وأخذ يقرأ آراء العلماء والفلاسفة عن الأرض والبحار والمحيطات، وكان يقضي أوقات فراغه في دراسة الخرائط والرسوم والعمليات الحسابية حتى توصل إلى فكرة جديدة جريئة عن الوصول إلى شرق آسيا وبلاد الهند ليس عن طريق السير شرقاً أو جنوباً، وإنما بالسير غرباً عبر المحيط الأطلسي غير مكترث بالخرافات السائدة عن المحيط الأطلسي وما فيه من جن وشياطين ونيران وأن نهاية سطح الأرض من الغرب حيث كانت الفكرة السائدة لدى الكثيرين وقتئذ أن الأرض منبسطة وليست كروية الشكل كما كان يعتقد. ولما كان كريستوفر كولمبس شديد الإيمان بفكرته عظيم الثقة بنفسه فإنه لم يعبأ بتأنيبهم أو ضحكهم عليه. وزاد من ثقته بنفسه أنه درس الملاحة عملياً فقد اشترك كثيراً في البعوث الكشفية البرتغالية وقام بعدة رحلات بحرية في البحر المتوسط. ولكنه رفض مساعدته، ومن ثم فقد لجأ إلى جنوة والبندقية ولكنهما رفضتا أيضاً، كما أرسل أخاه في عام 1485 إلى هنري السابع ملك إنجلترا ولكنه تردد في تنفيذ المشروع. وفي أثناء ذلك عرض كولمبس مشروعه على ملك وملكة إسبانيا فرديناند وإيزابيلا فقبلا مساعدته رغم إفصاح رجال الكنيسة وكبار رجال الدولة لهما برفض هذا المشروع، وعقدا معه معاهدة في سانت فيه Santa Fe بتاريخ 17 أبريل 1492. وهكذا حظي كولمبس بموافقتهما على الإبحار بنتا، نينا إلى المحيط، وظل يبحر غرباً فمر بجزائر كناريا وكانت آخر مدى وصل إليه الأوروبيون آنذاك وغادرها في 6 سبتمبر متجهاً نحو الغرب، وبعد مضي أسبوعين دون ظهور أي دليل على الاقتراب من البر فقد تملك اليأس نفوس البحارة والملاحين وكادوا يثورون عليه ويرغمونه على العودة إلى بلادهم، ولكنه تمكن من التغلب عليهم وتهدئة ثورتهم، ونجح في النهاية من الوصول إلى البر، ففي 12 أكتوبر نزل كولمبس ورفاقه في جزيرة صغيرة ظنوها إحدى جزر شرق آسيا ولكنها كانت إحدى جزر البهاما Bahama ورفعوا عليها العلم الإسباني وأعلنوا ضمها لإسبانيا وأطلقوا عليها اسم سان سلفادور San Salvador ، كما اكتشف جزائر الأنتيل الصغرى وجزائر الأنتيل الكبرى. وبعد ثلاثة أشهر من التجول فيها عاد إلى إسبانيا في مارس 1493 دون أن يدرك أن هذه الجزر ملحقة بقارة كبيرة تقع بين أوروبا وشرق آسيا. وقد أحسن الملك والملكة استقباله ورفعاه إلى منصب النبلاء. وفي رحلته الثانية في 25 سبتمبر 1493 وصل كولمبس إلى بورتوريكو وجزر فرجين وجامايكا، وكان ينوي خلال هذه المرحلة استعمار الأراضي الجديدة ونشر المسيحية بين السكان الأصليين الذين سماهم كولمبس بالهنود. وفي رحلته الثالثة في 30 مايو 1498 اكتشف كولمبس ترينداد وأبصر شاطئ أمريكا الجنوبية، ولكن حظه كان سيئاً مع الإسبان فظهر منهم الحاقدون والوشاة المقربون إلى الحكام الإسبان الذين أظهروه بمظهر الرجل الأفاق الذي أضاع أموال الدولة على رحلات لم تكن ذات فائدة للدولة فيما عدا استرقاق العبيد الذين كانوا يستخدمون في تلك الممتلكات الجديدة، ولم تحصل إسبانيا على ما كان منتظراً من الذهب الكثير، بل إن ما كسبته حتى ذلك الوقت لم يتناسب مع ما كان يؤمله الإسبان من توابل الشرق، وقيل أن ذلك تم لسوء إدارته لإحدى مستعمرات هسبا نيولا وهكذا أعادوه إلى إسبانيا مكبلاً بالأغلال ذليلاً عام 1500 ولم ينقذه من هذا الذل وتلك المعاملة القاسية إلا الملكة إيزابيلا التي كانت تعطف عليه. وفي عام 1502 قام كولمبس برحلته الأخيرة والتي وصل فيها إلى شواطئ أمريكا الوسطى بالقرب من بنما ثم سار بحذائها حتى وصل إلى مصب نهر الأورينوكو، وعاد من رحلته ليقضي باقي أيامه في إسبانيا منزوياً متألماً ومات في 20 مايو 1506 فقيراً ويكاد يكون مغموراً وهو لا يعلم أنه كشف عالماً جديداً، بل كان على اعتقاده أنه وصل إلى شرق آسيا وأنه إذا واصل السير غرباً فإنه سيبلغ نهر الكانج بالهند وأن الجزر التي نزل إليها هي جزر الهند بلغها عن طريق الغرب، ومن ثم قد سميت جزر الهند الغربية، وقد أوفده ملك البرتغال عام 1501 في مهمة كشفية جغرافية ولدراسة المناطق التي تقع شرقي خط التقسيم. وقد وصل إلى الشاطئ الشرقي لأمريكا الجنوبية ، ووضع رسالة أثبت فيها أن الأقاليم التي اكتشفت ليست الهند أو الصين أو اليابان وإنما هي أقطار جديدة لا علاقة لها على الإطلاق بهذه الأقاليم، الجنوبية. وتركت رحلات كولمبس آثاراً عديدة منها أن الملوك الكاثوليك عملوا على تثبيت ملكيتهم للأراضي الجديدة وخصوصا عندما نشط البرتغاليون من كشوفهم ؛ وبذلك فإنه يمكن القول أن الدافع وراء هذه الكشوف لم يكن هو الرغبة في الحصول على التوابل والذهب، بل كان هدفاً استعمارياً، كما أنه لا يخفى أيضاً الدوافع الدينية حيث كانت هناك مشروعات تبشيرية لبابا الفاتيكان وكذلك الفرنسيسكان،