والمشتغلين بها على السواء معرفة تلك الأصول وإدراك هذه الأبعاد ختى يتكون الحس المهني لديهم ويتعمق إيمانهم بالمهنة ويزيد حرصهم على نموها وتطورها . ولاشك في أن تعميق الجوانب المهنية للتربية يزيد من علو مكانتها وإرتقاء شأنها في نظر المجتمع . وإن مما يزيد من قدر المعلم ومكانته في مجتمعنا المعاصر أن يصبح معلما مقتدرا يمارس المهنة على أصول علمية لا يلم بها غيره .إن ما يميز المعلم عن غيره هو أن المعلم المهني يستند في ممارسته للمهنة وفيالذي تلقاه قبل دخوله المهنة . في حين أن المعلم غير المهن – ونعني به الذي لم يسبق له إعداد مهنى – فإنه يمارس المهنة ويتخذ قراراته التربوية بالإجتهاد الشخصي والمحاولة والخطأ . والفرق كبير بين النوعين . وإن مما يزيد من مكانة مهنة التعليم ويرفع من شأنها أن يتوحد المصدر الذي يتخرج منه المعلم بصرف النظر عن المرحلة التي يعمل بها المعلم . وإذا كانت مطالب الإعداد ستختلف بالطبع باختلاف المرحلة التعليمية التي يعد لها المعلم فإن هذا لا يعني تعدد مصادر إعداد المعلم بل يجب توحيد هذه المصادر في مصدر واحد .إن توحيد مصدر إعداد المعلم أمر تفرضه النظرة إلى التربية كمهنة شأنها في ذلك شأن المهن الأخرى . وإذا كان الطبيب يعد في كلية الطب والمهندس في كلية الهندسة والمحامي في كلية الحقوق ، فإن إعداد المعلم يجب أن يتمثل في كلية التربية باعتبارها الصيغة المهنية المناسبة . ويجب أن يترك أمر إعداد المعلم أيضا شأنه شأن المهن الأخرى إلى الجامعة وليس لوزارات التربية والتعليم . فوزارة الصحة مثلا لا تقوم بإعداد الطبيب . وكذلك الحال بالنسبة للمهن الأخرى فلماذا تقوم وزارة التربية بالإشراف على عداد المعلم . وإذا كان التطور التاريخي لمهنة التعليم قد حتم أن تقوم وزارات التربية بهذا الدور فقد أن الأوان لكي تتخلى وزارات التربية عن هذه المسئولية للجامعات وقد توفرت لها كل إمكانيات القيام بهذا الدور في إعداد المعلم . إن هذا التوحيد سيكون له آثار بعيدة المدى على مستقبل تور مهنة التعليم والإرتقاء بشأنها والإرتفاع بمستواها وتحقيق وحدة المهنة ونقاوتها وتكاتفها وضمان الوصول بمستويات المهنة إلى معدلات عالية من الكفاءة والفاعليةإن النظام التكاملي لإعداد المعلم كما هو متمثل في كليات التربية يعتبر صيغة مناسبة لإعداد المعلم ويجب تعزيزه والأخد به في كل الدول العربية . ويجب ألا يفهم من هذا الكلام أننا نريد الوقوف عند صيغة واحدة جامدة وإنما ما نعنيه توحيد الصيغة كمصدر ، كما تتوحد كليات الطب والهندسة وغيرها كمصادر للإعداد للمهن .في حقيقته نظام للطواريء أو الباب الخلفي للدخول إلى مهنة التدريس . ولهذا النظام عيوب كثيرة في مقدمتها أنه لا يجتذب أحسن العناصر لأن من يلتحق بهذا النظام يكون من خريجي الجامعة الذين لم يتيسر لهم العمل الذي يتطلعون إليه فيتوجهون عن غير رغبة عادة إلى طريق التدريس كملاذ أخير . وبدلا من هذا النظام يمكن النظر في إطالة سنوات إعداد المعلم في كليات التربية إلى خمس سنوات بدلا من أربع . وهو ما تفرضه التطورات الراهنة في مهنة التعليم •ويحق لنا، أن نتساءل هنا : هل هناك حقيقة فرق بين أداء المعلم المهني وغيره ؟ إننا أحيانا نسمع من المسئولين في وزارات التربية والتعليم وهي الوزارات التي تستخدم المعلمين أنهم لا يلحظون فرقا حقيقيا في الأداء بين المعلم التربوي وغيره وهذه قضية خطيرة لأنها وإن كانت تشير إلى ضعف إعداد المعلم التربوي فإنها أيضا توحي بأن التعليم أمر يقدر عليه أي إنسان ، أي أنها تؤكد ما يقال عادة بأن التعليم مهنة من لا مهنة له . وهنا مكمن الخطر ،