مراحل عملية اتخاذ القرار الإداري إن واقع إدارة الأعمال ينم على أن القرارات لا تتعلق دائما بمشاكل أو صعوبات مطلوب إيجاد حلول لها؛ بل هناك بعض القرارات التي تدخل في مجالات العمل اليومي والروتين. وبالتالي يمكننا اجمال المراحل التي يمر بها اتخاذ القرار بالتالي : 1. تحديد وتشخيص المشكلة (الموقف). 2. جمع البيانات والمعلومات الصحيحة عن المشكلات. 3. تحليل المشكلة (الموقف). 4. إيجاد بدائل لحل المشكلة. 5. تقييم البدائل المختارة. 6. اختيار الحل الملائم. 7. تنفيذ القرار ومتابعته. وفيما يلي شرح بشئ من التفصيل لكل مرحلة من مراحل اتخاذ القرار : أولا: تحديد و تشخيص المشكلة : تعرف المشكلة في مجال عملية اتخاذ القرار بأنها انحراف (Déviation) عن الهدف المحدد مسبقا؛ أو هي حالة من عدم التوازن بين ماهو كائن وبين ما يجب أن يكون. و عمليا نجد أن مشاكل الحياة - في المنظمة أو غيرها – نادرا ما تقدم نفسها لكي يتم اتخاذ قرار بشأنها، بل إن أول ما يظهر هو عناصر المشكلة، أي الأعراض وليس المشكلة ذاتها، وقد تكون هذه الأعراض الظاهرة على السطح هي أقلها کشفا عن جذور المشكلة. فالمدير هنا مطالب بتحديد: ما نوع المشكلة؟، كيف نشأت المشكلة؟ ما هي النقاط الجوهرية جما؟ ماهو الوقت الملائم لحلها؟ ولماذا يجب إيجاد الحل الملائم لها؟ وماهي المشاكل الفرعية التي تترتب على عدم حلها في وقت سابق؟ وماهي المشاكل التي يمكن أن تترتب جراء التأخر في حل هذه المشكلة ؟. و هذا يتطلب من المدير الاستعداد الذهني للتعرف على المشكلة، وتشخيصها تشخيصا سليما وفي الوقت الملائم كي لا تتفاقم آثارها وتنتقل إلى مجالات أخرى، إذ أن "التشخيص يعتبر عملية منظمة البناء و معالجة وإنتاج المعلومة". كما يتطلب منه درجة من التصور و الخيال والإدراك للكشف عنها، وللخبرة والمهارة دورهما في اكتشاف بعض المشكلات حتى قبل أن تظهر في محتوى المؤشرات الدورية المتنوعة التي تراقبها الإدارة. كما أن تحديد الانحراف يتطلب من المدير معرفة الموقع والمكان الذي لاحظ فيه الانحراف، والأشياء أو الأشخاص الذين يمسهم الانحراف و وقت ملاحظته، وكل هذه المعلومات تمكنه من تمييز المواقع التي تمسها المشكلة عن تلك التي لا تمسها. ثانيا : جمع البيانات والمعلومات الصحيحة عن المشكلات يواجه المديرون يوميا العديد من المشاكل والمواقف التي تتطلب منهم اتخاذ قرارات صحيحة وواضحة تجاهها، ومن أهم محددات نجاح القرار في الوصول إلى هدفه هو مدى وفرة المعلومات و دقتها على اعتبار أن قرارات المدير تمثل تصرفات مستقبلية، ونتائج متوقعة في المستقبل؛ إذ يقول کوتلر و دیبوا ( Kotler & Dubois ): "تسيير المؤسسة هو تسيير مستقبلها، تسيير مستقبلها هو تسيير المعلومة. وعليه فإن مراحل معالجة المشكلة من التحديد إلى التنفيذ- قد تكون بعيدة عن الواقع إذا لم يلتزم المدير بالدقة والحرص على جمع البيانات الصحيحة والمؤكدة حول الموقف المراد معالجته، فكلما كانت الصورة واضحة كلما قلت درجة المخاطرة، إضافة إلى أن المدير مطالب بتحري المعلومات من مصادرها الأصلية أو على الأقل من المصادر الأكثر وثوقا بما؛ فإذا كانت مصادر البيانات والمعلومات داخلية فإن الحصول عليها عادة يكون سهلا، خاصة إذا كانت الحقائق محفوظة ومدونة طبقا للأصول العلمية و العملية، ولا تحتاج جهدا كبيرا للوصول إليها. وهذا بالضبط ما توفره أنظمة المعلومات بالمؤسسة؛ إذ أنها توفر المعلومة بالدقة والسرعة والتنظيم المطلوب، مما يسهل اتخاذ القرار الصائب. أما إذا كانت المصادر خارجية (أطراف خارجية أو منافسين أو جهات رسمية. ) فإن الحصول عليها يكون تبعا لعلاقات المؤسسة الخارجية، و قدرتها على التفاوض كذلك، والمدير الناجح هو الذي يسعى دوما لفهم محيط مؤسسته المباشر وغير المباشر، ويحاول بكل الأساليب فهم میکانیزمات السوق المتواجد به، ويستعد لتقلبات المحيط حتى لا يقع في مواقف تضعف موقعه التفاوضي. يشمل تحليل المشكلة تقييم عوامل البيئة الداخلية المؤثرة على أنشطة المنظمة لتحديد نقاط القوة والضعف فيها، وبعد ذلك متابعة عوامل البيئة الخارجية المؤثرة على أنشطة المنظمة، كل على حدة، على المستوى العام والتشغيلي لتحديد الفرص والمخاطر السائدة فيها، وبعد ذلك يتم تحديد حجم الفجوة الاستراتيجية بين الفرص والمخاطر السائدة في البيئة الخارجية ونقاط القوة والضعف المتوافرة لدى المنشأة ككل وفي كل نشاط من أنشطتها، كل على حدة. إن معظم القرارات تتم على أساس معرفة غير كاملة، إما بسبب عدم توافر المعلومات أو أن الحصول عليها يكلف الكثير من الوقت والجهد والمال. وليس من الضروري معرفة كل الحقائق لاتخاذ قرار سلیم، ولكن من الضروري معرفة ماهي المعلومات الناقصة حتى يمكن تقدير درجة الخطر التي ينطوي عليها القرار ومدى دقته. رابعا: إيجاد بدائل لحل المشكلة في حقيقة الأمر إن وجود مشكلة ما يقتضي تعدد وتباين الآراء حولها، ذلك أنه إذا كان لها حل واحد فلن تكون هناك مشكلة اتخاذ قرار لأن متخذه سيكون مرغما على تبني الحل الوحيد المتوفر لديه. والملاحظ أن المديرين في سياق بحثهم عن بدائل لحل المشكلة يلجؤون إلى البدائل المعروفة سلفا (أي التي سبق استخدامها كحلول)، فإذا ما ظهر بأنها غير مناسبة لجؤوا إلى التصور والتفكير الإبتكاري الخلاق) لإيجاد الحلول المختلفة، فإذا كان تشخيص المشكلة يعتمد على التفكير المنطقي (الذي يرتكز على التحليل والمقارنة) فإن إيجاد الحلول البديلة لها يعتمد على التفكير الإبتكاري الذي يرتكز على التصور والتنبؤ وخلق الأفكار . كما يواجه المدراء عددا من القيود تحد من محال تصرفهم وتفرض عليهم بعض الحلول الممكنة، ومن أهم القيود يوجد عامل الوقت وكذا الموارد المالية والمادية المتاحة، وكذا درجة المخاطرة، إضافة إلى العديد من القيود الأخرى كالأنظمة الحكومية والإمكانيات التكنولوجية والظروف الاقتصادية و كذا الأهداف الشخصية للأفراد العاملين بالمنظمة وقدرتهم على تنفيذ البديل، كما أن قرارات الإدارة العليا في المنظمة قد تساهم في إبعاد العديد من البدائل للقرارات المتخذة في الإدارات الدنيا . خامسا: تقييم البدائل المختارة حين الانتهاء من وضع البدائل المتاحة، يجد المدير نفسه أمام ضرورة تقييمها لاختيار البديل المناسب، وذلك لأن أي حل من هذه الحلول يتضمن عدة مزايا وعيوب؛ إذ لا تتساوى الحلول جميعا من حيث قدرتها على تحقيق الهدف، ومن هنا تأتي أهمية الدراسات التحليلية للمشكلة، وكذا للقرار المزمع اتخاذه. إن عملية المفاضلة بين البدائل ليست عملية سهلة وواضحة دائما، إذ أن البدائل عادة ما تتضمن عوامل غير ملموسة يصعب وضع معايير دقيقة لقياسها، فضلا عن ضيق الوقت المتاح أمام متخذ القرار لاكتشاف النتائج المتوقعة لكل بديل. وهناك العديد من المعايير التي يمكن استخدامها للمفاضلة ما بين الحلول المقترحة، - إمكانية تنفيذ البديل، ومدى توافر الموارد المادية والبشرية والطبيعية اللازمة. وهنا تبدو واضحة أهمية استبعاد البدائل التي تكون إمكانية تنفيذها صعبة أو مستحيلة بسبب تعارضها مع أهداف المنظمة أو مع ظروف محيطها. - التكاليف والموارد الناجمة عن تنفيذ البديل. والتي يمكن تقديرها من خلال الموازنة بين المكاسب التي يتوقع تحقيقها من تنفيذ البديل والخسائر التي قد تترتب عليه. - آثار تنفيذ البديل على المنشأة (الأقسام والإدارات والوظائف والأداء أو على المنظمات الأخرى. وهذا يختلف باختلاف المشكلة وأهميتها، وما إذا كان القرار وظيفيا أو استراتيجيا يمس منظمات أخرى؛ فإلغاء بعض العلاوات الإضافية للعمال سيخفض من التكاليف ولكنه سيؤثر على نفسية العاملين، وبالتالي على تحفيزهم وتفانيهم في العمل، مما قد يكلف المؤسسة مبالغ أكبر مما وفرته جراء تخفيضها للعلاوات. - وقت وظروف أخذ البديل. فقد لا تسمح الظروف الطارئة التي تتطلب مواجهة عاجلة لمتخذ القرار بإجراء الدراسات المعمقة والضرورية للحلول البديلة، مما يضطره إلى اختيار أحد الحلول المتاحة و اتخاذ قرار قوي وعاجل تحت ضغط هذه الظروف، وهو ما يسمى "بالقرار تحت الضغط" ، ففي مثل هذه المواقف يتوخی متخذ القرار اختيار أفضل الممكن في ظل الظروف والمؤثرات التي تسيطر على الموقف. - استجابة المرؤوسين وتقبلهم للبديل. لما لهم من أثر في تنفيذ هذا البديل، وهنا تبرز ضرورة إشراكهم في المناقشة والتقييم وإبداء الآراء التي تضع أمام متخذ القرار تصورا لما سيكون عليه الحل مستقبلا بالنسبة للمرؤوسين. - الزمن الذي يستغرقه تنفيذ البديل. ففي ظل بديلان يقدمان للمؤسسة نفس النتائج، وبنفس التكاليف سيعمد المدير إلى اختيار أيهما يحقق تلك النتائج في أقصر وقت، وهذا يتوقف على طبيعة المشكلة ونوعها. سادسا: اختيار البديل الأفضل بعد مرور القرار بالمراحل السابقة يجد المدير نفسه أمام ضرورة اختيار أحد البدائل الذي يتوقع أن يحقق له أفضل النتائج (على سبيل المثال أكبر عائد بأقل تكلفة). ان عملية تقييم البدائل عملية صعبة بمكان، إذ أنها تتطلب مجهودا فكريا من متخذ القرار لإجراء الموازنة والتقييم الدقيق المزايا وعيوب كل بديل من البدائل المقترحة؛ فعملية الاختيار تتأثر بالعديد من العوامل، بعضها ذو صبغة موضوعية والآخر ذو صبغة شخصية من خبرة متخذ القرار ومعرفته ودوافعه ومشاعره ورغباته (فقد تكون ميوله تفاؤلية أو تشاؤمية) وبعضها ذو صبغة بيئية نابعة من متطلبات الموقف الإداري الذي يحكم عملية الاختيار. وكلما توفرت للمدير المعلومات الكافية عن مختلف البدائل، وفي وقتها المناسب كلما كان المدير حاسما في اتخاذ القرار وكانت عملية اختياره البديل بعيدة عن الذاتية و بالتالي تقلل من المخاطرة وتزيد من احتمالات رشادة القرار، أما إذا كان العكس فسيكون المدير مترددا في اتخاذه لهذا القرار؛ ولذا وجب عليه ألا يدخر وسعا في استخدام الطرق الرياضية و كذا أساليب الأمثلية (كالسمبلکس و تحليل الحساسية) وأن يتحكم جيدا في تكنولوجيا المعلوماتية والاتصال، لأن قراره هذا سينجر عليه العديد من القرارات الفرعية التي قد تقرر مصير المنظمة ككل، إضافة إلى سمعته هو ومستقبله في المنظمة. سابعا: تنفيذ القرار ومتابعته إن مهمة المدير لا تنتهي فور اختيار البديل الأفضل، وإنما تنتقل إلى مرحلة التنفيذ الفعلي عن طريق جهود الآخرين، بدءا بإبلاغهم بالقرار المتخذ ومرورا بشرح أبعاده والعمل على زيادة قبولهم به وكذا تحفيزهم على تنفيذه بالشكل الذي يحقق أكثر فعالية وكفاءة وانتهاءا بمتابعة التنفيذ وتقويم الانحرافات التي قد تشوبه. وعلى المسؤول عن هذا القرار أن يراعي الإجراءات اللازمة لتنفيذه والتمهيد له، وكذا السرعة الواجبة في التنفيذ؛ وذلك بصياغة مجموعة من الخطط التشغيلية، كما عليه أن يأخذ بعين الاعتبار مجموعة النتائج غير المتوقعة التي قد تنشأ أثناء التنفيذ على الرغم من كل الخطوات المدروسة التي قام بها. وعملية التنفيذ من الأجدر أن تصاحبها عملية تقييم دورية للتحقق من فعالية وكفاءة القرار المتخذ من خلال تحقيقه للنتائج المرجوة، وتقويم (تصحيح) الانحرافات إن وجدت ؛