كانَ النَّاسُ كُلُّهم في فنلندا يعرفونَ شُهْرةَ جَبل (بولوفا)، ولَكِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ قَدْ رَآهُ فِي يَومِ مِنَ الأَيَّامِ، إِذْ إِنَّ أُولئِكَ الّذينَ حاوَلُوا الاقترابَ مِنْهُ عادوا مِنْ رِحلَتِهِمْ عُميانًا، دونَ أَنْ يتمكنوا من اجتياز الستارِ السَّميكِ لِلضّباب الذي يُحيطُ بِهذا الجبل في الفُصولِ كُلّها. كَانَ يَعملُ شَعْبٌ كامِلٌ مِنَ الأَقزام في استخراج الخام الصلصالي، وَتَصنيع أنقى مَعدَنٍ عَرفوهُ فِي يَومٍ مِنَ الْأَيَّامِ. غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يعيشُ في قريةٍ صغيرةٍ حَدّادٌ شَابٌ اسمه ( فيلاند )، وَكانَ يُعْتَبَرُ أَحدَ أَفْضَلِ الصُّنَاعِ في البلادِ، وَلكِنَّهُ كانَ يَحلمُ بأَنْ يَعْمَلَ دَائِمًا بِمَعادِنَ عالية الجودَةِ، وَمَثلُ النَّاسِ كُلِّهم كان يسمعُ ما يُقالُ عَنْ أقزام جَبل ) بولوفا)، وَلَكِنَّ الالتقاء بالعديدِ مِنَ العُميانِ الَّذِينَ كانوا يَرَوْنَ أَشياءَ مُخيفةٌ دَفَعَهُ إِلَى التَّعَقُلِ. وَصادَفَ أَنْ حَدثَ جَفَافٌ كَبِيرٌ جعلَ التّربةَ صُلبةٌ إلى حَدٌ أَنَّ كُلِّ سَكاكينِ المَحارِيثِ وَنِصالِها أَخَذَتْ تَنكَسِرُ مِثْلَ الزُّجاج ، وَطَلبَ عَاهِلُ المنطقَةِ مَجِيءَ ( فيلاند )، وَقالَ لَهُ: أَنْتَ أَفضَلُ حَدّادٍ، وَعَليكَ بالتأكيدِ أَنْ تَجِدَ حَلَّا، وَإِذا لَمْ تَجِدْ شَيئًا فَإِنَّ البِلادَ كُلَّها سوفَ تَشْهَدُ أَجابَ الشّابُ: اكتشافُ سِرِّ أَقزامِ جَبلِ ( بولوفا). وَلكِنَّني لَنْ أُخاطِرَ بِجُنودي في مواجَهةِ هذا الشَّبابِ الَّذي يُعمي الأَبصارَ . وَحتَّى إذا نَجَحْنا في عُبور هذا الخَط الدفاعِيِّ الطَّبيعيِّ الرَّهِيبِ فَإِنَّنَا لَنْ نَذَهَبَ بَعِيدًا؛ إِذْ إِنَّ سيوفَنا سوفَ تَنكَسِرُ على دروع جُنودِهِمُ الذين يَحْمِلُونَ أَسْلِحةً مُرعِبَةٌ، وَإِذَا نَححْتُ في هذا فَإنَّني أُريدُ أَنْ أَحصل على تأكيد مِنكَ بأَنَّكَ لَنْ تُرغِمَني على صُنْع أسلحة بالمعدنِ الجَديدِ، أُريدُ حَقًّا أَنْ أُخَاطِرَ يَبَصري مِنْ أَهْلِ سَعادَةِ البَشَرِ، العاهِلُ الذي كانَ رَجُلَ سَلَام وَعَدَ ) فيلاند ) بأَنَّهُ لَنْ يَطلُبَ إِلَيْهِ أَبَدًا أَنْ يفعل ما يُناقِضُ ما يُمليهِ عليهِ ضَمِيرُهُ. لا أستطيعُ أَنْ أَقُولَ لَكَ شَيْئًا، وَإِلَّا فَلَنْ تَكُونَ لِي أَيَّةٌ فُرصَةٍ لِلنّجاح». بِمَ تُفَسِّرُ قبولُ الْمَلِكِ شَرْطَ الحَدادِ؟ عاد ( فيلاند ) إلى وَرشَةِ حِدادَتِهِ، وقالَ لأبيهِ الّذي عَلَّمَهُ الصَّنْعَةَ قَبْلَ أَنْ يَترُكَ لَهُ مَكَانَهُ: عِندَما شرحَ لَهُ ابنُهُ مَشروعَهُ قَبِلَ، بينَما أَخذَ أَبوهُ مِنَ الفَجْرِ إِلى الشَّفَقِ يَضربُ على السندانِ بالمدق وبالمطرقة. - رحل ( فيلاند) حاملًا كيسًا كبيرًا، وببساطة كانَ النَّاسُ يَسأَلونَ أَحيانًا عَنْ أَخبار ( فيلاند )، فَقَدْ ذَهَبَ يَبحثُ عَنْ شَيْءٍ يَصْنَعُ لَكُمْ بِهِ مَحارِيثَ تَكْسِرُ وواصل العجوز الطَّرْقَ على السندانِ. قال ( فيلاند ) دونَ أَنْ يَضطرِبَ. وكانَ بَيْنَهُمُ العَاهِلُ وَحَاشِيَتُهُ وَوزراؤُهُ. جَرَتِ الحَيواناتُ الأَربعَةُ بِكُلِّ قُوَّةٍ إِلى حَدٌ أَنَّ النَّاسَ سَمِعوا الخَشَبَ يُطَقْطِقُ، ثُمَّ عِندَما عادَ الصَّمْتُ طَلبوا إليهِ أَنْ يَحكيَ لَهُمْ كيف استطاعَ أَنْ يَصِلَ إلى قَلْبِ الجَبلِ دونَ أَنْ يُصاب بالعمى. قالَ بِتَواضُع: طوالَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، وَهُناكَ فَعَلْتُ الشَّيْءَ نَفْسَهُ لكي أَجْتازَ الضَّبَابَ مُستَمِعًا إِلَى وراقَبْتُ الأَقزامَ وَهُمْ يَعملونَ. وَأَنا أَعرفُ الآنَ كيفَ يقومون بتصنيع هذا المَعدَنِ الصُّلب إلى هذا الحَدِّ، وَلِكي أَجْتازَ الضَّبابَ مِنْ جَديد في طَريقِ العَودَةِ، سِرْتُ مَعصوب العينينِ، وأَصغَيْتُ مِنْ جَدِيدٍ إلى مِطْرقَةِ أَبي». وأولئكَ الَّذِينَ كانوا يَتوقَّعونَ مُعَامَرةً يُشاهِدونَ فيها الحَدّادَ وهو يتقاتَلُ مَعَ الأَقزامِ حَابَ ظَنُّهُمْ، وَلَكِنَّ أولئك الأكثرَ ذَكاءً قَدروا ما كانَ يَنبغي أَنْ يفعلهُ ) فيلاند ( الّذي نَجحَ في إنقاذ البِلادِ مِنَ المَجَاعَةِ. أما المَلِكُ فَقَدْ وَفي بوعدِهِ، وَلَمْ يَطلُبْ مُطلقًا إلى الحَدّادِ أَنْ يضع اكتشافَهُ فِي خِدمَةِ الشَّرِّ، وَلَكِنْ واأَسفاه! فَقَدْ جَاءَ بَعدَهُما مُلوكُ آخرونَ، وَحَدّادونَ آخرونَ أَقلُّ حِكمةٌ بكثيرِ، نَفْسِهِ في وَرشَةِ الحِدادَةِ مَعَ أبيه العجوز والمدقاتِ تُدَوّي مِثْلَ أَجراس مُمتازَةٍ تُصَلْصِلُ. رَأوا البابَ يُفْتَحُ ، وَدفعَ ( فيلاند ( أمامَهُمْ مِحراثًا مِنْ حَدِيدٍ جَدِيدٍ أمر قائلا: «أربطوا بِهِ أَربعة خيول قويَّةٍ».