فأذكر فيه إن شاء الله تعالى نبذا منه : فمن آدابه أدبه في نفسه وذلك في أمور أو جاه أو شهرة أو سمعة أو تميز عن الأشباه أو تكثر بالمشتغلين عليه أو المختلفين إليه أو نحو ذلك : ولا يشين علمه وتعليمه بشيء من الطمع في رفق تحصل له من مشتغل عليه من خدمة أو مال أو نحوهما وإن قل ولو كان على صورة الهدية التي لولا اشتغاله عليه لما أهداها إليه ودليل هذا كله ما سبق في باب ذم من أراد بعلمه غير الله تعالى من الآيات والأحاديث . وقد صح عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه قال : وددت أن الخلق تعلموا هذا العلم على أن لا ينسب إلى حرف منه : وقال رحمه الله تعالى ما ناظرت أحدا قط على الغلبة ، وطريقه في نفي الاحتقار التأدب بما أدبنا الله تعالى قال الله تعالى : * فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى (34) . ونوافل الصلوات والصوم وغيرهما ، مفوضا في كل الأحوال أمره إليه ولا يذهب به إلى مكان ينتسب إلى من يتعلمه منه ، بل يصون العلم عن ذلك كما صانه السلف . فإن دعت إليه ضرورة أو اقتضت مصلحة راجحة على مفسدة ابتذاله رجونا أنه لا بأس به ما دامت الحالة هذه . وعلى هذا يحمل ما جاء عن بعض السلف في هذا 7 ) ومنها أنه إذا فعل فعلا صحيحًا جائزا في نفس الأمر ولكن ظاهره أنه حرام أو مكروه أو مخل بالمروءة ونحو ذلك فينبغي له أن يخبر أصحابه ومن يراه يفعل ذلك بحقيقة ذلك الفعل لئلا ينموا بظنهم الباطل ، فقد روينا عن عمر وابنه رضي الله عنهما قالا : من رق وجهه رق علمه ، وفي الصحيح عن عائشة الله عنها قال : نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين وقد ثبت في الصحيح رواية جماعة من الصحابة عن التابعين ، وروى التابعين عن تابعي التابعين وهذا عمرو بن شعيب ليس تابعيا وروى عنه أكثر من سبعين من التابعين . 1 ) منها بيان التواضع وأن الفاضل لا يمتنع من القراءة على المفضول . فلا يشتغل بغيره ، فإن اضطر إلى غيره في وقت فعل ذلك الغير بعد تحصيل وظيفته من العلم . 7 ) وينبغي أن يكون اعتناؤه من التصنيف بما لم يسبق إليه أكثر ، والمراد بهذا أن لا يكون هناك مصنف يغني عن مصنفة في أساليبه ، فإن أغنى عن بعضها بل يصنف من جنسه ما يزيد زيادات يحتفل بها مع ضم ما فاته الأساليب ، وليكن تصنيفه فيما يعم الانتفاع به ، ويكثر الاحتياج إليه : وليعلن بعلم المذهب ، ومن آدابه آداب تعليمه : اعلم أن التعليم هو الأصل الذي به قوام الدين ، والأحاديث بمعناه كثيرة والإجماع منعقد عليه . فأول ذلك أن يحرضه بأقواله وأحواله المتكررات على الإخلاص والصدق وحسن النيات : ومراقبة الله تعالى في جميع اللحظات وزهده في الدنيا ، ويصرفه عن التعلق بها ، وأنهم ورثة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم . قال قال رسول الله ﷺ : إن الله أوحى إلى أن تواضعوا » رواه مسلم ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه ومع ما لهم عليه من حق الصحبة وترددها إليه واعتمادهم عليه وفي الحديث عن النبي ﷺ : لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه) ويرحب بهم عند إقبالهم إليه لحديث أبي سعيد السابق ، ويظهر ثم البشر وطلاقة الوجه ويحسن إليهم يعلمه وماله وجاهه بحسب التيسير ، ( ۱۳ ) وينبغي أن يكون باذلا وسعه في تفهيمهم وتقريب الفائدة إلى أذهانهم حريصا على هدايتهم ويفهم كل واحد بحسب فهمه وحفظه فلا يعطيه ما لا يحتمله ولا يقصر به عما يحتمله بلا مشقة ويخاطب كل واحد على قدر درجته وبحسب فهمه وهمته ، فيكتفي بالإشارة لمن يفهمها فهما محققا ، فإن جهل دليل بعضها ذكره له ، ويذكر هذا ما بينا على هذه المسألة وما يشبهها ، وحكمه حكمها وما يقاربها ، ويبين الدليل المعتمد ليعتمد ويبين له ما يتعلق بها من الأصول والأمثال والأشعار واللغات ، و ينبههم على المصنفين . فيقول مثلا هذا الصواب وأما ما ذكره فلان فغلط أو فضعيف قاصدا النصيحة لئلا يغتر به لتنقص للمصنف ويبين له على التدريج قواعد المذهب التي لا تنخرم غالبا كقولنا إذا اجتمع سبب ومباشرة قدمنا المباشرة . ومن قبضه لغرض المالك قبل قوله في الرد إلى المالك لا إلى غيره . وأن النكاح والنسب مبنيان على الاحتياط . وأن اليمين التي يحلف بها القاضي لا تكون إلا بالله تعالى وصفاته . وأن الضمان يجب في مال المتلف بغير حق ، فهذان أصح ما قيل فيه . جميعهم فمن بعدهم من العلماء الأخيار ، وضبط المشكل من أنسابهم وصفاتهم ، كقولنا ما كان على فعل بفتح الفاء وكسر العين في مضارعه يفعل بفتح العين ، فإن كان الثاني أو الثالث حرف حلق جاز فيه وجه رابع فعل بكسر الفاء والعين ، فإنه بمنزلة الولد وفضيلته يعود إلى معلمه منها نصيب وافر ، ويذكره مترسلا مبينا واضحا وإنما تستحب الكناية في مثل هذا إذا علم بها المقصود علما جليا ، ولا يقتصر على خلق ينسب صاحبه إلى قلة المروءة . ويلتفت إلى الحاضرين التفاتا قصدا بحسب الحاجة للخطاب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ، فإذا صاروا إلى هذه الحالة فاته المقصود 30 ) وليكن مجلسه واسعا ، ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم ، قال الله تعالى لنبيه ﷺ : هو قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلّفين (4) رواه البخاري . وقال عمر بن الخطاب رضي الله التكلف .