اريد تلخيص لهذا اللدرس تدبر سورة الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. لا يمكن أن أفتتح علاقتي مع الله عز وجل وأبنيها بشكل صحيح بدون هذه المعاني التي وردت في سورة الفاتحة. الكلمة الأولى والآية الأولى التي وردت في هذه السورة جاءت (بسم الله) وسواء كنا مع المفسرين الذين اعتبروها آية من سورة الفاتحة أو مع من لم يعتبرها واعتبر البسملة آية في كل سورة النتيجة واحدة: أنا لا أفتتح هذا الكتاب إلا بقول: بسم الله الرحمن الرحيم. لماذا؟ البسملة تذكّرني بأني عبد وأن كل ما أنا فيه من أعمال وكل ما أقوم به من أعمال أنا لا أدخل على العمل بذاتي ولا بقوتي ولا بإمكانياتي ولا بالأسباب لوحدها أنا أدخل عليها باسم الله. ومن هنا نبدأ نفهم ما الحكمة من وراء تكرار سورة الفاتحة في كل ركعة وجعل الصلاة لا تتم إلا بهذه السورة. ثم جاءت (الرحمن الرحيم) والرحمن الرحيم في كلمة البسملة ثم (الرحمن الرحيم) التي ستأتي فيما بعد في سورة الفاتحة تذكرني بأمور عديدة: واحدة من أعظمها أن علاقتي مع الله عز وجل قائمة على الرحمة، الكلمة الثانية التي تنميها فيّ سورة الفاتحة (الحمد لله رب العالمين) الحمد. أنا أول ما أفتتح العلاقة بيني وبين الله عز وجل أول كلمة أريد أن أخاطب بها ربي أول كلمة أريد أن أقولها لربي: يا رب الحمد لله. والحمد لله كلمة جامعة تجمع كل معاني الثناء، كل معاني التذلل والانكسار بين يدي الله عز وجل (الحمد لله). وهنا يتحول الحمد الذي تبنيه سورة الفاتحة التي تُعرف بسورة الحمد جعلنا الله جميعاً من الحامدين لآلآئه المستشعرين لعبادة الحمد هنا تبدأ سورة الفاتحة بجعل الحمد وتحويله من مجرد لفظة باللسان إلى عبادة عظيمة تدور عليها كل أعمال الإنسان في واقعه وحياته (الحمد لله)، كيف؟ الحمد الذي تبنيه سورة الفاتحة في نفس المؤمن ليس لفظة، تعودني وتعلّمني وتدرّبني على أن أرى النعم بعيني والفارق شاسع بين عبد يقول الحمد لله مجرد كلمة وبين عبد حين يقول الحمد لله من أعماق قلبه تبدأ كل النعم التي وهبها الله عز وجل لهذا الإنسان تظهر أمام عينيه واضحة للعيان. الحمد الذي تبنيه سورة الفاتحة لكي يكون عبادة حقيقية حمدٌ يحوّل الحمد من شعور في القلب وكلام باللسان إلى فعل وسلوك كيف؟ الحمد لا يتم ولا يكون حمداً إلا حين يستشعر الإنسان أن لدي الفائض من النعم، الحمد الذي تبنيه سورة الفاتحة مدرسة حقيقية. هو الذي يمنع والمنع والعطاء تربية. إذن هي التربية ربي يربيني سبحانه وحين يستحضر المؤمن هذه الكلمة وهو يقول ويردد (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) رب كل شيء كل العوالم ما علمت منها وما لم أعلم يصبح الحمد شيئاً محققاً في نفسي، أحمده على كل شيء على كل نعمة على كل حال أنا أتنقل فيها وأترقى فيها وهذا مصداق الحمد الذي تربيني سورة الفاتحة عليه. والصلة بين الرب رب العالمين والرحمن الرحيم تبين صلة الرب بمربوبيه، عالم بقدرة تحمُّلي لن يكلني إلى سوء، عالم فيه نوع من أنواع الرأفة الإلهية التي تحيط به من كل جوانبه وبالتالي تهدأ نفسه وتسكن جوارحه ويشعر بمعنى الاطمئنان لذاك الرب الرحمن الرحيم الذي لا يريد به إلا الخير، صحيح أنا حياتي وآخرتي وكل ما في الكون تحت سلطته سبحانه ولكنه في تعامله معي لا يخرج عن الرحمة سبحانه وتعالى وهذا المعنى معنى عظيم جداً تكرسه سورة الفاتحة فتجعل الإنسان يهدأ وتجعل الإنسان يتحرر من العبودية لغير لله سبحانه حتى الخوف. سورة الفاتحة تحررني من هذا ومن هنا كانت سورة الفاتحة تكرّس معاني التوحيد العظيمة توحيد الألوهية. رحلة الحياة القصيرة التي قد تستغرق من الإنسان كل الهموم كل الأحزان كل الاهتمامات وتذهب بعيداً به عن خالقه وتشرد به أحياناً حتى في صلاته، هذه المعاني حين تتأكد في النفس وتبنيها سورة الفاتحة تحرر الإنسان، ما الذي يجعل العلاقة بيني وبين ربي لا تتزعزع ولا تتغير؟ ما الذي يدفعني لأحسن الظن بربي سبحانه؟ إيماني باليوم الآخر يفتح لي أبواباً من الرحمة، الآن انتقل إلى مرحلة عالية من مراحل العبودية من مراحل العلاقة والصلة بينه وبين الله عز وجل التي بنتها سورة الفاتحة بالكلمات (إياك نعبد) الآن حُق لهذا العبد أن يقول (إياك نعبد) حُقّ لهذا العبد أن يخاطب ربه ويستشعر بأنه بالفعل يخاطبه بكل كلمة “فإن لم تكن تراه فإنه يراك” ولكن حتى وأنت عبد لا تستطيع رؤية الخالق سبحانه فهو لا تدركه الأبصار، عبودية بدون محبة لا تسمى عبودية التعبد الذي تبنيه سورة الفاتحة تعبد قائم على عبودية ومحبة أنا أخافه وأخشاه وأهابه سبحانه ولكني أحبه حباً يلفّ كل هذه العبوديات مع بعضها البعض ليخرج هذه الكلمة العظيمة (إياك نعبد) قصرت وحصرت العبادة لا تكون إلا لله عز وجل سواء أكانت عبودية أعمال القلوب التي تبنيها سورة الفاتحة، ومن هنا كانت الفاتحة تُسلم العبد إلى ما بعدها من سور إلى ما بعدها من أوامر جاءت في سورة البقرة، إذاً بالفعل سورة الفاتحة فاتحة، بالفعل سورة الفاتحة تفتح العلاقة بيني وبين ربي، أستعين بالله وفي كلمتين جامعتين حررت الإنسان من أعظم وأخطر الأمراض أمراض الرياء وأمراض العُجب. أعظم مطلوب تربيني سورة الفاتحة عليه الهداية والهداية. كما نعلم جميعاً على نوعين: هداية عامة لكل البشر لعبيد ربوبيته هو قال سبحانه (رب العالمين) رب كل أحد رب الكافر ورب المؤمن رب الذي يعصيه كما هو رب الذي يطيعه. الهداية الأولى العامة هداية البيان ربي بيّن ربي أرسل رسلاً أنزل كتباً أعطى كل هذه الدلائل أعطى كل هذه الإشارات للتوصل إليه لسلوك الطريق إليه لبناء العلاقة معه عز وجل هذه هداية عامة. ولكن الهداية التي أطلب في سورة الفاتحة هداية خاصة هداية لا تكون إلا لعبيد ألوهيته، الجزاء من جنس العمل من اهتدى إلى الله هداه ومن أراد التوفيق لأمر الله عز وجل وصدق في النية معه ربي سبحانه وفّقه وأعانه وأعطاه ومن استعان بالله أعانه ومن استعان بغيره تركه إلى ذاك الغير وأضعفه وأوكله إلى نفسه، قد يريد العبد الهداية والخير لنفسه فقط بحكم الشُحّ وحكم الأنانية ولكن سورة الفاتحة التي تعالج وتشفي ما في القلوب تعالج مرض الشُحّ وتنتزعه من القلوب في كلمة واحدة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) كلها جاءت بصيغة الجمع. العلاقة التي تبنيها سورة الفاتحة العلاقة بين الله سبحانه وتعالى وبين عبيده علاقة عجيبة علاقة تُشعر المؤمن بأن كل حركة تقوم بها الفضل فيها لله سبحانه. وتضع الإنسان سورة الفاتحة في هذه الآية على المحك النعمة الحقيقية ليست في كثرة مال ولا في فتح الدنيا من كل أبوابها على الإنسان، الضلال وكل الأمراض المتشعبة المتنوعة من حسد من حقد من تنافس على الدنيا من أشياء متنوعة من أشكال الضلال لا يمكن أن تأتي إلا من قبيل النفس فقط واتباع الهوى خلّصتني سورة الفاتحة منها. بهذه المعاني العظيمة استحقت هذه السورة أن تكون أعظم سورة في كتاب الله. بهذه المعاني وهذه التربية وهذه المراحل التي تنقّلت بها سورة الفاتحة في تربية الإنسان المؤمن ليصبح عبداً حقيقياً لله مستحقاً لهدايته الهداية الخاصة مستحقاً لرحمته الرحمة الخاصة القريبة من عباده المحسنين، بهذه المعاني استحقت أن تكون فاتحة في كل شيء، سورة الفاتحة تحققت بهذه المعاني. وكلما ازداد العبد عبودية لله عز وجل واحساناً في ترقّيه في منازل تلك العبودية كما بنتها سورة الفاتحة كلما زادت المعونة من الله له سبحانه، إذاً هي سورة الفاتحة بكل عطاءاتها،