مجازر الثامن ماي 1945 في الجزائر:السياق و الآثارتمهيدمُنيت المقاومة المسلحة التي خاضتها الجزائر، ظلت قائمة، تتحين الفرص لتستغلها و توظفها و تنتخب من الأدوات ما تراه مناسبا و متماهيا مع طبيعة و مقتضيات المرحلة، و في المقابل، كان هناك سعي محموم من طرف الاستعمار من أجل العمل على ضرب الوحدة بين أطياف الحركة الوطنية التي كانت تنطلق من أيديولوجيات متقاربة وتتناقض مع الواقع الاستعماري، من خلال إبراز الاختلاف الذي يـميز الوسائل أو الأدوات المعتمدة من طرف كل تشكيلة سياسية أو غير سياسية لتقويض أركان النظام الاستعماري.الأربعينيات ومنحى التحول الإيجابي أحداثا على جانب كبير من الأهمية، ساهمت إلى حد بعيد، في إعادة صياغة و تجذير الوعي الوطني، بضرورة الحراك أكثر من ذي قبل، على نحو أكثر فاعلية، ينطلق من وجوب رصّ الصفوف و تعبئة الشعب حول القضية الوطنية. وقد اعتبرت المؤرخة الفرنسية "آني راي قولدزايقر"هزيمة فرنسا العام 1940، صدمة كبيرة للمستعمرين في الجزائر، من خلال انهيار أسطورة القوة الفرنسية و سقوط نظام الجمهورية الثالثة، تحت وقع الضربة العنيفة للجيش الألماني.وبالمقابل ارتاح الشعب الجزائري عموما، و رجال الحركة الوطنية خصوصا، وبشكل أخصّ التيار الثوري، وهي الفكرة التي شكلت أحد ركائز الهدم المعنوي الذي باشرته سلطات الاحتلال الفرنسي، منذ العدوان على الجزائر، كما يشكل صورة من صور الحرب النفسية التي سُلطت على الجزائر. بهدف تزييف الوعي و شلّ حركة الوطنيين، الذين تفتحت أعينهم أكثر من ذي قبل، ولعل ما شكل عاملا رئيسا في ذلك، هو مشاركة الجزائريين ومساهمتهم في تحرير فرنسا من قبضة الألمان.و ينضاف إلى انكسار القوات الفرنسية أمام جحافل الألمان، فضلا عن إعلان ميثاق الحلف الأطلسي، والتي نصّت على الحق في تقرير المصير. و قد كان لتلك العوامل، الأثر الكبير في تعميق الحسّ الوطني لدى الشعب الجزائري والقوى السياسية الفاعلة في الساحة، ما جعل الأمل يغدو قويا أكثر من ذي قبل. وبخاصة حادثة نزول قوات الحلفاء في الجزائر،ما جعل مسألة الوقوف عندها، تعتبر أكبر من ضرورة،الحركة الوطنية والرأي الجامع في هذا الصدد، و قد شكّل هذا التلاقي الوطني، الذي شهدته سنة 1936. روزفلت، خلاصة عامة عن الأوضاع في الجزائر، في ظل الاحتلال الفرنسي، و حدد خمسة أهداف رئيسة.و اللافت أن مطالب الجزائريين لم تلق الآذان الصاغية بصدق و إخلاص لتحقيق الإنفراج الشامل للأوضاع، ليس من طرف الحلفاء فحسب، التي لم تستسغ قطّ تكتل القوى الناشطة في الجزائر و اجتماعهم حول كلمة سواء، فضلا عن نظرتها بعين الريب إلى التكتل الذي طفا إلى السطح، و أخذ ينمو ويتطور. و قد ذهب السيد أحمد مهساس إلى تقديم قراءة سياسية للوضع خلال هذه الفترة، من خلال قوله :" المسألة التي ركزنا عليها قبل كل شيء هي تغيير نظرة الشعب الجزائري لمفهوم الاستقلال و مفهوم استعمال العنف المــسلّح. وفرحات عباس و جمعية العلماء) على أساس شبه الاستقلال، وأسسوا حركة أحباب البيان. و التي ضمت 500ألف منخرط، في ظرف ثلاثة أشهر فقط".و قد أغاضها ذلك كثيرا و دفعها باتجاه العمل على إفشاله، ما جعل الآمال المعقودة تذهب أدراج الرياح، في ظل تعنت الإدارة الاستعمارية الفرنسية و معاداة الكولون لكل خطوة باتجاه إصلاح الوضع في الجزائر، حتى و لو كان الأمر يتعلق بمسائل سطحية أو شكلية. حيث غدت الاتجاهات السياسية على اختلاف مواقفها وتعدد مطالبها عاجزة عن تحقيق أدنى المطالب، سواء عن طريق تحالفات وطنية لم يكتب لها النجاح، من حيث الامتداد في الزمان، أو عن طريق التمثيل النيابي الشكلي. ولعلّ ما زاد في تعميق جراح الجزائريين و تيئيسهم من إمكانية حصولهم على بعض من الحقوق، ما شهده الثامن ماي 1945 من مجازر عكست التطرف الكبير للعسكريين والسياسيين الفرنسيين، جسده التقتيل الذي مارسوه بحق الشعب الجزائري.الآثار كما أبانت بشكل جليّ أنه لا أمل يرجى من الاستمرار في النضال في ظل الشرعية الاستعمارية، لا لشيء إلا لأن الوجود الاستعماري نفسه، هو نفي للوجود الوطني للجزائر. و لا أدلّ على ذلك، من أنهم لم يرقبوا في الشعب الجزائري إلاّولاذمّة، و لكن على الرغم من اتساع نطاق القمع جغرافيا و بشريا، إلا أن النتائج المترتبة عنها كانت إيجابية إلى حد بعيد، و قد حصر ناصر الدين سعيدوني، نتائجها في الآتي: 1- القطيعة النهائية مع الأقلية الأوروبية المعروفة بطائفة الكولون.2- تحطيم الحاجز النفسي لدى الجمهور الجزائري، في أية مواجهة محتملة.3- التعبير عن الثوابت المكونة للشخصية الجزائرية و تأكيد مكانة القوى الحقيقية في المجتمع الجزائري.4- إكتساب الخبرة الضرورية لمواجهة الاستعمار بالقوة.5- إنغلاق الآفاق أمام الحركة الوطنية الجزائرية.7- تبلور مواقف التوجهات السياسية و فرز الأطروحات الشعبية على مــحـك الطموحات والآمال الوطنية. حيث راحت تصفها بالتمرد بسبب الجوع، نافية عنها الطابع السياسي الرامي إلى تقرير المصير مثل سائر الشعوب المحتلة. رئيس جمعية العلماء المسلمين، ونافيا فرضية القحط ونقص المؤونة، و أكد مناورات المعمرين و اليد الخفية المحركة لهم والتي كان هدفها منع أي تحسين لواقع المسلمين الجزائريين وحرمانهم من الحقوق السياسية والسيادية.إن القفز على الحقائق، منذ العدوان على الجزائر، العام 1830 ، حيث أنها كانت تخاف من مواجهة الحقيقة، وبخاصة بعد الصدى الكبير الذي خلفته المجازر،