المبحث الثاني صور التحكيم يتخذ التحكيم عدداً من الأنواع أو بالأحرى الصور التي تتحدد تبعاً لمن يتولى الإشراف على تنظيمه ينقسم إلى (تحكيم حر ، وتحكيم مؤسسي ) ومن حيث إلزامية الإلتجاء إليه من عدمها ينقسم إلى ( تحكيم إلزامي ، وتحكيم اختياري) ومن حيث نطاقه أو مكان صدوره ينقسم إلى ( تحكيم داخلي أو محلي ، وتحكيم دولي) أما من حيث سلطات هيئة التحكيم فينقسم إلى ( تحكيم مقيد ، وتحكيم مطلق) بحيث إذا ما كانت هيئة التحكيم مقيدة بالقضاء بين الطرفين فحسب ، فهو تحكيم مقيد . أما إن كانت الهيئة تملك الحق في التحكيم بالصلح فهو تحكيم مطلق. وفيما يلي نلقي بقدر من الضوء على كل من هذه الصور : أولاً : صور التحكيم من حيث التنظيم ينقسم التحكيم من حيث تنظيمه إلى تحكيم حر وتحكيم مؤسسي: كانت بدايات التحكيم تتم بأسلوب التحكيم الحر أو الخاص أو الطليق قبل نشوء ما يعرف بالتحكيم المؤسسي الذي يتم عبر مؤسسات ومراكز تحكيم متخصصة . ويكون التحكيم حراً عندما يلجأ أطراف النزاع إلى اختيار المحكم أو المحكمين بصورة مباشرة دون اللجوء أو الاستعانة بخدمات أي من مراكز التحكيم المعتمدة داخل أو خارج الدولة ، Ad hoc ) ، وفي هذا النوع من التحكيم يقوم أطراف النزاع بتحديد الإجراءات والقواعد التي تطبق على عملية التحكيم فيعملون على تحديد مواعيد الجلسات كما يقومون بتعيين المحكمين وعزلهم أو ردهم، ويقومون أيضاً بتحديد الجانب الشكلي للتحكيم أي الإجراءات واجبة الاتباع للفصل في القضية خارج نطاق وإطار أي مركز أو مؤسسة أو منظمة تحكيمية. إلا أن الدول هي أكثر من يلجأ إلى التحكيم الحر تبعاً لاعتبارات السلطة والسيادة التي تحول دون قبول الدول الإخضاع سيادتها لرقابة مراكز التحكيم والإجراءات المتبعة فيها ، فضلاً عن أن هذه المراكز تعمل تحت مظلة دولة أخرى، فتحرص الدول عادة على جعله تحكيماً حراً " لتتمكن من تطويع إجراءاته بما يتناسب واعتبارات السلطة والسيادة (١). على أن المؤسسات والهيئات الاقتصادية ذات الاستقلال المالي والإداري التابعة للدولة فإن خضوعها لرقابة مراكز التحكيم وإجراءاتها أمر لا ينطوي على مساس بسيادة الدولة لاختلاف طبيعة هذه المؤسسات والهيئات عن طبيعة ذات Institutional Arbitration) ٢-تحكيم مؤسسي نظراً لارتباط التحكيم بعلاقات التجارة الدولية، ونظراً لما قد يترتب على التحكيم الحر من تباطؤ أو تأخير أو عدم التزام بالإجراءات، وذلك بما تمتلكه من إمكانات فنية وعلمية ومادية وصولاً إلى تحديد كل التفاصيل المتوقعة التي تكون غالباً محلاً للخلاف، كأتعاب التحكيم والقانون واجب التطبيق وإجراءاته المتخذة ، وانتهاء بالمحكمين أنفسهم وتشكيل هيئةالتحكيم وفق نماذج خاصة. وبهذا يكون التحكيم " مؤسسياً " عندما يلجأ طرفا النزاع إلى أحد مراكز التحكيم المعتمدة داخل الدولة أو خارجها، مصاريف إدارية)، وبينما تنفرد القاهرة ودبي بكونهما مقراً لأبرز مراكز التحكيم فإن باريس ولندن وسنغافورة تضم أبرز المؤسسات التحكيمية في العالم على النحو الذي سنرى ثانياً - صور التحكيم من حيث إرادات الأطراف: 1 - التحكيم الاختياري : هو ذلك الذي يتم بناءً على اتفاق طرفا النزاع وبموجب إرادتيهما الحرة فلهما أن يلجئا إلى إنهاء الخصومة أو حسم النزاع القائم بينهما عن طريق عرض النزاع المحتمل (شرط تحكيم أو القائم بينهما مشارطة تحكيم على هيئة تحكيم للفصل فيه بعيداً عن قضاء الدولة وفقاً النظام أو وفقاً لقواعد العدالة، مع حريتهما في اختيار المحكمين والإجراءات والقواعد التي يتم إعمالها على التحكيم. ولا يقدح في وصف هذه الصورة من صور التحكيم بأنها تحكيم اختياري وجود قانون خاص بالتحكيم داخل الدولة يتولى وضع الضوابط والمعايير والإجراءات والأحكام الخاصة به إذ يظل أطراف الخصومة يتمتعان بحرية اللجوء إليه بدلاً من اللجوء إلى جهة التقاضي المختصة في الدولة. ٢ - التحكيم الإجباري (الإلزامي) : يقصد به ذلك النزاع الذي يلتزم فيه أطرافه باللجوء إلى التحكيم والخضوع لأحكامه. ويكون التحكيم الزامياً عليهما إذا ما سبق وأن قررا ضمن شروط العقد المبرم بينهما بأن يكون التحكيم هو وسيلة حسم المنازعات التي قد تنشأ فيما بينهما وعندها لا يمكن لأي منهما التنصل من هذا الشرط وطلب اللجوء إلى القضاء العادي ما لم يوافق الطرف الآخر على ذلك كما يكون التحكيم إلزامياً عندما يفرض على أطراف النزاع اللجوء إليه لحل المنازعة مثل أن يتضمن أي قانون من قوانين الدولة وجوب اللجوء إليه في بعض المنازعات المحددة التي رأى المنظم عدم ملائمة طرحها على القضاء الرسمي لاعتبارات معينة. الامتياز الإداري وعقود النقل البحري وعقود الفيديك الهندسية. ينقسم التحكيم من حيث أطراف النزاع فيه إلى تحكيم وطني (داخلي) وتحكيم دولي، 1 - التحكيم الوطني (داخلي) : يعتبر التحكيم وطنياً إذا ما تم داخل دولة أطراف النزاع وكان يتعلق بنزاع وكانت جميع أطرافه من نفس الجنسية وارتبط بعلاقة وطنية مثل: ارتباط النزاع بعقد تم إبرامه أو يتم تنفيذه في نفس الدولة ، فالمحكمون والأطراف كلهم من مواطني البلد الذي يجري فيه التحكيم، والقانون المطبق هو قانون البلد الذي يجري فيه التحكيم ويجلس المحكمون وأطراف النزاع ومحاموهم حول طاولات في قاعة اجتماعات ليس فيها شكليات المحاكم القضائية، - التحكيم الدولي (الأجنبي) : يقصد بالتحكيم الدولي في هذا السياق أحكام التحكيم التي تصدر في دولة خلاف الدولة التي يطلب منها وضع هذا الحكم موضع التنفيذ من خلال القنوات ويعتبر التحكيم دولياً متى كان في مجال علاقات التجارة الدولية والمصالح الخارجية لأي من أطراف النزاع ؛ أي إذا ما كان واقعاً أو منصباً على نزاع بين أشخاص ينتمون لأكثر من دولة أو يرتبط بمسائل أو مصالح التجارة الدولية ذات الصلة بحركة انتقال البضائع أو الخدمات عبر حدود أكثر من دولة بحيث تكشف إراداتهم المشتركة عن أن التحكيم ناشئ عن علاقة تجارية دولية أو مصالح خارج الدول التي ينتمون إليها مثل جنسية الخصوم، أو المكان الذي يجري فيه التحكيم، وقد قرر نظام التحكيم السعودي سريان أحكامه على أي تحكيم تجاري دولي يجري خارج المملكة، واتفق طرفاه على إخضاعه لأحكام نظام التحكيم السعودي. كما تبنى عدداً من المعايير التي يعتبر بموجبها التحكيم دولياً في نظر هذا النظام (1)، وذلك عند تعلق موضوع النزاع بالتجارة الدولية في عدد من الحالات تم حصرها فيما يلي : 1 - إذا كان المركز الرئيس لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع في أكثر من دولة وقت إبرام اتفاق التحكيم ، وإذا لم يكن لأحد طرفي التحكيم أو كليهما مركز أعمال محدد فالعبرة بمحل إقامته المعتاد - إذا كان المركز الرئيس لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع في الدولة نفسها وقت إبرام اتفاق التحكيم ، أو أشار إلى كيفية تعيينه. ب مكان تنفيذ جانب جوهري من الالتزامات الناشئة من العلاقة التجارية بين الطرفين. - إذا اتفق طرفا التحكيم على اللجوء إلى منظمة ، أو هيئة تحكيم دائمة ، أو مركز للتحكيم يوجد مقره خارج المملكة. ٤ - إذا كان موضوع النزاع الذي يشمله اتفاق التحكيم يرتبط بأكثر من دولة . وهنا يثور التساؤل عن المعايير التي يمكن الأخذ بها أو تبنيها لرعاية التحكيم الدولي مع تنوع الأنظمة القانونية في العالم وتعدد المعاهدات والاتفاقيات الدولية الخاصة برعاية التحكيم الدولي، وبإمعان النظر في المعايير التي ورد النص عليها في نظام التحكيم السعودي ومما هو قائم على أرض الواقع، وهناك أيضاً قانون يتم إعماله على إجراءات التحكيم بحكم سريانه، أو أن يتفق الطرفان على إعمال إجراءات أحد مراكز التحكيم المعتمدة، أو أن يتفق الطرفان على إعمال المبادئ العامة للقانون. يلي ذلك قانوناً آخر هو ذلك الذي سوف يطبق على تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية أو الدولية في الدولة التي سيتم فيها طلب تنفيذ الحكم التحكيمي، وإنما يتم تطبيق ما يعرف بقانون التجار الذي هو عبارة عن مزيج من المبادئ العامة للقانون وأعراف التجارة الدولية. وبصفة عامة يمكن القول أن قوانين التحكيم في معظم دول العالم تتبنى وصف التحكيم بأنه دولي إذا ما كانت المنازعات المتعلقة بالمصالح الاقتصادية ترتبط بدولتين على الأقل بحيث تكون اتفاقية التحكيم صحيحة من حيث الموضوع إذا كانت مستوفية للشروط التي يضعها القانون الذي اتفق أطراف النزاع على اختياره، أو القانون المنظم لموضوع النزاع، أو ذلك الذي تراه هيئة التحكيم ملائماً على اعتبار أنه – من المستقر عليه عملاً - أنه يمكن لهيئة التحكيم أن تخرج عن إرادة الأطراف في تحديد القانون واجب التطبيق على النزاع في حال وجدت أن القانون الذي اختاراه لا علاقة له بالعقد الذي نشأ عنه النزاع. المعايير العملية لتحديد طبيعة التحكيم (داخلي أم دولي ) : وبالبحث عن المعايير أو المقاييس أو المؤشرات التي يمكن البناء عليها لرسم الحدود ما بين التحكيم الداخلي وبين التحكيم الدولي لمعرفة ما إذا كان التحكيم المجرى هل هو داخلي أم دولي حتى يمكن وضعه موضع التنفيذ بوصفه حكماً وطنياً فيتم تنفيذه مباشرة ما لم يصدر حكماً ببطلانه) ،