كانت الأمم التي تغلب عليها العرب في الشام والعراق ومص وفارس قد قطعت شوطا مضمار الحضارة، والتقدم العلمي، مذهبيا، والبعض الآخر مدنيا علمانيا، واعتمد بعضها البحث والاستدلال ، ونشروا فيها دينهم ولغتهم. لكن نشاطهم الفكري بقي موجها طيلة القرن الأول للهجرة، فكان من الطبيعي أن يتفرغوا أولا لنشر الرسالة، وتعميم القراءة، ورواية الحديث وتدوين قواعد اللغة وكتابة السّير وتطبيق الأحكام الشرعيّة، وأن يغضّوا عن العلوم العقلية التي كانت هذه البلدان تزخر بها. وكان قد تسرب إليهم من شؤونها الشيء الكثير عن طريق الاحتكاك بالموالى وعندما استتب الأمر لبنى العباس وقبضوا على أزمة الحكم بيد من حديد، انصرفوا إلى سائر شؤون العمران فنظموها،