"عرفت بلاد المغرب الإسلامي حالة من الاضطراب حيث كانت الأوضاع السياسية آنذاك متهالكة مما جعلها مركز استقطاب للعديد من الفرق والمذاهب فكانت المغرب مهدا لإقامة هذه المذاهب والتيارات إذ أن المغرب لم يكن بمعزل عن المشرق يوما حيث كانت كل الأحداث التي تقع في المشرق تلقي بضلالها على المغرب.ومن بين تلك الأفكار والمذاهب نجد الفكر الشيعي الذي نمى وترعرع في هذه الأرض الخصبة لأن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية آنذاك ساهمت بتحقيق تلك الأهداف بسبب ما لقيه قادة وولاة هذه الفرق من سجن وقتل وتشريد في المشرق.وهاته الأخيرة التي ستكون محل دراستنا تحت عنوان:استيراد الأفكار من المشرق إلى المغرب الشيعة نموذجا الدولة الفاطمية 296 \ 362 والموحدية 541 \ 668.وسنحاول ولو بصورة بسيطة إعطاء لمحة وافية عن هذه الأفكار وتأثيرها على بلاد المغرب ومن هذا المنطلق يمكننا طرح الإشكال الرئيسي الاتي: ما هي تأثيرات المذهب الشيعي في بلاد المغرب؟وتندرج تحت هذا الإشكال جملة من التساؤلات الفرعية التي نوجز أبرزها كالآتي:ما المقصود بالمذهب الشيعي؟ وما هو أبرز فرقه؟كيف كانت الأوضاع السياسية لبلاد المغرب قبيل ظهور الدعوة الشيعية؟ما هي أهم الأسباب التي ساعدت على انتشار هذه الدعوة؟ما مدى تأثيرها على الصعيدين السياسي والاجتماعي؟ومن بين الأسباب والدوافع التي أدت بنا إلى اختيار البحث نذكر منها:الأسباب الذاتية التي جعلتنا نعالج هذا البحث هو الرغبة الملحة في الإطلاع على مثل هذه الموضوعات التي تتعلق بتاريخ المغرب الإسلامي، وخاصة ما يتعلق بتاريخ الفكر الدعوي الذي يتحول من النظري إلى التطبيقي.إن طبيعة هذا الموضوع والدراسة فيه تكشف لنا عن معطيات فترة هامة من تاريخ المغرب الإسلامي.دراسة الظروف التاريخية التي مكنت الفكر الشيعي من تسيير دولتين في فترة سادها الصراع السياسي والعسكري الذي يستمد قواه من الولاء السياسي و المذهبي.من خلال دراستنا لموضوع تأثيرات المذهب الشيعي في بلاد المغرب الدولة الفاطمية والموحدية نموذجا توصلنا إلى العديد من نتائج أهمها:لقد وجدت الشيعة الاسماعلية الظروف المناسبة في أرض المغرب لكي تنمو وتترعرع في كنفه وتكون دولة قائمة بذاتها لقد كانت نشأتها الأولى على يد داعيين كبيرين أبو سفيان والحلواني اللذان أتيا بأمر من أبو جعفر الصادق ووطء المكان لقدوم ابو عبيد الله المهدي الذي كان أول ملوك الدولة الفاطمية.حيث وجدت هذه الدولة تقبل كبير من طرف أهل المغرب بعد مرورها بالعديد من الأزمات والاشتباكات خاصة من طرف الحكام والعلماء, أما من طرف الأهالي لقد كان على وجهين فمنهم من دخل خوفا و طوعا ومنهم من دخل برغبته وهروبا من بطش السلطة الحاكمة في ذلك الوقت. إلا أن المذهب وجد تأثير كبير خاصة على الصعيد العقائدي والثقافي ودخول أفكار جديدة وظواهر جديدة على المجتمع المغربي. وكذلك على الصعيد السياسي حيث نشبت على إثرها دولة لها كيانها السياسي كما قلنا سابقا دامت حقبة من الزمن.وبالرغم من هذه الدولة انتقلت من المغرب إلى مصر بعد دخول المرابطين ورجوع المذهب السني إلا أن النزعة أو المذهب الشيعي لم يمت أو ينقرض من المغرب وقامت على إثره دولة أخرى أساسها المذهب الشيعي وهي الدولة الموحدية حيث قامت هذه الدولة على يد المهدي ابن تومرت, الذي جاء بنفس عقائد المهدي أبو عبد الله وخاصة في قضية الامامة وتأسيس دولة تضمن استمرار المذهب, ولقد كانت النزعة الدينية صبغة لكل رغبة سياسية لبناء أي دولة, حيث يتظاهرون في البداية في وضع بعض الإصلاحات الدينية داخل المجتمع حتى يكسبون قلوب العامة, وعلى هذا الأساس قامت دعوة المهدي ابن تومرت حيث دعا في الوهلة الأولى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر,