وأصبح لي بفضلها زبائن لا بأس بهم ، إضافة إلى تعودي الشخصي على مروحة طاولة صغيرة كنتُ قد أضفتها مؤخرًا وينعشني هواؤها في أثناء العمل واضطر عز الدين أن يترك بيته بلا إضاءة ، وأسمع بوضوح أحدثه اختفاء صوت المولد العالي صوت امرأته يطنطن من الداخل ، ويتحدث في هياج عن حمّام مظلم ومطبخ لا يستطيع أحد الدخول إليه التحضير العشاء ، وعيال في المدارس تعطلت واجباتهم في ذلك اليوم فأخبرته أن يعيد الفوانيس إلى بيته بلا جدال ، وغياب التأمين الصحي للمواطن وتخلفنا الكبير في مجال مكافحة الأمراض ، لدرجة أن بعوضة صغيرة بلا قيمة تذكر تسبب كل هذا الدمار للعنصر البشري ومرض الجذام انقرض من العالم كله ، وما يزال معششًا لدينا يحمله المتسولون أمام المساجد وفي الأسواق والأحياء السكنية ، وكانت برفقته امرأة تضع نقابا على وجهها وتقف على مبعدة في الظلام ، على العكس أرعبه بشدة حين قال له صراحة إنه يشك بإصابته بالسرطان ، وطلب إليه الذهاب إلى العاصمة الرؤية طبيب آخر سيفيده كثيرًا ، لكنه تزوج رغم كل شيء من أرملة من أهله لديها سبعة عيال ملؤوا عليه البيت ، والآن يستعد للسفر إلى مصر برفقة زوجته للعلاج هناك . - سلّمي على الدكتور يا صفية . واكتفت بصوت خفيض رددته وسمعته بصعوبة : السلام عليكم . بعد ذلك سألني عن خطورة السرطان إن كان فعلا مصابًا به وقلت له كلامًا عاماً سريعا لم يستوعبه ، وعثرنا على زميله الشاب تولاب منبطحا على الأرض في الغرفة شبه المعتمة ، والمضاءة بفانوس صغير يمارس تمارين اللياقة ، والتي يُحتجز فيها الموقوفون مؤقتا حتى يتم ترحيلهم إلى وسط المدينة ، بينما على صدر زيه بقعة كثيفة من زيت الطعام . - أين الشاويش خضر ؟ وأتلفت باحثًا عن مبنى أو غرفة ربما تكون هي الحمام ، قلت وأرى على وجه العسكري الشاب علامات خيبة الأمل في لحظة أراد أن يكون فيها شخصا ذا قيمة ، - الدكتور ؟ . وكان بالطبع سؤالا لا معنى له ، خرج من طرف لسانه بلا تفكير ، والعربة موجودة أمام عينيه ، ويراني أفتح بابها ، - موضوع آخر حضرة الشاويش . - سرق مولد الكهرباء الخاص بالعيادة . وأن السرقة تمت قبل موعد تشغيله بوقت قليل حسب إفادة عز الدين الذي قال إنه صبّ فيه الوقود ، - سنرجئ البحث حتى الصباح . - لماذا حتى الصباح ؟ ثانيا : نحتاج إلى قاص للأثر حتى يرشدنا ولا يمكن لأمهر قاص أن يكتشف شيئًا في هذا الظلام . وتبدو فقرة الظلام الذي يعوق القص صائبة لكن لم تقنعني الزنزانة المكتظة ، لأنه يمكن أن يسلم القضية للذي يأتي بعده حتى يقوم بمتابعتها ، قلت له صراحة : إنني سأمول حملته الليلية للبحث عن المولد ، وعليه أن يعتبر الأمر عملا إضافيًا ، لا أمن ولا أمان ولا حياة الرجال متبطلون حول النيران يشربون القهوة ، وفيهم عصابات شرسة للنهب والنساء يبدين من خلف البيوت المكشوفة ، وبإمكانية أن أضيع أو تضيع العربة برغم طمأنة الشاويش بأن لا خطر يذكر ، والناس كلها تعرفه وترهبه وأنني في حراسة السلطة ، وانطلقنا إلى بيت عز الدين حيث سيبدأ ( هندوب ) مهمته الصعبة بعصا شوك ومصباح في حي لا يعرف الكهرباء ولا توجد به سوی مولدات قليلة عند بعض الناس ، وفي إبصاره الذي لابد أن يكون قد ضعف بفعل الزمن ، وبنيته الضعيفة ) فة التي لم تبد لي ستصمد في العدو بين الأزقة حين يعثر على أثر ، التي لم أشاهد مثلها أبدا من قبل دخلنا إلى الحوش الخلفي الذي كان لحسن الحظ متربا لم يرصف بالأسمنت ، وبدأ يتشمم الهواء بعمق وينحني على الأرض يحدق فيها ، أخيرا نطق قاص الأثر ، - السارق واحد فقط طويل وعريض ويده خفيفة ، فقد كان النشال شقيق الزوجة السعيدة سماسم والذي من المفترض أنه تحت مراقبة زوجها ، وكنتُ قد لاحظت إصبعه الكبير المقطوع والصغير المتورم حين جاءني ذات يوم وهددني ، لكن ليست هذه جرائمه المعتادة التي لم يحد عنها قط منذ احترف ارتكابها على حد علمي ، وأجد نفسي مرغما أفكر في المحتال الخفي ( إدريس علي ) ،