إذا بحثنا في المعاجم اللغوية العربية لتحديد معنى التربية فإننا نجد أنها ترجع في أصلها اللغوى العربي إلى الفعل ) ربا - يربو ( أى نما وزاد . وفي التنزيل الحكيم وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء إهتزت وريت " أى نمت وزادت لما يتداخلها من الماء والنبات . وتقول ربي في بيت فلان أى نشأ فيه . ورباه بمعنى نشأه ونمي قواه الجسدية والعقلية والخلقية . وفي التنزيل الحكيم أيضا : " قال ألم تربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين " . " وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا " . وورد في " الصحاح " في اللغة والعلوم أن التربية هي " تنمية الوظائف الجسمية والعقلية والخلقية كى تبلغ كمالها عن طريق التدريب والتثقيف . . وهكذا يتضمن المعنى الللغوى للتربية عملية النمو والزيادة . ومن الطبيعي أن يكون هذا النمو وتلك الزيادة من جنس الشيء وطبيعته . وبالنسبة للإنسان يكون هذا النمو في جسمه وعقله وخلقه وكل مقومات شخصيته . وهذا المعنى اللغوى للتربية على أنها عملية نمو هو لب معنى التربية بمعناها الإصطلاحي في أذهان المربين . والواقع أن هناك عدة معان للتربية تتفرع كلها من عملية النمو . فهي بالمعنى الواسع تتضمن كل عملية تساعد على تشكيل عقل الفرد وخلقه وجسمه باستثناء ما قد يتدخل في هذا التشكيل من عمليات تكوينية أو وراثية . وهى بهذا المعنى تعنى التنشئة الاجتماعية المتكاملة للفرد . والتربية بمعناها الضيق تعنى غرس المعلومات والمهارات المعرفية من خلال مؤسسات معينة أنشئت لهذا الفرض كالمدارس مثلا . وهي بهذا المعنى تصبح مرادفة للتعليم . ولاشك في أن التعليم هو جانب جزئى من جوانب التربية يقتصر على تنمية الجانب العقلي والمعرفى . وهذا المعنى للتربية هو من جانب المتعلم سواء كان تعلمه من خلال اكتشافاته وخبراته الخاصة أو من خلال تعلمه على أيدى أناس آخرين . ويشار إلى علم التربية أحيانا بالبيداجوجيا Pedagogy - وهي كلمة ترجع في أصلها إلى الإغريق وتعنى توجيه الأولاد وتتكون من مقطعين Paul وتعنى ولد و aporgus وتعنى توجيه . والبيداجوج عند الإغريق تعنى المربى أو المشرف على تربية الأولاد . وتشير بيترسون في كتابها عن التدريس الناجح ( ۱۹۹۲ ) إلى أن مالكولم ص ۲۷ ) قد طور ( Self - Directed Learning في كتابه Malcolm Knowles نویز مصطلحا جديدا هو Andragogy كمصطلح مناسب للتدريس للكبار وأنه يمكن أن يطلق على التعليم النشط . ويقدم معجم العلوم السلوكية عدة تعريفات للتربية من أهمها : (WOL. MAN. p.113) 1- أن التربية تعنى التغييرات المتتابعة التي تحددت للفرد والتي تؤثر في معرفته واتجاهاته وسلوكه كنتيجة للدراسة والتعليم المدرسي . أن التربية تعنى نمو الفرد الناتج عن الخبرة أكثر من كونه ناتجا عن النضج . ويقدم " جود " " round) " في معجمه التربوى أربعة معان للتربية : أخرى من السلوك ذات القيمة الإيجابية في المجتمع الذي يحيا فيه . هي العملية الإجتماعية التي يخضع الأفراد من خلالها لتأثيرات بيئة أو وسط منتقى ومضبوط ( كالمدرسة مثلا ) وذلك حتى يمكن لهم أن يحققوا كفاءتهم الإجتماعية وأقصى نموهم الفردى . هي الفن الذي بواسطته يتوفر لكل جيل من الأجيال معرفة الماضي في صورة منظمة . هي مصطلح عام يقصد به عادة المقررات المهنية التي تقدم في معاهد التعليم العالية لإعداد المعلمين - مثل : علم النفس التربوي - فلسفة التربية - تاريخ التربية - المناهج وطرق التدريس والإدارة والإشراف . الخ ( 202 . Good. p ) ماذا يقول فلاسفة التربية ومفكروها ؟ إذا رجعنا إلى ما يقوله فلاسفة التربية لتحديد مفهوم التربية نجد هناك هدة تعريفات : فقديما عرف أفلاطون التربية بأنها تدريب الفطرة الأولى للطفل على الفضيلة من خلال اكتسابه العادات المناسبة . أما المعنى الواسع فيعنى أن التربية تعادل الخبرة أي خبرة الكائن الحي في تفاعله مع بيئته الطبيعية . أما في معناها الضيق فيقصد بها التعليم المدرسي الفرد على تأدية واجباته العامة والخاصة في السلم والحرب بصورة مناسبة وماهرة . ویری - توماس الإكويني " أن الهدف من التربية تحقيق السعادة من خلال غرس الفضائل العقلية والخلقية ويرى " هيجل " أن الهدف من التربية العمل على تشجيع روح الجماعة وتخليص الفرد من روح الأنانية . ويعرف - دوركايم - التربية بأنها الإجراء الذي تمارسه الأجيال الأكبر سنا على الأجيال التي لم تستعد بعد للحياة الاجتماعية . وهدف التربية إيقاظ وتنمية تلك الجوانب الجسمية والعقلية والخلقية للطفل التي يتطلبها منه كل من المجتمع والبيئة التي أعد من أجلها . ويعرف " ميلتون " التربية الصحيحة بأنها التربية التي تساعد ويعرف " هرمان هورن وهو أحد الفلاسفة المثاليين التربية بأنها العملية الخارجية للتوافق السامي مع الله من جانب الإنسان الحر الواعي الناضج جسميا وعقليا ، كما يعبر عن هذا التوافق في بنية الإنسان العقلية والانفعالية والإرادية . ويقول " بتسالوتزي " في معنى التربية - إن التربية الحقة المثمرة تتمثل أمامي كشجرة غرسها على مقربة من مياه جارية . بذرتها الصغيرة تنمو منها الشجرة وتستمد منها صفاتها المدفونة في العمى . والشجرة كلها سلسلة متصلة الحلقات مكونة من أجزاء عضوية . والإنسان يشبه هذه الشجرة . ففى الطفل تكمن تلك الملكات والقوى الإنسانية التي تنمو فيما بعد . كما أن الفرد وأعضاء المختلفة لا تلبث أن تتشكل وتصير وحدة كاملة " . وإذا نحن أسقطنا العامل الاجتماعي من حساب الطفل بقينا أمام شيء مجرد - وإذا أسقطنا العامل الفردي من المجتمع لم يبق إلا جمهور بغير حركة أو حياة . من أجل ذلك كان لابد للتربية أن تبدأ بالنظر في قوى الطفل واهتماماته وعاداته . وكان لابد أن تضبط بالرجوع إلى هذه الإعتبارات ولابد أن تفسر على الدوام هذه القوى والإهتمامات والعادات بمعرفة ما تدل عليه . ولابد من ترجمتها إلى نظائرها الاجتماعية أى إلى اللغة التي بها تستطيع القيام بخدمة اجتماعية . وفي عبارة أخرى نجد أن " جون ديوى " وهو أحد فلاسفة التربية البراجماتيين يعلن أن : " التربية قد تعرف بأنها عملية مستمرة لإعادة بناء الخبرة بهدف توسيع وتعميق مضمونها الاجتماعي " . وهكذا يرى " ديوى " أن التربية نمو إلى ما هو أحسن بالنسبة للفرد والجماعة . وفي رأيه أنه ليست هناك أهداف ثابتة للتربية . ويتفق جون ديوى مع فروبل على أن للتربية وجهين أو جانبين . أحدهما سيكولوجي والآخر إجتماعي . ومن ثم فإن التربية تعنى بتربية " فرد في مجتمع " . وكذلك طبيعة مجتمع تمثل قاعدة أخرى لها . والتربية تحدث من خلال اشتراك الفرد في المجتمع . مع " فرويل " على أن التربية يجب أن تستهدف الإصلاح الاجتماعي من خلال تنمية إمكانيات الفرد . وتبعا للتفكير المسيحي " فإن التربية تعنى بصفة أساسية إعداد الإنسان لما ينبغي أن يكون عليه ولما ينبغى أن يفعله هنا على الأرض بقصد بلوغ الغاية العليا في الآخرة " . والتربية في الإسلام تعنى بلوغ الكمال بالتدريج . ويقصد بالكمال هنا كمال الجسم والعقل والخلق والدين ، لأن الإنسان موضوع التربية . والإنسان خليفة الله على الأرض وكرمه على كثير من خلقه وجعل الملائكة تسجد له . ولذلك يجب أن تأتي تربية