كان يشعر بصداع رهيب وظل متناوماً ، ولم يصح بشكل كامل إلا مع رنين هاتفه المحمول في حدود العاشرة صباحاً . عليك أن تنهض من نورك وتذهب الى مستشفى الكندي لأخذ صور للجرحى وتتحدث مع الكادر الطبي والشرطة و كذا وكذا . وحفرة غير عميقة بقطر مترين ، وسحب صديقه الكئيب من ياقته إلى أحد البيوت في زفاق خمسة داخل البتاويين . وكان قلب محمود يضرب بشدة ويكاد ينخلع من مكانه كلما احتكت به اطراف الفتاة الجالسة بجواره أثناء رفعها لكاسها أو أخذ شيء من صحن الكرزات ، ولم يقترب من امرأة بهذه المسافة ، ثم يقول له بين فترة وأخرى : ـ اذا لم تكن مرتاحاً بإمكاننا المغادرة الآن . ولكن محمود لم يرغب بالمغادرة أبداً ، ثم انتهت الجلسة مع نهوض الفتاتين وسحبهما ليد محمود . قال محمود ذلك مع إبتسامة مضطربة . كان دوار خفيف بطوف في رأسه من كثرة الشرب ، بعد لا تحكي أمامي عن نوال الوزير . ممتلئة الجسد بحنك ثانوي يضفي مسحة من جمال شرقي على وجهها المغطى دائماً بمكياج خفيف ولكنه حاد ، تضع فوطة على راسها بشكل واه وغير محكم ، بالإضافة إلى الاكسسوارات البلاستيكية الملونة التي تغيرها دائماً . وخلال هذه النصف ساعة يضطر محمود الى رؤيتها كلما دخل إلى مكتب رئيس التحرير ، حين يكون السعيدي غائباً أو لم يحضر الى المجلة بعد ، وجرى حوار بينهما فهم محمود من خلاله انها تعد العدة لتصوير فلم روائي طويل يتحدث عن جرائم النظام السابق ، والسعيدي يقوم بتسهيل بعض الاجراءات وتحصيل الموافقات من خلال علاقاته بالطبقة السياسية وبعض الوزارات والمؤسسات . واستمر يسترق النظر الى هيئة هذه المرأة ويحصي تفاصيلها والتغيرات التي تطرأ على صورتها مع كل نهار ، إذهب إلى هناك ، وكان قبلها قد ابتدأ حياته الصحفية بعد نيسان ۲۰۰۳ محرراً في صحيفة اسبوعية إسمها اصدي الأهواره هناك في مدينة الغماره حيث يقيم . ولأسباب ظل يتكتم عليها محمود انتقل فجأة إلى بغداد . جاء الى بغداد في الوقت الذي كان من فيها يغادرونها . قال له حازم عبود هذا الكلام أيضاً في آخر مكالمة يجريها محمود من مدينته الجنوبية . - ابق في مدينتك حتى تهدأ الأمور في العاصمة ثم تعال . كان بحاجة ماسة للسفر الى بغداد ، وبمعنى ادق : بحاجة للهرب من الغماره . ومنذ اللقاءات الأولى مع السعيدي اكتشف محمود انه منجذب الى هذا الرجل الذي يكبره بعشرين سنة في الأقل ، ولديه قدرة على تمييع الأزمات مهما كان حجمها ، وتحويلها إلى مشكلة صغيرة يمكن العبور عليها بقفزة سريعة . إنه منهك ومتعب على الدوام ، أعاد الجملة من جديد على جهاز التسجيل الديجتال ، ولكن هذه المرة بتنغيم يشبه تنغيم قراء المقاتل الحسينية . ويحتاج الى صور خاصة بالمجلة . أنهى عمله هناك رغم عدم قناعته به وخرج وهو يشعر بانهاك متزايد . تناول طعام الغداء ثم أمام المغسلة غسل يديه وفمه من آثار الطعام وأخرج الماكنة البلاستيكية وحلق لحيته سريعاً وسط نظرات فضولية من عمال المطعم وبعض الزبائن . ثم جاءه عامل الخدمة العجوز ليخبره بأن رئيس التحرير يطلبه ادخل عليه ووجده جالساً لوحده يقلب بالمنظم قنوات التلفزيون الكبير في الحائط المقابل لمكتب السعيدي الوثير ،