الاتجاهات المختلفة للتحليل السيميولوجي هناك أربعة اتجاهات أساسية في السيميولوجيا هي الأشهر : 1) سيميوطيقا بيرس: يرى بيرس أن العلامات –كيفما كانت طبيعتها- يجب أن تعالَج في إطارها المنطقي. لأنها –من جهة- تمكننا من التفكير والتواصل مع الآخرين، ومن جهة أخرى تمكننا من إعطاء معنىً لما يقترحه علينا الكون. تركز سيميوطيقا بيرس على ثلاثة أبعاد رئيسة، وفيما يأتي بيانُ ذلك: -أ- البعد الأول (التركيبي) : وهو بعد الممثل (Représentament) منظوراً إليه في علاقته مع ذاته. وذلك على النحو التالي : * العلامة الوصفية (Qualisigne) : وهي الصفة التي تشكل علامة. ولا يمكن أن تشتغل إلا وهي متجسدة –ماديا- في العلامة الفردية. ومثال العلامة الوصفية اللون الدال على شيء مّا. كما أنها "موضوع أو حدث فردي". ويمكن أن نمثل لهذه العلامة بالنصْب التَذكاري أو بعَرَض (Symptôme) داء معين. * العلامة العُرْفية (Légisigne) : هي قانون أو قاعدة أو مبدأ عام في شكل علامة. -ب- البعد الثاني (الدلالي): وهو بعد الموضوع (Objet). ويتعلق الأمر هنا بالعلامة منظورا إليها في علاقتها بموضوعها الذي تحيل إليه. ويتكون هذا البعد من ثلاث علامات فرعية كالآتي : * الأيقونة (Icône): وهي تشبه الموضوع الذي تمثله. يقول حنون مبارك: "إن الأيقونة صورة تَستنسخ نموذجا". والصورة الفوتوغرافية مثالٌ لهذا النوع من العلامات. ومثالها الدخان الذي هو أَمَارة على وجود النار. * الرمز (Symbole) : وهو يحيل إلى موضوعه بفضل قانون أو أفكار عامة مشتركة. وهو "شكل آخر منحل عن الرمز الذي يكون موضوعه فردا موجودا، بحيث لا يعني هذا الموضوع إلا الطبائع التي يملكها هذا الفرد". -جـ- البعد الثالث (التداولي) : وهو بُعْد المؤول (Interprétant)، ويقتصر بعض الباحثين على ترجمة هذا المصطلح ترجمة حرفية "رِيم". ويمكن للفدليل أن يمدنا بإخبار (أو معلومة)، إلا أنه لا يؤوَّل بوصفه شيئا يمدنا بإخبار ما. * العلامة الإخبارية (Dicisigne): وهي تخبر وتعطي معلومة تتعلق بموضوع العلامة. ويعرفها دولودال بأنها "العلامة التي تكون بالنسبة لمؤولها علامة وجود واقعي: إنها تقدم إعلاما يتعلق بموضوعه". ويمكن أن نمثل لهذه العلامة بالجملة البيانية. * البرهان (Argument) : وهو علامة تشكل بالنسبة إلى مؤولها علامة قانون. ولو لم يكن للاستدلال (Raisonnement) بعد سيكولوجي لسماه بيرس به. ولأن البرهان "ثالثي بسبب مبدأ "تراتبية المقولات"، فإنه التعبير المختَصَر للعلامة التامة : أي العلامة العرفية الرمزية البرهانية". ويمكن أن نلخص الأبعاد الثلاثة المذكورة، الأولية الثانوية الثالثية 2 الأيقونة القرينة الرمز أي: ولا يمكن أن تقوم العلامة إلا بوجود هذه العناصر الثلاثة مجتمعة. معنى هذا أن ثمة تسعَ علامات فرعية (انظر الجدول السابق). نحصل على 33؛ أي على 27 صنفا من العلامات الممكنة. والعلامة الفردية الأيقونية الفدليلية (رسم بياني معطى مثلا)، والعلامة العرفية الأيقونية الفدليلية (رسم بياني عام مثلا)، والعلامة العرفية القرينية الفدليلية (اسم الإشارة مثلا)، والعلامة العرفية القرينية الإخبارية (صراخ في الزقاق مثلا)، والعلامة العرفية الرمزية الفدليلية (اسم عام مشترك مثلا)، والعلامة العرفية الرمزية البرهانية (العلاقة التضمينية مثلا). ويترتب عن ربط العلامات بعضها ببعض 66 نوعاً من العلامات السيميائية. ولكن الملاحَظ أن الاهتمام الأكبر قد انصب على الثلاثية الثانية المشكلة للبعد الدلالي؛ خلاصة القول إن سيميوطيقا بيرس "ليست مجرد أدوات إجرائية يمكن استثمارها في قراءة ظواهر معينة، لكنها بالإضافة إلى ذلك تصور متكامل للكون، 2) سيميولوجيا سوسير : يعد سوسير أبا اللسانيات الحديثة. ذلك بأنه أنفق جزءا غير يسير من حياته في دراسة اللغة، وقد طبع هذا التوجه اللساني نظرية سوسير العامة حول العلامة التي أطلق عليها اسم (Sémiologie). إن السيميولوجيا السوسيرية تعنى بعموم العلامات في نطاق المجتمع. وهي بذلك ظاهرة سوسيولوجية. كما أنها فرع من علم النفس العام. ويبدو التأثير السيكولوجي في نظرية سوسير واضحا في تعريفه للعلامة باعتبارها كيانا نفسيا قوامه عنصران يرتبطان –جدليا- وَفْقَ علاقة اعتباطية. وقد ركز سوسير –في المحل الأول- على اللسانيات في بناء نظريته حول العلامة، وقد عمل تلاميذه (مثل بويسنس) على المضي قُدُماً في هذا المشروع العام تَحْدوهم الرغبة في إنجاز نظرية سيميائية تَمْتَزح أساسا من الطروحات اللسانية، خاصة وأن الدراسات اللغوية في تلك الفترة كانت في أوْج عطائها وذُروة تطورها. من ذلك ما ذهب إليه بارث في حديثه عن علاقة السيميولوجيا باللسانيات. وتقوم العلامة –حسب سوسير- على ركنين متضايفين، هما : التصور/المدلول والصورة السمعية/الدال. ودليله في ذلك تعدد الأسامي المسمية للمسمى الواحد. ويَستثني من هذه العلاقة أمرين؛ المحاكيات (Les onomatopées) وبعض صيغ الندبة والتعجب. كما أن سوسير أهمل علاقة العلامة بالواقع/المرجع (Référent)، تحدث سوسير عن العلامة الرمزية/العرفية المتسمة بخاصيات معينة. يقول: "ومن خاصية الرمز ألا يكون أبدا اعتباطيا في سائر وجوهه؛ فهو ليس خاليا ولا فارغا من كل محتوى مادي. فالرمز الذي يشير إلى العدالة. يقول سوسير: "فنحن نطلق لفظ "العلامة" على تركيب التصور والصورة السمعية. فقد أسهم سوسير –بشكل كبير- في إرساء أسس السيميائيات الحديثة، نشأ اتجاه في السيميائيات يعنى -أساسا- بالوظيفة الخاصة بالبنيات السيميوطيقية (أي التواصل). يقول ميتز : "تقترح سيميولوجيا التواصل –مبدئيا- دراسة اللغات التي أَسْميتها في موضع آخر "المتخصصة" (Spécialisés)؛ أي دراسة عدد من الحقول حيث اللغةُ والسنن/الشفرة (Code) يختلطان مؤقتا، إذاً، فعنصر التواصل هو الموضوع الرئيس في هذه السيميولوجيا، وخاصة "التواصل الإنساني". ويرى برييطو أن استعمال العلامات هو –وحده- الذي يحدد التواصل؛ بحيث يمكن الحديث عن فعل تواصلي أو فعل سيمي في كل لحظة يحاول فيها مرسِل (Distinateur) –وهو في طور إنتاج علامة ما- إمداد مرسَل إليه (Distinataire) بأَمَارة أو إشارة معينة (Indication). ويميز برييطو بين أمارات ثلاثٍ كالآتي: * الأمارات العفوية: مثل لون السماء الذي ينْبئ –بالنسبة إلى صياد السمك- بحالة البحر في اليوم الموالي. * الأمارات العفوية المغلوطة: مثل اللُّكنة التي ينتحلها متكلم ما رغبة منه في إيهامنا بأنه أجنبي. * الأمارات القصدية: مثل علامات المرور. د) سيميولوجيا الدلالة : لما كانت الأشياء تحمل دلالات وكانت للدلالة أهمية خطيرة في الواقع، فقد نشأ في مجال السيميائيات تيار يبحث في هذا الأمر؛ وهو تيار يعزى إلى الفرنسي رولان بارث الذي أوضح أن جانبا هاما من البحث السيميولوجي المعاصر مرده –بدون انقطاع- إلى مسألة الدلالة. ويرى بارث أن اللغة هي مؤول كل الأنساق أيا كان نوعها. وإذا كان سوسير يستخدم مصطلحات "العلامة" (Signe) و"الدال (Signifiant) و"المدلول" (Signifié)،