كنت خدام (أجاب البهجة في هدوء) مزيان (يسخر الأب من ابنه،البهجة: علاش حلايقي ماشي خدمة. إلا انت داير فيها قايد وتتحكم، أنا بغيت نولي حلايقي ونحيد الهم.الأب: اسمعني مزيااان نقول ليك، ما كاين لا حلايقي ولا نقاشة، غترجع عند عبد الهادي للحانوت قابل السلعة.البهجة: راه ما غنخدمش عند واحد اللي غادي يحرث علي النهار كامل.الأب: وانا ما غيدخلش لداري حلايقي.لم يكترث البهجة لتهديدات والده، حتى غادر البهجة البيت وقصد جامع الفنا، حيث التحق بحلقة باقشيش من جديد. ثم صادف أن سافر الأب لأداء مناسك الحج، حيث ظهر اسمه في "قرعة الحج"، فما كان للأب إلا أن حزم حقائبه، وهو يلتمس خيرا وبركة في هذه الشريعة الدينية.وجد البهجة عزاءه في ساحة جامع الفنا، فضاء مفتوحا ضاجا بالحياة. فضاء عوضه عن الأيام التي حُرم فيها من اللقاء بالآخرين والتواصل معهم. بينهما هو الآن في ساحة جامع الفنا، حيث يلتقي بالأطفال والنساء والشباب، قادمين من أطراف المدينة وأعماقها، وأولئك الذين يترددون على المعلمة التاريخية، قادمين من مختلف الثقافات ناطقين بشتى اللغات. كما وجد في الحلقة فرصة لكي يطلق العنان لخياله، وهو ينصت للحكايات الشعبية والأزليات. هكذا عاش البهجة في ساحة جامع الفنا أسابيع من السعادة والفرح في ساحة مأهولة بالبهجة.كان البهجة يوفر مدخولا بسيطا من عمله في الحلقة، أشهر الحلايقية في الساحة. والمأكولات التي تحبها أخواته وأمه. لتعم البهجة البيت أيضا. ليختلي بنفسه وهواجسه على جري عادته. ويروح يرتدي الملابس التي تليق بجسده، وفي المرآة تتعرف إلى ملامح أنوثتها وتتحسس فواكهها. بينما وجب عليها أن تشد صدرها بقطعة ثوب حتى لا يكاد يظهر للعيان. مثلما فرض عليه (عليها) الأب أن تحلق شعرها مثل أي شاب.بعد الاشتغال مدة طويلة مع باقشيش، في العشاء تحلقت الأم وبناتها حول الحاج، فأخبرته الزوجة أنه كعادته دخل باكرا وأقفل عليه في غرفته. فسألها عن عمله في الدكان مع عبد الهادي، تلعثمت الأم وتعثرت الكلمات في شفتيها المرتعشتين، فأيقن الحاج أن ابنه عاد إلى العمل مع الحلايقي في ساحة جامع الفنا. وشرارة الغضب تلمع في عينيه. احنا فارحنين بيك وبالحج. واالبهجة!!! خرج لنهرس عليك الباب.البهجة: آش بيتي؟ (يفتح الباب). وانا دويت معاك طلق مني.وجه الحاج صفعة للبهجة حتى أرداه مغمى عليه. يا الشماتة، وهي مسكينة ما عندها صحة.