اختلفت آراء الدارسين حول تقسيم المراحل الت مر بها البحث ف العقيدة الإسلامية فمنهم من قسمها إل مراحل تاريخية تبدأ ثم العصر الأموى فالعباس وما بعده ، ومنهم من نظر إل التطور الذي حدث ف الأفار والمناهج وهناك خلاف بين هؤلاء وأولئك ف تحديد تواريخ بعينها فاصلة بين مرحلة وأخرى . الصعب وضع تواريخ فاصلة ف تطور الأفار ونموها وميلادها ، ولن مما لا خلاف فيه أن الأبحاث حول العقيدة الإسلامية بدأت خلال النصف الثان من القرن الأول للهجرة ، وواكبت ما جد عل الأمة من عوامل وتحولات وفترات صحوة وانحدار ، تسهيلا عل الدارس أن نقسم هذه المراحل إل مرحلة النشأة ، وطور تون المذاهب وظهور الفرق ، وطور الجمود والانغلاق، واكبت الدعوة إل صحوة الأمة ف شت المجالات طور النشأة : امتدت هذه الفترة خلال قرن كامل ابتدأ من منتصف القرن الأول، وشمل النصف الأول من القرن الثان للهجرة ، وخلال هذه الفترة برزت بعض المشلات العقائدية الت أدت إل تفرق المسلمين واحتدام الحوار والجدل بينهم ، مشلة مرتب البيرة والحم عليه ، والت ظهرت نتيجة لموقف الخوارج المتطرف وحمهم عل أصحاب الذنوب بالفر ، عرفوا بالمرجئة، الذين ذهبوا إل أن ارتاب البائر من المعاص لا تضر مع الإيمان ، وسع المعتزلة فيما بعد إل اتخاذ موقف وسط يجعل مرتب البيرة ف منزلة بين المنزلتين: (منزلة الفر والإيمان). الفرق جميعا، ً ما لم يجدد أصلا معلوماً كونه من الدين بالضرورة ، أو تناله الشفاعة، ولن دون خلود ف النار ، مسألة القضاء والقدر وأفعال الإنسان، وغيره من القدرية، الذين قالوا بنف العلم الإله القديم، والتقدير الإله السابق خشية القول بالجبر ، بينما نزعت طوائف إل الجبر وتأكيد القدر الإله وربما تطرف بعض هؤلاء فقال : إن الإنسان كالريشة ف مهب الريح لا فعل له ولا قدرة ، واتخذ آخرون ذلك مسوغاً لارتابهم المعاص وفعل الموبقات . فقد ورد أن رجلا قال لابن عمر (ت: ۷۳ هـ) ، ظهر ف زماننا رجال يزنون ويشربون الخمر ويقتلون النفس الت حرم اله ثم يحتجون علينا ويقولون كان ذلك ف علم اله فغضب ابن عمر وقال : سبحان اله كان ذلك ف علم اله ، وغيلان الدمشق، وكان ينر عليهم من كان بق من وأنس (ت: ۹۳ ه)، ولا يصلوا عليهم إذا ماتوا. كما أثيرت أيضاً مسألتا خلق القرآن والصفات الإلهية اللتان آثارهما الجعد بن درهم (قتل: يقول ابن تيمية : أول من حفظت عنه مقالة التعطيل ف الإسلام هو الجعد بن درهم ، ورغم أن قضية الإمامة كانت مدار مباحث الإيمان والفر ، فإنها لم تصبح قضية عقدية إلا ف وقت لاحق عل يد الشيعة ومن خالفهم الرأي الخامس ، فف طور النشأة وضعت بذور مذهب المعتزلة وأصول الحركة اللامية فمبدأ شيوع اللام ‐ كما يقول طاش كبرى وولادته سنة ٨٠ه، فيصير زمن طلبه العلم وقدرته عل الاجتهاد ف حدود المائة تقريباً ، وكان واصل بن عطاء أول من أظهر الاعتزال وأشاعه . العصر الذهب لتدوين العلوم ، حيث الفت الرسائل ف العقيدة لا سيما من قبل المتلمين المعتزلة ، وانتشر مذهب المعتزلة وراج منهجهم وساد بين المذاهب اللامية. وأصبح المعتزل يعرف بقوله بالأصول الخمسة ‐ كما يقول الخياط المعتزل) ت: ۵۲۹۰) : فلسنا ندفع أن يون بشر كثير يوافقونا ف العدل ويقولون بالتشبيه ، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، ف الإنسان هذه الخصال فهو معتزل. وقاموا بدور هام ف الدفاع عن العقيدة الإسلامية توضيحاً وإثباتا، ً وكان لهم الفضل ف نقض المذاهب والأديان، المسائل وغلوهم فيها. وقد تونت أصول المعتزلة الخمسة من خلال ردودهم عل مقولات خصومهم من أصحاب تلك المذاهب وعل الثنوية، واثبتوا اله زاعمين أن الأول هو (اله) الأب) ، والثان هو المسيح أو الابن) والثالث هو (روح القدس)، وشجعوا القول بقدمه، التشبيه والتجسيم، تأثرت بالديانة اليهودية، ضد هؤلاء جميعا قرر المعتزلة أصلهم الأول ف التوحيد مؤكدين تنزيه اله المطلق ف ذاته وصفاته وأفعاله . ضد الجبرية الذين نسبوا أفعالهم جميعها بما فيها من معاص وأنام إل اله تعال ، النبوات عموماً ، وجادلوا اليهود والنصارى حول نبوة محمد . وهذا ساد مذهب المعتزلة وأصبحت له السيادة لأكثر من قرن، وإبراهيم النظام (ت: (۲۳۱هـ)، وأبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت : ٢٥٥هـ)، وأبو عل الجبائ) ت: ۳۰۳هـ)، وابنه أبو هاشم (ت: ۳۲۱هـ) (۱) ، ولعل ذلك يعود إل أسباب من أهمها : ‐ اتخاذهم القوة وسيلة لفرض آرائهم الدينية ووجهات نظرهم الفرية . لجوؤهم إل اضطهاد مخالفيهم ف المعتقد والفر (۲) . ذهاب مناصيرهم من الخلفاء كالمأمون، وقد أثار المعتزلة بمنهجهم العقلان ، وأفارهم الغالية العديد من علماء أهل السنة الذين تصدوا للرد عليهم مبينين العقيدة الصحيحة مفندين انحرافاتهم ، ومن التب الت ألفت للرد عل المعتزلة : وكتاب الحيدة، العبد العزيز الم ت : ٢٤٠هـ) وهو عبارة عن مناظرة جرت بينه وبين بشر المريس) ۲۱۸ (أو (۲۲۸هـ) ف مجلس الخليفة المامون (ت: ۸۳۳/۲۱۸م) ، لأب عبد اله بن اسماعيل البخاري (ت: ٢٥٦هـ) ، الاختلاف ف اللفظ والرد عل الجهمية والمشبهة، والرد عل بشر المريس لعثمان بن سعيد الدارم) ت: ٢٦۰) أو (۲۸۰ هـ ) ، وخلق أفعال العباد (للبخاري) . ورغم انحسار فر المعتزلة وأقول نجمهم ، بتابه شرح الأصول الخمسة وبموسوعته المغن ف أبواب التوحيد والعدل . وفرقة الإباضية . ولذا فمن الخطأ الجسيم سواء من ناحية التاريخ الدين أو التاريخ الأدب ، العقائد الأشعرية ، وعند الشيعة مؤلفات اعتقادية كثيرة يرجعون إليها وينسجون عل منوالها ، وتفنده ، المتأخرة، الذي كان من المعتزلة وبلغ درجة عالية ف الاعتزال، واتخذ منهجاً وسطاً ف القضايا الت أثاروها، كما قالت المعتزلة، وف مسألة كلام اله فرق وقال بقدمه ، حادثة من حيث أنها مقرؤة متوبة ، وقديمة من حيث دلالتها عل اللام القديم. بالسب، وقرر أن افعال الإنسان مخلوقة ومبدعة اله ومتسبة للإنسان وواقعة عند قدرته ، وهذه القدرة الحادثة المصاحبة للفعل لا أثر لها ف إيجاد الفعل ، لأن اله هو المتفرد بالخلق والتأثير ف العالم . و بعد الأشعري تونت مدرسة تحمل هذه الأفار انتسبت إليه وسميت بالأشاعرة (1) . ثم تلت مرحلة أخرى ف تاريخ المدرسة، بدأت بابن فورك الأصفهان) ت : ٤٠٦ هـ) وانتهت بالشهرستان) ت : (٥٤٨هـ) وف هذه الفترة ظهر الجوين) ٤٧٨-٤١٩هـ) والغزال ، وأسرفوا ف التأويل، عن الساحة، والأيوبيين ف مصر، للمذهب ومناصرتهم له (1) . الماتريدية، الت تعتبر ف أصولها امتداداً لمدرسة الأحناف. شهدت هذه الفترة نضج علم العقيدة، كما يقول النجار، هو أهم أطوار علم العقيدة سواء ف ثراء مادته ومنهجه ، عنها (۳) . ورغم الشهرة الت نالتها المدرسة الأشعرية، والمانة الت احتلتها ف العالم الاسلام ، فقد واجهت المدرسة مقاومة من قبل أهل الحديث والحنابلة بصفة خاصة، الذين حاربوا علم اللام، ما كتبه أبو إسماعيل الأنصاري الهروي (ت: ٤٨١هـ) ف كتابه الشهير "تم اللام وأهله . مرحلة اختلاط ابحاث العقيدة بالفلسفة : ف هذه الفترة الت امتدت من القرن السادس إل القرن التاسع الهجري ، وف البحوث الطبيعية، وسع علماء العقيدة (المتلمون من خلال تبن الفر الفلسف ومنهجهم إل دعم مواقفهم اللامية (العقائدية) ببعض أفار الفلاسفة ، والرد عل ما تضمنته الفلسفة من آراء مخالفة للعقيدة الإسلامية ، والآمدي، اللذين توزعت ف كتبهما موضوعات اللام (العقيدة)، متأثرة بتلك النظريات الفلسفية، فبدأت بأبواب فيما يعرف وتمثلت هذه الطريقة بصورة واضحة لدى "الإيج "، الذي أوقف عل تلك المقدمات ف المعرفة وما يتصل بها، ما يقرب من نصف كتابه "المواقف"، حيث خصص المواقف الأربعة الأول لمواضيع فلسفية، مع التعرض لآراء الفلاسفة فيهما . وقد أدى هذا إل غلبة أسلوب الفلسفة التقريري الشرح عل أسلوب اللام الجدل الدفاع، فجمد بذلك علم اللام وعقمت مباحثه. وقد أشار ابن خلدون إل بعض مظاهر هذه المرحلة من مراحل تطور دراسات العقيدة فقال: "ولقد اختلطت الطريقتان طريقة اللام وطريقة الفلسفة عند هؤلاء المتأخرين (من المتلمين)، من كتبهم، ومن جاء بعده من علماء العجم ف جميع تأليفهم، ضدها ، تحفل بهم الخاصة، وذهب الزمان بما كان ينتظر العالم الإسلام من سعيهم، ووقف عن التقدم. الإسلام، ومن أبرز علماء والمتاخرين. وعضد الدين الإيج) ت: ٧٠٦هـ) وكتابه المواقف ف علم اللام ، وشرحه للسيد الشريف الجرجان) ت: ٨١٦هـ ) . الدين ابن الهمام (ت: (۵۸٦١)، " وقد تميزت وترتيب مسائلها، وقد عاصر هؤلاء أعلام من مناصري المذهب السلف كابن قدامة المقدس) ت٦٢٠: هـ)، وقد قاوم هؤلاء جميعاً وتبعهم فيه الشيعة، وتأثر به متأخر و الاشاعرة ، واشتدت مقاومتهم لهؤلاء الأخيرين الذين الذي ظهر بالشام، وناهض مناهج الفلاسفة والمتلمين ، ووجه سهام نقده إل الرافضة والفلاسفة وغلاة الصوفية ، ودعا إل العودة بدراسة العقيدة، وفقاً لمنهج السلف وأخذها من التاب والسنة، واستنباط أدلتها من النصوص الشرعية والمعارف الفطرية والحقائق العلمية ، رافضاً بذلك منهج الفلاسفة والمعتزلة، وتقديمها عل حقائق القرآن وأدلته اليقينية ، لاستعانتهم مع الأدلة القرآنية بأدلة عقلية ضعيفة (١). طور الجمود والتقليد : بعد غلبة دخلت دراسات العقيدة فيما أطلق عليه بعض الدارسين مرحلة الجمود والتقوقع، واكتف علماء العقيدة بما ألفه أسلافهم، دون إضافة تذكر لا ف الموضوع ولا ف المنهج ، بينما ظلت المواضيع ه بذاتها فلم تظهر قضايا جديدة وتوقف العلم عن النمو وظهر من رجال هذه الفترة أصحاب الحواش والشروح من أمثال ميرزا خان ، والسيالوت ، وساد اللام الأشعري فيصورته المتأخرة أنحاء العالم الإسلام، لا سيما مصر وأفريقيا والعالم العرب ، بينما سادت الماتريدية ف تركيا وشبه القارة الهندية. وغلب ف التأليف المتون الت صيغت فيها المعتقدات ف صور مركزة تيسيرا لحفظها، كما هو الحال ف جوهرة التوحيد للشيخ إبراهيم اللقان) ت ١٠٤١هـ) والت يقول فيها : فل من كلف شرعاً وجبا اله والجائز والممتنعا جوهرة التوحيد قد هذبتها عليه أن يعرف ما قد وجبا ومثل ذا لرسله فاستمعا ه الوجوب ثم الاستحالة فافهم منحت لذة الإفهام وانتشرت ف بعض تلك المؤلفات الأساطير والخرافات والحشو والاهتمام بالقشور دون اللباب ، ويف أن نشير إل ما أورده الشيخ إبراهيم الباجوري ( ۱۱۹۸‐۱۲۸۸هـ ، ١٧٨٤ ‐ ١٨٦٠م) ف شرحه ف وصف بعضهم للعرش إذ يقول : " جسم نوران علوي عظيم من نور، هو قبة فوق العالم، ذات أعمدة أربعة، وثمانية ف الآخرة لزيادة الجلال والعظمة ، ورؤوسهم عند العرش ف السماء السابعة، وأقدامهم ف T الأرض السفل ، وما نسب إل آخرين عن رقيب وعتيد ومايتبان من أعمال : " يتب الرقيب والعتيد أعمال الإنسان وأقواله من خير وشر ومباح . يوم الإثنين والخميس من كل أسبوع فتلتقمه حيتان البحر فتموت منه لنتنه فيخرج منه دود الزرع ال غير ذلك من الآراء الت لا ولا سند لها من الشرع ولافائدة من نشرها عل العامة أو الخاصة بل تعس إل حد كبير ، حالة التردي العلم والفري الت آلت اليها الأمة ف هذه الفترة من الزمان. وخلال هذه الفترة الحالة ظهر ف الجزيرة العربية الشيخ محمد فركز عل قضية التوحيد ونواقضه وأنواع الشرك والنفاق والفر والابتداع ف وبشر بالعودة بالمسلمين إل ما كان عليه السلف الصالح من تمسك بأهداب الدين وتحيم القرآن والسنة ف جميع شئونهم ، وذلك من خلال تصفية العقيدة وتنقيتها من الشوائب والشبهات . وقد أحدثت حركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بل امتدت آثاره لتشمل أنحاء مختلفة من العالم الإسلام ، ، فظهرت العديد من الدعوات والحركات الإصلاحية حملت لواء السع إل تصحيح الاعتقاد ، والحركة السنوسية ف شمال أفريقيا والحركة المهدية ف السودان ، وغيرها من حركات الإصلاح ف الهند ونيجريا ووسط آسيا وشرقها . واقع الدراسات العقدية المعاصرة : إن الدراسات المعاصرة ف مجال العقيدة تقوم عل نوع من التنافس بين المذاهب اللامية، ممثلة ف مذهب الأشاعرة والماتريدية ولها أتباع هنا وهناك ، وتاد مناهج الجامعات الدينية والمعاهد العليا والأبحاث والمؤلفات ف العقيدة، أن تون موزعة بين هذين التيارين . فف الدوائر الت يسود فيها المذهب اللام الأشعري والماتريدي ، نجد قضايا اللام القديمة ومسائله التقليدية التاريخية تتردد ف المناهج الدراسية والأبحاث العلمية ‐ وتتضمن المناهج الأدلة عل وجود اله تعال ف إطارها الجدل الفلسف ، الحدوث أو الجواهر والأعراض ، كما تعالج قضية الأسماء والصفات ف إطارها المذهب، ويدافع الأشاعرة حت يومنا هذا عن نظرية السب الأشعري رغم ما تتضمنه من صعوبات وتعقيدات ، كما يدافع الماتريدية عن صفة كما نجد تأكيداً عل التقارب بين الماتريدية والأشاعرة . أما الأبحاث العلمية والمؤلفات الأكاديمية، فبالإضافة إل تناول قضايا العقيدة وأسسها، وابراز ودراسة المعتزلة وأعلامهم، كحركة مؤثرة أو مناوئه لأهل السنة ( الماتريدية أما ف الدوائر الت يسود فيها المنهج السلف ، فنجد وأسلاف المدرسة كابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، إذ تدرس أنواع التوحيد ونواقضه، وأنواع الشرك والنفاق والفر والابتداع ف العقائد والعبادات . كما تركز المناهج عل قضية الأسماء والصفات ، ولا سيما ابن تيمية وابن القيم، ف تقرير تلك وخارج إطار هذين المنهجين ‐ هناك دعوة تنادى بأن دراسة العقيدة ف هذا العصر، فدعا بعض الدارسين إل صياغة جديدة لعلم اللام، كشرط أساس لأي نهضة فرية للأمة، ف نفوس المسلمين ولعل جذور هذه الدعوة تعود إل حركة الإصلاح الت قادها الشيخ محمد بن عبد الوهاب وامتدت آثارها إل وأثرت ف حركة الأحياء الحديثة الت قادها جمال الدين الأفغان) ١٣١٥/١٢٥٤هـ)، والشيخ محمد عبده (ت: ١٩٠٥م) ومن تتلمذ عليهما كالشيخ محمد رشيد رضا (ت: ١٩٣٥م)، وما انبثق من تلك الحركة منجماعات إسلامية تدعو ‐ عل اختلاف فيما بينها ‐ إل إحياء الإسلام، وتطهير المجتمعات الإسلامية من الشيخ محمد عبده،