يستند قانون التجارة في تحديده لصفه التاجر على فكرة العمل التجاري ويستشف ذلك بوضوح من منطوق الفقرة الأولى من المادة السابعة التي تقرر صراحة أن من يمارس الأعمال التجارية بصيغة الاحتراف فإنه يكتسب صفة التاجر . وتبعاً لذلك فقد أورد المشرع من خلال الفقرات العديدة للمواد التي تختص بالأعمال التجارية سرداً للأعمال التي يترتب على احترافها اكتساب الشخص لصفة التاجر (1). بيد أن احتراف الأعمال التجارية لوحده لا يكفي في واقع الأمر لاعتبار الشخص تاجراً . وأن تتوافر فيه كذلك الأهلية القانونية اللازمة لاحتراف التجارة . ولابد من التنويه هنا وطبقاً لما ورد في نص الفقرة الثانية من المادة السابعة من قانون التجارة الى صلاحية الجهة المختصة بالإشراف على النشاط التجاري بتحديد نوع ونطاق العمل التجاري الذي يمكن أن يمارسه التاجر بما يكفل تنفيذ خطة التنمية فلا يمكن أن تعد هذه الصلاحية الممنوحة قانوناً بتحديد نوع ونطاق العمل التجاري بمثابة شرط لاكتساب الصفة التجارية بل هي قيد جوازي على حرية الأشخاص المطلقة في ممارسة النشاط التجاري في العراق فلا تنتفي الصفة المذكورة في حالة انتفاء هذا القيد عليه فإن صفة التاجر لا تثبت للشخص إلا إذا توفرت فيه الشروط التالية : 1. أن يحترف العمل التجاري . 2. أن يباشر العمل التجاري باسمه ولحسابه الخاص . 3. أن يكون متمتعاً بالأهلية القانونية اللازمة لاحتراف الأعمال التجارية . يعني الاحتراف توجيه النشاط بصفة معتادة ودائمة للقيام بعمل معين لتحقيق غرض معين . وقد حاولت بعض الاجتهادات الفقهية وضع معيار فقهي للحرفة يرتبط بالطبيعة الاقتصادية للعمل التجاري . ومن هذا المنطلق حددت القطاعات الاقتصادية التي يمكن أن تمارس من خلالها الحرفة التجارية (5) ، وأياً كان الأمر فليس هناك ما يمنع من أن يزاول الشخص أكثر من حرفة مدنية وتجارية في آن واحد . فإن ممارسة كل من العملين بصورة حرفة لا يحول دون اكتساب المزارع المذكور لصفة التاجر . ويؤخذ بالحل المتقدم ولو كانت الحرفة التجارية تقترن بمهنة أخرى محظور على أصحابها – بمقتضى قوانين خاصة – ممارسة النشاط التجاري . إذ يكتسب هؤلاء صفة التاجر متى ما احترفوا النشاط التجاري فلا يحول دون اكتسابهم لهذه الصفة المنع الوارد في القوانين الخاصة التي يخضعون لها . أما الاعتياد فهو تكرار عمل أو مجموعة من الأعمال التجارية (7) . الى انتفاء الاحتراف وبالتالي الى انتفاء صفة التاجر . فالشركة التجارية تعتبر تاجراً بمجرد تكوينها وقيام شخصيتها المعنوية اي قبل ممارستها لأي عمل تجاري طالما أن هدفها هو القيام بالأعمال التجارية احترافاً ولا يتطلب الاعتياد قيام شخص بتكرار اعمال تجارية من نوع واحد او ان يكون للشخص محل تجاري . بل إنه يعتبر قائماً حتى بالنسبة للشخص المتجول الذي يمارس النشاط التجاري متنقلاً من بلد لآخر ما دام أنه يمارس ذلك النشاط على وجه الاحتراف . فقد يعتاد شخص تعاطي بعض الاعمال التجارية دون ان يقصد من ذلك احتراف التجارة . والأمثلة على ذلك كثيرة فالشخص الذي اعتاد الاكتتاب في أسهم شركات تجارية لا يعتبر من أجل ذلك تاجراً رغم قيامه بأعمال تجارية . وكذلك الامر لو قام المزارع من وقت لآخر بشراء محاصيل الغير لغرض بيعها وتحقيق ربح من وراء ذلك (9) على أن ما ورد في أعلاه لا ينفي الصفة التجارية عن العمل ، إذ تتوفر الصفة التجارية في العمل دون توفرها في الشخص لانتفاء شرط الاحتراف . الممارسة الفعلية للنشاط التجاري لكي يكتسب الشخص صفة التاجر ؟ تواجه الحالة الأولى عندما يقوم شخص باحتراف الأعمال التجارية ولكن لحساب غيره ، كأن يكون صاحب المشروع التجاري الحقيقي غير قادر على ممارسة التجارة أو ممنوعاً عليه احترافها بمقتضى بعض القوانين والأنظمة الخاصة بمهن معينة فيستعير اسم غيره أو يستتر وراء شخص آخر للقيام بالأعمال التجارية . لا نزاع أولاً في اكتساب المستتر لصفة التاجر رغم عدم قيامه بالأعمال التجارية بنفسه . وتعليل هذا الحكم يكمن في أن الساتر لا يمارس النشاط التجاري إلا لحساب المستتر الذي يتحمل فعلاً مخاطر المشروع وتنصرف إليه جميع آثار التصرفات التي يجريها الأول فيتحقق من خلال ذلك شروط اكتسابه لصفة التاجر بالرغم من تستره . دون الإعلان عن صفته الأصلية كل ذلك يجب أن يؤدي الى إلزامه بصفة التاجر وتحميله جميع النتائج التي رتبها القانون على محترفي التجارة . إذ لا يجوز أن يتخلص من أحكام القانون من استعمل الغش في علاقته مع الغير خصوصاً وأن التجارة إنما بنيت على الائتمان الشخصي (12) وقد ذهب الشرع العراقي في قانون التجارة الملغى هذا المذهب (13) ولم يتعرض قانون التجارة الحالي لهذه الحالة إلا أننا نرى بأن الحكم واحد ولا خلاف فيه . بيد أنه يجب التمييز بين حالة الاستتار وبين حالة الانتحال لصفة التاجر . فحالة الانتحال تحصل عندما يدعي شخص عن طريق وسائل النشر والإعلام أو بوصف نفسه مباشرة بصفة التاجر عند إبرامه العقود أو قيامه بإجراء المعاملات . ويطلق على المنتحل صفة التاجر الظاهر . وحكم الانتحال هو اعتبار المنتحل في حكم التاجر الى أن يثبت عكس ذلك إذ لا يكفي إقرار الشخص بصفته التجارية لاعتباره تاجراً ؛ لأن هذه الصفة مستمدة من القانون ، وبإمكان المنتحل نفسه أن يقوض تلك القرينة بمجرد تبيان أن الأمر لا يعدو في الواقع عن كونه تظاهراً وإن من يتظاهر بكونه تاجراً لم يزاول النشاط التجاري فعلاً (15). ومع ذلك تذهب بعض الاجتهادات الفقهية الى ضرورة اعتبار المنتحل تاجراً . بمظهر التاجر وتعامله مع الغير على هذا الأساس يجب أن يؤدي الى اكتسابه صفة التاجر بما تستتبعه هذه الصفة من آثار تطبيقاً لنظرية الظاهر وحماية لثقة الغير المشروعة ” (16). إذ أن المنتحل نادراً ما يتعامل مع الغير على أساس الصفة التجارية والحصول على ائتمان معين . لهذا نرى بأن من الملائم أن يكون حكم الانتحال هو اعتباره – الانتحال – قرينة على اكتساب الصفة التجارية الى أن يثبت عكس ذلك أي قرينة قابلة لإثبات العكس بكافة طرق الإثبات . مما تقدم يتضح إذن أن الاحتراف الفعلي للأعمال التجارية هو شرط أساسي لاعتبار الشخص تاجراً . وإذا كان قانون التجارة يشترط احتراف النشاط التجاري لكي يكتسب الشخص صفة التاجر فإنه – القانون – لا يترتب من جهة أخرى في بعض الحالات استثناء وبالرغم من توافر شرط الاحتراف فعلاً ، الدولة شخص معنوي يقوم هيكله على مؤسسات مختلفة تهدف بمجموعها تحقيق أغراض معينة. وتمارس الدولة في الواقع المعاصر النشاط التجاري بصيغ مختلفة تبعاً للمفهوم الفلسفي والسياسي الذي تستند عليه فقد تهيمن الدولة على النشاط التجاري هيمنة تامة بحيث ينعدم كلياً دور المشروع الخاص في الحياة التجارية (19). وقد يقتصر دور الدولة على الرقابة دون الممارسة الفعلية للتجارة . وأياً كان دور الدولة في النشاط التجاري فإن الفقه مجمع على عدم اعتبارها تاجراً ولا يختلف حكم القانون عن هذا الاتجاه اللهم إلا في بعض الجزئيات(21). العلة في عدم ثبوت صفة التاجر للدولة أو لمؤسساتها العامة يكمن في أن اكتساب هذه الصفة يتعارض عملياً مع مفهوم الوظيفة التي تقوم بها . فعندما تمارس الدولة أو أحدى مؤسساتها المعنوية العامة النشاط التجاري فإنها تستهدف أساساً من وراء ذلك تقديم خدمة أفضل وتأمين الحاجات العامة بعيداً عن مفهوم الربحية الذي يميز المشروع الخاص (22). وتشير المادة العاشرة من قانون التجارة الى ذلك صراحة بقولها : “تسري على مؤسسات القطاع الاشتراكي الأحكام المتعلقة بالتاجر المنصوص عليها في القانون بالقدر الذي لا يتعارض مع طبيعة الخدمات التي تؤديها” . مما يضفي بالتالي نوعاً من الغموض في تحديد أبعاد نطاق ممارسة الدولة للنشاط التجاري، وإذا كانت الدولة لا تكتسب صفة التاجر استثناءاً للأسباب التي ذكرت آنفاً، فإن ذلك لا يعني أن الأعمال التجارية التي تزاولها لا تخضع لأحكام قانون التجارة. فأعمال المؤسسات المصرفية وأعمال التأمين و الصناعة والنقل وغير ذلك من الأعمال الأخرى التي نص عليها قانون التجارة تبقى محتفظة بطابعها التجاري حتى لو مارستها الدولة، وتخضع بالتالي للنظام القانوني للعمل التجاري. ويجب أن يلاحظ من جهة أخرى أن شركات القطاع الاشتراكي تكتسب الصفة التجارية وتعتبر تاجراً بالرغم من تبعية هذه الشركات للدولة، والواقع أن هذه الشركات تزاول نشاطها التجاري وفق المعطيات والمستلزمات التجارية المعتادة والمعتمدة من قبل المنشآت التجارية الأخرى فمن المنطقي إذن اكتسابها صفة التاجر وخضوعها لجميع الواجبات التي تترتب على اكتساب هذه الصفة. على أن ذلك لا يعني أن تخضع شركات القطاع الاشتراكي لجميع أنظمة القانون التجاري . علماً بأن الدولة هي الضامنة لهذا النمط من الشركات وإفلاس هذه الأخيرة يعني إفلاس الدولة وهذا لا يمكن أن ينص عليه المشرع. يفرق قانون التجارة بين من يمارس النشاط التجاري على شكل مشروع تجاري مهم من حيث التنظيم المهني وبين من يمارس ذلك النشاط من خلال مهارته الشخصية وبيعه لنتاج مهارته(26). وقد استثنى قانون التجارة صراحة هذه الفئة من الخضوع لأحكامه وبالتالي من اكتساب صفة التاجر . إذ تنص الفقرة الأولى من المادة الحادية عشرة على أنه : ” لا يعتبر تاجراً من يمارس حرفة صغيرة ” . إن عدم إضفاء المشرع على الحرفي صفة التاجر واستثناءه من أحكام قانون التجارة له في الواقع ما يبرره ، فمن يستعرض الأعمال التي يقوم بها الحرفيون يتبين له أن هؤلاء إنما يبيعون إنتاجهم الشخصي ولا يستعينون عموماً في تعاطيهم لأعمالهم إلا بعدد محدود من العمال وبآلات ميكانيكية بسيطة . ولذا فإن عنصر المضاربة على العمل أو الآلة يكاد يكون معدوماً بالنسبة لأعمالهم . عليه استثنى الحرفي من اكتساب صفة التاجر حماية له من الالتزامات التي يرتبها القانون على من يكتسب تلك الصفة ، التزامات غالباً ما تكون مرهقة وثقيلة عليه وكذلك لحماية التاجر الصغير من ” ضراوة ” بعض نظم القانون التجاري . وانطلاقاً من كل ذلك وخشية ان يختلط الحرفي بغيره فقد وضع المشرع . من خلال نص الفقرة الثانية من المادة الحادية عشرة من قانون التجارة معياراً يميز بمقتضاه ذو الحرفة عن غيره إذ تنص تلك الفقرة على أنه : ” تعتبر حرفة صغيرة كل حرفة ذات كلفة زهيدة يمارسها الشخص مقتصراً في ذلك على نشاطه البدني أو على استخدام آلات ذات قوة محركة صغيرة ” . ويستخلص من المفهوم المخالف لهذه القاعدة أن الحرفي قد يتحول الى تاجر متى ما وسع بشكل ملموس في حرفته من حيث استعماله لآلات وأجهزة مهمة أو استخدامه لرأسمال مؤثر أو لعدد كبير من الأيدي العاملة . وعليه له أخذ صاحب ورشة بسيطة للنجارة بشراء كميات وافرة من المواد الأولية اللازمة لصناعته واستخدام عددا مهما من العمال فإنه يكتسب صفة التاجر ولا محل عندئذ لتطبيق الاستثناء الوارد في المادة الحادية عشرة من قانون التجارة . ثانياً : ممارسة النشاط التجاري باسم الشخص ولحسابه الخاص . لا يكفي احتراف الأعمال التجارية وحده لاعتبار الشخص تاجراً بل لابد أيضاً من وجوب تعاطي الشخص لهذه الأعمال باسمه ولحسابه الخاص وهذا الشرط بديهي في الواقع لأن التجارة إنما تقوم على الائتمان الشخصي فيجب إذن على من يتعاطى الأعمال التجارية أن يتحمل جميع الآثار والنتائج التي تترتب من جراء قيامه بهذه الأعمال وقد أقر الفقه عموماً هذا الشرط وجعله متمماً لشرط الاحتراف (28). وعليه لا يمكن أن يكتسب صفة التاجر ما يلي من الأشخاص رغم ممارستهم للعمل التجاري : أولاً : موظفو المحلات التجارية ومستخدموها لأنهم يعتبرون خاضعون لإرادة صاحب المشروع التجاري وغير مسؤولين بصفة شخصية عن الأعمال التي يقومون بها . ولا يمكن أن يكتسب هؤلاء صفة التاجر حتى لو اشتركوا في جزء من الأرباح أو تولوا إدارة المحل التجاري ذلك لأن طبيعة العلاقة تبقى رغم المشاركة علاقة تبعية يحكمها عقد العمل . إذ أنهم يمارسون العمل التجاري باسم الشركة ولحسابها الخاص بصفة وكلاء لها (29). وعليه فإن صفة التاجر تثبت للشركة دون المديرين . بيد أن صفة التاجر تثبت لمديري شركات التضامن انطلاقاً من أن ممارسة أعمال هذا النوع من الشركات يتم باسم جميع الشركات المتضامنين ولا تتحدد مسؤولية هؤلاء الشركاء بالحصص المقدمة للشركة بل تتعداها الى جميع أموالهم . ومن هنا فإن نشاط الشركة التجاري ليس إلا نشاط الشريك نفسه . ولذا تكتسب الشركة والشريك في آن واحد صفة التاجر . غير أن الأمر قد يدق في تحديد توفر شرط العمل باسم الشخص ولحسابه الخاص عند مزاولة بعض العمال التجارية التي تتميز بخصوصية معينة كالوكالة بالعمولة والتمثيل التجاري وأعمال الدلالة أو السمسرة (30) . فكل من الوكيل بالعمولة والممثل التجاري والسمسار يقوم في الواقع بإبرام الصفقات لحساب الغير لا لحسابه الخاص ومع ذلك فإن كلا من هؤلاء تثبت له صفة التاجر (31) . وتحليل ذلك يكمن في أن ممارسة هذه الأعمال يستلزم بالضرورة الاستقلال التام عن الغير . فهي أعمال محترفة لذاتها يمارسها الشخص لحسابه الخاص وعلى وجه الاستقلال وتنصرف إليه آثارها حقوقاً وديوناً (32). ثالثاً : الأهلية التجارية La Capacite لا يمكن للشخص الطبيعي كقاعدة عامة أن يلتزم قانوناً إلا إذا كان أهلا للتعاقد فصحة التصرف القانوني ترتبط بصلاحية الشخص في أحداث الأثر القانوني . وبما ان الأعمال التجارية نوع من التصرفات القانونية فأنه يجب لمن يباشر أن يتمتع بالأهلية اللازمة لها . وعلى هذا لا يكتسب الشخص صفة التاجر ما لم تتوافر فيه الأهلية اللازمة للقيام بالأعمال التجارية . وبما أن الأهلية ترتبط بالتمييز والإرادة وأن كلاً من التميز والإرادة تتأثر بالسن وبما يعترضها من عوارض – عوارض لأهلية – قد يؤدي أما الى نقصان في الأهلية أو تعدمها حتى بعد كمال التمييز فإنه من اللازم أن نتعرض بنقاط ثلاثة لكامل الأهلية ، لم يحدد قانون التجارة سناً معينة للأهلية التجارية . إذ تنص المادة الثامنة من القانون المذكور على أنه : ” يشترط في التاجر أن يكون متمتعاً بالأهلية … ” ومن الواضح أن حكم هذا النص إنما جاء طبقاً للمبادئ التي قررها قانون اصلاح النظام القانوني عند رقم 35 لسنة 1977 التي تقرر : ” توحيد الحكام المتعلقة بالأهلية في المسائل المدنية والتجارية وصوغها في القانون المدني ابتغاء التنسيق فيما بين المسائل المتشابهة ” . عليه والحالة هذه إذن الرجوع الى أحكام القانون المدني الخاصة بالأهلية وبمقتضى نص المادة 106 من القانون المدني أن : ” سن الرشد هي ثماني عشرة سنة كاملة ” . فلا يحق لأجنبي ممارسة النشاط التجاري إلا وفق القواعد الخاصة التي يقررها قانونه الشخصي La Loi nationale أي قانون الدولة التي ينتمي إليها بجنسيته (33) . بمعنى أن القانون الواجب التطبيق هنا هو قانون الموطن وليس قانون جنسية الأجنبي . ويبرر هذا الاستثناء كما يرى بعض الفقه بمعطيات متعددة أهمها أن ” فرض العلم لا يلازم القانون الأجنبي كما يلازم القانون الوطني ” وعليه ينزل ” الأول من مرتبة القواعد القانونية الى مرتبة الوقائع ” وأن من الضروري حماية مصلحة وحقوق المتعاقد والوطني وعدم الإخلال باستقرار التعامل (38) . على أنه يجب أن لا يستخلص مما تقدم بأن توفر شرط الأهلية لوحده في الأجنبي يمكنه من ممارسة النشاط التجاري في العراق إذ يجب فوق ذلك وبحكم القانون أن يحصل الأجنبي الذي يرغب المتاجرة في العراق على إذن وموافقة الجهة الإدارية المختصة في القطر ، وأن لا يتعارض نشاطه التجاري فوق ذلك مع متطلبات خطط التنمية . يكون كامل الأهلية وأهلاً للإتجار فإن القانون العراقي يعتبر من جهة أخرى واستثناء أن من أتم الخامسة عشرة من العمر وكان متزوجاً في هذه السن ، وعلى هذا فإن بإمكان المتزوج بهذه السن بإذن من القضاء أن يمارس جميع صور النشاط التجاري دون استثناء أو تمييز شأنه في ذلك شأن البالغ سن الرشد المقرر قانوناً . هذا ولا مجال للتميز في الحكم عندنا – في التشريع التجاري أو المدني – بين الرجل والمرأة بصدد الأهلية اللازمة لتعاطي التجارة . فيحق للعراقية متى ما أتمت الثامنة عشرة متزوجة كانت أم غير متزوجة احتراف النشاط التجاري واكتساب صفة التاجر . ولا يعتبر هذا الحكم في الواقع إلا تطبيقاً لقواعد الشريعة الإسلامية الغراء التي اعترفت للزوجين عند الزواج باستقلال مالي تام عن الآخر واحتفاظ كل منهما بملكيته لأمواله وإدارتها بحرية واستقلال كاملين . ملكية محل تجاري أو حصة في مشروع تجاري فهل يجوز الاستمرار في النشاط التجاري المترتب على استغلال الملكية للصغير ؟ تعرض قانون الشركات رقم 36 لسنة 1983 لهذه الحالة بصورة غير مباشرة . ولا يكون له نصيب فيما يستجد بعد وذلك من حقوق للشركة إلا بقدر ما تكون تلك الحقوق ناتجة عن عمليات سابقة على الوفاة وفي كل الأحوال يجب تعديل عقد الشركة بما يتفق ووضعها الجديد أو تحويلها الى مشروع فردي إذا لم يبق غير شريك واحد ” وتنص الفقرة الثانية من نفس المادة على أنه : ” إذا توفي مالك الحصة في المشروع الفردي وأن له أكثر من وارث يرغب في المشاركة فيها ولم يكن هناك مانع قانوني . وجب تحويله الى أي نوع آخر من الشركات المنصوص عليها في هذا القانون ” وعلى هذا فإنه يجوز إذن الاستمرار في النشاط التجاري في حالة تملك الصغير غير المميز حصة في مشروع تجاري (شركة تجارية) على أن يكون للصغير نائباً عنه ، وطبقاً لأحكام شركة التوصية في القانون المذكور فإن الصغير لا يعد تاجراً رغم استمرار النشاط التجاري ولا يعد مسؤولا إلا في حدود الحصة التي يملكها (43). وإذا تقرر أن مصلحة القاصر تستوجب الاستمرار بالاستغلال التجاري فإنه يجب أن يعين عندئذٍ نائباً عن القاصر وللقضاء في نفس الوقت ، أن يمنح النائب تفويضاً مطلقاً أو مقيداً بالأعمال التي يفرضها الاستغلال التجاري على أن يؤخذ بنظر الاعتبار القيود المقررة في نص المادة الثالثة والأربعين من قانون رعاية القاصرين . فلا يجوز مثلاً للولي أو الوصي أو القيم مثلاً مباشرة ” حوالة الحقوق وقبولها وحوالة الدين ” أو ” الصلح والتحكيم فيما زاد على مائة دينار لكل قاصر ” إلا بموافقة مديرية رعاية القاصرين المختصة . ” الفقرتان الثالثة الرابعة من المادة الثالثة والأربعين من قانون رعاية القاصرين ” بيد أن للقضاء سحب التفويض الممنوح للنائب أو تقييده إذا تبين أن إدارة النائب تؤدي الى الإضرار بمصلحة الصغير (45) . ومهما يكن من أمر وأيا كان رأي القضاء فإنه يجب حسب تقديرنا تسجيل القرار المتخذ بشأن الصغير في السجل التجاري (46) والحكمة من عملية التسجيل هي ضمان لحقوق القاصر ولحقوق المتعاملين ابتداء مع من يمثل القاصر وذلك لأن عملية التسجيل في السجل التجاري ما هي في الواقع إلا عملية إشهار يتم من خلالها التعريف بمسؤولية القاصر المحدودة . وإذا كان من الممكن الاستمرار في استغلال الملكية التجارية للقاصر . هل يكتسب النائب أم القاصر صفة التاجر ؟ الأصل في القواعد العامة أن جميع آثار التصرفات التي يقوم بها الوكيل أو النائب تنصرف الى ذمة الأصيل المالية ويلزم بها وبما أن تصرفات النائب في استغلاله للملكية التجارية تنصرف الى ذمة الصغير المالية فإنه لا يترتب على ذلك الاستغلال اكتساب النائب عن الصغير لصفة التاجر طالما أنه يزاول العمل التجاري باسم ولحساب شخص آخر ، وصفة التاجر تقتضي كما قدمنا تعاطي العمل التجاري باسم الشخص نفسه ولحسابه الخاص . عليه لا يمكن أن يكتسب النائب عن الصغير صفة التاجر . أما الصغير فإنه يكتسب صفة التاجر لكونه أصيلاً ، ولو أن بعض الاجتهادات الفقهية تذهب الى عدم اعتبار الصغير تاجراً لنقص في أهليته ولأن قواعد الأهلية تتعلق بالنظام العام (47) . لأن من الواضح أن جميع التصرفات التي يقوم بها النائب لا تنصرف إلا لذمة الصغير المالية . وسوف يكون من غير المنطقي أيضاً عدم اعتبار أي منهما تاجراً في الوقت الذي يعتبر فيه العمل تجارياً بطبيعته وممارساً باستمرار عليه فإننا نرى اكتساب الصغير صفة التاجر ويمكن بالتالي شهر إفلاسه . على أن الإفلاس يقتصر أثره هنا على الأموال المستثمرة في التجارة دون غيرها من أمواله الأخرى وذلك استثناء من مبدأ وحدة الذمة المالية . تعاطي التجارة في جزء من أمواله بشرط أن يحصل على إذن من وليه وترخيص من القضاء ويستفاد هذا الحكم من نص المادة 98 من القانون المدني التي تقضي من خلال فقرتها الأولى بأن : ” للولي بترخيص من المحكمة أن يسلم الصغير المميز إذا أكمل الخامسة عشرة مقداراً من ماله ويأذن له في التجارة تجربة له ويكون الإذن مطلقاً أو مقيداً ” (49) ومن فحوى هذا النص يتضح أولاً أن القاصر الذي أكمل الخامسة عشرة لا يستطيع ممارسة النشاط التجاري إلا إذا أذنه وليه بالاتجار . وولي القاصر بمقتضى نص المادة السابعة والعشرون من قانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980 هو ” أبوه ثم المحكمة ” وبمقتضى القانون المدني هو أبوه ثم وصي أبيه ثم الجد الصحيح ثم وصي الجد ثم المحكمة أو الوصي الذي تنصبه المحكمة (50) . وإذن الولي لوحده لا يكفي في الواقع لممارسة القاصر العمل التجاري ، فيجوز أن يكون الإذن مطلقاً يشمل جميع صور النشاط التجاري دون استثناء أو تخصيص وقد يكون مقيداً بنوع معين من النشاط التجاري . كأن يقتصر الإذن على ممارسة القاصر لأعمال شراء المنقول وبيعه أو أعمال التوريد دون غيرها من أنواع الأعمال التجارية . فإذا بلغ سن الرشد تدفع له حينئذٍ جميع أمواله ويكون في إمكانه عند ذاك استغلال تلك الأموال دون قيد في الميدان التجاري (55) . ذلك أن المشرع قد توخى من خلال النص المذكور (إعطاء الفرصة) للقاصر لتعاطي التجارة بجزء من أموله (تجربة له) فلا يمكن والحالة هذه إذن منح القاصر حرية استخدام جميع أمواله لممارسة التجارة وإلا نكون قد فوتنا على المشرع الغرض الذي يهدف إليه ، وأياً كان نطاق الإذن فإن القاصر المأذون يصبح بمنزلة كامل الأهلية بالنسبة لجميع التصرفات المتصلة بالتجارة (56) وعلى ذلك فإن جميع أعماله من بيع وشراء واقتراض وتقاضي وصلح وتحكم . وإذا احتراف أحد الأعمال التجارية فإنه يكتسب صفة التاجر ، فتطبق قرينة التجارية على أعماله كما يجوز إشهار إفلاسه إذا توقف عن أداء ديونه التجارية . بينما يرى البعض الآخر بأن آثار الإفلاس يجب ان تمتد الى جميع أموال القاصر شأنه في ذلك شأن كامل الأهلية ويستند هذا الرأي على حجتين أساسيتين : الثانية : لا يجوز إعطاء نفس الحكم المقرر بشأن حالة الصغير الذي آلت إليه ملكية تجارية ، والذي يقصر آثار الإفلاس على اموال الصغير المستثمر فقط في التجارة حماية ورأفة به . إذ أن تلك الحالة استثناء وبما أنه لا يجوز التوسع في تطبيق الاستثناء فمن الواضح إذن عدم ” مد حكم ” هذه القاعدة على حالة المأذون بالتجارة (59) . بيد أنه يجب أن يلاحظ بأن ذلك الائتمان ضعيف في واقع الأمر بطبيعته ” ولو كان الإذن مطلقاً ” طالما أن سحب الإذن الممنوح للقاصر جائز في كل وقت من جهة أخرى فإن نص المادة 98 من القانون المدني . إذ لم يجز النص المذكور كما رأينا ممارسة الصغير للنشاط التجاري إلا على سبيل التجربة وبجزء من أمواله ولذا فإن حصر آثار الإفلاس بالأموال المستغلة في التجارة دون غيرها يعد أكثر تماشياً مع روح النص المذكور وأكثر تحقيقاً لغرض المشرع من حماية القاصر المأذون . إذا توافرت الشروط المتقدمة الشروط المتقدمة فإن الشخص يكتسب الصفة التجارية بحكم القانون . بيد أن قانون التجارة أورد حكماً بمقتضاه أجاز للسطلة تحديد نوع العمل التجاري الذي يمكن أن يمارسه التاجر ، إذ تقرر الفقرة الثانية من المادة السابعة على أنه : ” للوزير المختص أن يحدد نوع ونطاق العمل التجاري الذي يمكن أن يمارسه التاجر بما يكفل تنفيذ خطة التنمية ” . أن مضمون هذا النص ليس شرطاً من شروط اكتساب الصفة التجارية وإنما هو نوع من القيود الضرورية التي ترد على حرية ممارس النشاط التجاري وهذا القيد له ما يبرره في الواقع إذ لا يمكن أن يتم تعاطي التجارة دونما ضابط وبصورة عشوائية في الوقت الدولة من خلاله الى تنظيم الاقتصاد وكفالة سيره بما ، وهو من جانب آخر صورة من صور أن أطرد اتساع القطاع التجاري الاشتراكي عندنا بشكل جذري القانونية التي تمارسها الدولة بعد Control الرقابة ومهم . ويترتب على ما تقدم أن للوزير المختص السلطة في رفض العمل التجاري أو تحديد نطاق ذلك العمل إذا تبين أن المصلحة العامة توجب ذلك الرفض أو تستلزم ذلك التحديد وعلى التاجر تبعاً لذلك أن يأخذ بنظر الاعتبار مستلزمات التخطيط الاقتصادي بجانب الاعتبارات الأخرى عند ممارسته للنشاط التجاري ولابد من الإشارة أخيراً الى أنه لا تأثير لهذا القيد على الصفة التجارية للتاجر .