فقد ذكر : أن أبا سليمان كان أعور، وكان أبو حيان التوحيدي من بعض أصحابه المعتصمين به، ومهما علمه من ذلك نقله إليه وحاضره به، ولأجله صنف كتاب الإمتاع والمؤانسة» نقل له فيه ما كان يدور في مجلس أبي الفضل عبد الله بن العارض الشيرازي عندما تولى وزارة صمصام الدولة بن عضد الدولة». فأما في الأول : فإن النسخة التي بيدي تذكر أنه ألفه لأبي الوفاء المهندس لا لأبي سليمان المنطقي. ويقول في صدر الكتاب : إنه ألفه رداً لجميل أبي الوفاء إذ كان هو الذي أوصله لأبي عبد الله. وعندما يأتي ذكر أبي الوفاء في ثنايا الكتاب، ويسأل أبو عبد الله أبا حيان عن رأيه فيه يمدحه ويثني عليه، وقد سبق أن أثبتنا أن أبا الوفاء كان من ندماء أبي عبد الله . وهو أن أبا حيان في بعض كلامه في الكتاب يستجدي من ألف له الكتاب، أما أبو سليمان فكان فقيراً كما ذكر ذلك أبو حيان في هذا الكتاب، وكانت صلة أبي حيان به صلة علمية لا صلة مالية، ودليل ثالث: وهو أن الوزير أبا عبد الله سأل أبا حيان في الكتاب عن أبي سليمان هذا، فلو كان أبو حيان ألفه لأبي سليمان لكان بعيداً كل البعد أن يذكر هذا الحديث . و دليل رابع وهو أن أبا حيان ينقل في كتابه هذا عن أبي سليمان، ولو كان يؤلف الكتاب لأبي سليمان لاستغنى عن ذكر ما يعرفه أبو سليمان عن نفسه من أقواله ورسائله، ولكان أبو حيان في ذلك كمن ينقل إلى البئر ماءه، لهذا كله نرجح خطأ القفطي فيما ذهب إليه من أنه ألفه لأبي سليمان المنطقي . وهو أن أبا حيان دوّن فيه ما كان يدور بينه وبين أبي الفضل عبد الله بن العارض الشيرازي وزير صمصام الدولة. ذلك لأن النسخة التي بين أيدينا يذكر فيها أبو حيان أنه دون فيه ما دار بينه وبين أبي عبد الله العارض لا أبي الفضل عبد الله بن العارض. فلم نجد من بينهم أبا الفضل عبد الله بن العارض الشيرازي الذي ذكره القفطي وكما تقول دائرة المعارف الإسلامية في مادة أبي حيان تبعاً له . نعم رأينا من يسمى أبا الفضل الشيرازي، وكان يعيش في هذا العصر ولكن اسمه أبو الفضل محمد بن عبد الله بن المرزبان الشيرازي لا أبو الفضل عبد الله الشيرازي كما يقول القفطي، وكان صديقاً لأبي على المحسن التنوخي، فالكتاب - في رأينا - كتب لأبي الوفاء المهندس لا أبي سليمان المنطقي ودون فيه ما دار في مجلس ابن سعدان لا أبي الفضل الشيرازي . قسم أبو حيان كتابه إلى ليال، فكان يدون في كل ليلة ما دار فيها بينه وبين الوزير على طريقة قال لي وسألني وقلت له وأجبته. وأبو حيان يجيب عما اقترح، فقد يسأل سؤالاً يأتي في أثناء الإجابة عنه ذكر لابن عباد أو ابن العميد أو أبي سليمان المنطقي، وأحياناً يكلفه الوزير أن يتم له المسألة المعروضة في رسالة؛ إذ كلفه أن يكتب له في المجون والملح، ففعل أبو حيان وقرأها عليه في مجلس. قال أبو حيان: فلما قرأتها على الوزير قال : ما علمت أن مثل هذا الحجم يحوي هذه الوصايا والملح وآونة يثير الوزير مسائل أشكلت عليه في اللغة والفلسفة والاجتماع يعرضها على أبي حيان ويطلب منه الجواب فيفعل . كما حدث مرة أنه دفع إليه رقعة بخطه فيها مطالب وقال باحث عنها أبا سليمان وأبا الخير، ويأمره بأن يكتم خطه فإن أراد أن يعرض هذه المسائل مكتوبة على أبي سليمان فلينسخها بخطه هو. ثم سأل أبو حيان أبا سليمان وذكر إجابته عنها ونقلها إلى الوزير، وموضوعات الكتاب متنوعة تنوعاً ظريفاً لا تخضع لترتيب ولا تبويب، فلما أراد أبو حيان أن يدون لأبي الوفاء ما دار بينه وبين الوزير زاد فيه ونمق الحديث. وحدث هو نفسه عن ذلك كله في أول الجزء الثاني فقال: قد فرغت من الجزء الأول على ما رسمت لي القيام به وشرفتني بالخوض فيه، ولست أستبعد أن يكون أبو حيان قد تزيد فيه، فقد اتهمه العلماء من قبل ومنهم ابن أبي الحديد بأنه وضع الرسالة المشهورة المعزوة إلى أبي عبيدة على لسان أبي بكر وعمر في حق علي بن أبي طالب، فإنه ألف الكتاب في حياة الوزير،