تعد الشارقة مكاناً يحتضن الكثير من المكتشفات الأثرية المهمة، وظلت محط أنظار الباحثين عن الآثار والمكتشفات خلال العقدين الماضيين، حيث يعتبر اكتشاف مقبرة واسعة من العصر الحجري الحديث في جبل البحيص الواقع في المنطقة الوسطى من إمارة الشارقة، ولقد تم تنقيب هذا الموقع ابتداء من العام 1995م ولغاية 2005م من قبل بعثة مشتركة من إدارة الآثار في دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة ومعهد الدراسات الأثرية لما قبل التاريخ والعصور التاريخية والوسطى في جامعة تيوبنجن الألمانية. ويعتبر الموقع المسمى «البحيص» موقعاً رئيساً لدراسة وفهم فترة أواخر العصر الحجري القديم في منطقة جنوب شرق الجزيرة العربية، وفي هذا الوقت ما بين حوالي 5000 و4000 أي قبل حوالي 6000 إلى 7000 سنة قبل الوقت الحاضر، وكان هناك أقوام بدوية تحط رحالها بشكل موسمي في منطقة جبل البحيص كي يأخذوا قسطاً من الراحة مع قطعانهم من الأغنام والماعز والماشية في طريقهم بين الساحل وسلسلة جبال الحجر. وكذلك فإنهم استخدموا هذا الموقع لدفن موتاهم في المقبرة التي أقاموها هناك، حيث تركوا أيضاً العديد من البقايا التي تنم عن أسلوب حياتهم وتراثهم الثقافي والذي يبدو بوضوح بأنه كان مختلفاً تماماً في مثل هذا الزمن المبكر، وبناء على ذلك فإن هذا الموقع كان الموضوع الرئيسي الذي تمحور حوله المعرض الأثري الذي تم افتتاحه حديثاً في متحف الشارقة للآثار حيث تم عرض بعض المكتشفات الأثرية للاطلاع عليها من قبل الجمهور. وقد صدر مؤخرا عن إدارة الآثار بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة الجزء الثاني من كتاب جبل البحيص الجديد بعنوان «عالم الآثار في جبل البحيص ـ البيئة الطبيعية لجبل البحيص: الماضي والحاضر» باللغتين العربية والإنجليزية وقام بتأليف الكتاب على ضوء التقارير البحثية التي تمت بالآثار المكتشفة كل من (د. صباح جاسم) حيث استغرق إعداد الكتاب عاماً كاملاً منذ صدور الجزء الأول صيف 2007 حيث حظي الجزء الأول باهتمام الباحثين والمعنيين بحضارة المنطقة. وظهر المجلد الأول الذي يحتوي على نتائج التنقيبات الأثرية في جبل البحيص في العام 2006م، و تناول المباني الدفينة وقسماً من البقايا العظمية التي تم دراستها من هذه المباني أو القبور. حديث الماضي يتكون الجزء الثاني من ثمانية فصول تقع في مئة وخمسين صفحة تتناول العلاقة بين المحيط الجغرافي وسكانه في فترة العصر الحجري الحديث وتطور المنطقة الجيومورفولوجي حول الموقع وتوفير المياه لمجاميع السكان القدماء وإمكانياتهم في الحصول على أهم المواد الخام مثل أحجار الصوان والشيرت التي يحتاجونها لإنتاج أدواتهم وأسلحتهم. كما تم تخصيص فصول أخرى حول المناخ القديم وتطوره ونباتات العصر الحجري الحديث والبقايا الحيوانية المتواجدة هناك مثل الحمار الوحشي السلف للحمار المدجن، والذي لا وجود له الآن في شبة الجزيرة العربية. وهكذا فإن المجلد الجديد يركز على الظروف البيئية السابقة للوجود البشري خلال العصري الحجري الحديث، لقد كانت أساساً للتطور الثقافي العالي الذي بلغة سكان العصر الحجري الحديث. مناخ الماضي أفضل من الحاضر بين الجزء الثاني من الكتاب (الاستنتاج) بأن الظروف المناخية السائدة خلال الألف الخامس قبل الميلاد كانت أفضل مما هي عليه في الوقت الحاضر وهو استنتاج جاء أيضاً في المقالات التي تناولت بقايا النباتات والحيوانات، كما أن الظروف المناخية خلال تلك الفترة كانت مرتبطة بالتغيرات المناخية الحاصلة على نطاق العالم، كما هو الحال في الوقت الحاضر.