الأسباب الثقافية للمرض بل سنحاول التطرق إلى بعضها مما أتيح لنا التعرف عليه في محاولة للكشف عن الدور الفعال الذي تؤديه الأسباب الثقافية في الصحة والمرض. أيضا طريقة تغيير التنظيم، أي أنها تجريد للسلوك المكتسب الجماعة من الناس يتقاسمون تقليدا مشتركا ينقلونه إلى أطفالهم وشبابهم (۲) ولكل مجتمع ثقافة خاصة به تميزه عن غيره وتمكننا من التفرقة بين المجتمعات التقليدية أو الغربية على السواء، كالتفرقة بين انجلترا وفرنسا أو غيرهما، توجد أيضا ثقافات فرعية تنبثق من الثقافة الكلية تعكس اختلافات في بعض المظاهر عن النمط الكلى وليس الكل فمثلا مصطلح ( الطبقة العليا - العليا ) في الولايات المتحدة المقصود به صفوة وقمة المجتمع ولهم خصائص معينة منها الإقامة في مناطق معينة، لهم أسلوبهم في التحدث، وسنعرض لبعض العوامل الثقافية ودورها في 1 - الحضارة والمدنية ومرت الحضارة بتطورات هائلة لابد أنها أثرت على حدوث المرض بين أجدادنا وأسلافنا، وأنقرض أو قل كثير من المخاطر. الصحة والمرض. أ- الطعام: هناك عدة عوامل أدت إلى الحرمان من الحد الأدنى للطعام الذي يعوض عن الطاقة التي بذلها الإنسان في العمل - وبالتالى تقل مقاومة الإنسان للمرض، وتعتبر المجاعة أرضا خصبة لنشأة كثير من الأمراض منها الأوديما ( مياه تحت الجلي - استفساء الجلد ) Oedemas وإضعاف مقاومة بعض الشعوب - التي حدثت فيها هذه المجاعات - للمرض، وأدت المجاعات الحديثة كالمجاعة الروسية في سنة ۱۹۲۱ إلى هجرة الشعوب للبحث عن الطعام، ومن أمثلة تلك الهجرات هجرة القبائل الجرمانية إلى إيطاليا في القرن الخامس، في روسيا تحدث المجاعة كل عشر سنوات، وفى الهند قتلت المجاعة في عام ۱۷۷۰ ثلث سكان بنجال Bengal ، والجفاف الذي  حدث أيضا في الثمانينات في القرن العشرين وما ترتب عليه من حدوث مجاعات في بلدان كثيرة في إفريقيا ومثال ذلك اضطرار سكان أثيوبيا () إلى الهجرة إلى حدود السودان سيرا في الأقدام بعد أن استحالت الحياة على أرض جدباء لا يتوفر بها الحد الأدنى من الطعام والماء، واهتز العالم لهذه المجاعة وبادر بتقديم المعونات. وتعتمد الصومال أيضا على الأمطار ومن ثم فإن النقص في كمية المطر أو ندرته تهدد الحياة البشرية والحيوانية والنباتية بالصومال بالقحط والمجاعة (۱) وعندما تتكرر فترات الجفاف كما حدث الآن (۱۹۸۵) تضطرهم إلى التنقل والترحال، وتمثل الحروب أحد مظاهر المدنية والحضارة وتعد أيضا أحد عوامل حرمان الشعوب وإنتشار سؤ التغذية فقد كانت باريس تموت جوعا في سنة ۱۹۷۱ بسب الحرب إلى إندلعت والاستخدام الخاطئ لبعض مظاهر الحياة الحضرية. بالإضافة إلى طبيعة الحياة المعاصرة التي تعد أحد العوامل المهيأة لظهور كثير من الأمراض (1) وتتسم مظاهر الحياة الحديثة على العموم بالتوتر العصبي واضطراب الأعصاب ومشاعر القلق والانفعال. فالحياة في مجتمع متحضر وعلى سبيل المثال في فرنسا تؤدى إلى نوع من الإجهاد الذي يقلل قدرة الجسم على المقاومة ويؤدى إلى زيادة قابليته واستعداده لأمراض معينة لأن الأجسام لم تعد تحتمل أو تقاوم لأنها مجهدة ومتعبة. ب أسلوب وطريقة الحياة قد يؤدى اتباع الناس لأسلوب خاطئ في الحياة إلى زيادة انتشار وانطلاق الجراثيم والميكروبات المسبب الجانب الثاني: المدينة. الجانب الثالث: تندثر بعض الأمراض وتنقرض باختفاء خصائص معينة خاصة بأسلوب معيشة أو طريقة حياة، فطريقة الحياة تؤثر على شكل الأمراض وتوزيعها (1) فالمناطق المزدحمة والمملوءة بالسكان والتي ليس بها مرافق عامة كافية وانتشار القاذورات في الشوارع والبرك يؤدى إلى تكاثر الذباب والناموس الذي ينقل كثيرا من الأمراض. هناك أيضا علاقة إيجابية بين طريقة الحياة والصحة تأخذ أشكالا ثلاثة: الشكل الأول: 1) هيرتسليش كلودين؛ الصحة والمرض: تحليل نفسي اجتماعي؛ ص 19-24. الشكل الثاني: الوقاية منه أو إيقافه. الشكل الثالث: ٢٥١ إنقاص معدل الوفيات بين الصغار (۱) ومع ذلك لم يصل الطب إلى الفاعلية المطلقة في علاج بعض الأمراض أحوال مرضية مكن تفسيرها وإرجاعها إلى طريقة الحياة وليس إلى السلالة، يدل على ذلك أن نسبة الوفيات الناتجة عن مرض السكر بين السلالات البيضاء عالية ويرجع ذلك إلى أنهم يتمتعون بطعام جيد مع عدم ممارستهم للرياضة أكثر مما بين السود، أى أن المرض يتعلق بالأسباب الطبيعية ( الغذاء والرياضة وليس للسلالة. ونجد وباء الطاعون يهاجم الآسيويين أكثر من الأوربيين الذين يعيشون في الشرق الأقصى وغالبا ما يصاب اليهود الأوربيين بالتهاب المفاصل لاشتغالهم بوظائف، طويلة (1). يرجع ذلك إلى عادات خاصة في الحياة ففي الصين ينتشر مرض سرطان الظهر عند منفصل الفخذ Hips نتيجة احتكاك ذلك الجزء من الجسم مع السرير المبنى من الطوب (۲) وهذا يكشف الدور الذي تلعبه طريقة الحياة في ظهور بعض الأمراض. ج الملابس تعد الملابس أحد مظاهر الحضارة والمدنية وترتبط بطريقة الحياة وأسلوبها أيضا في كل مجتمع طبقا لظروفه الطقسية، وفي المناطق المعتدلة ترتدى الملابس لحفظ أجزاء معينة من الجسم. وعن طريق الملابس يمكن التمييز بين سلالات وأجناس معينة وبين شعوب وبعضها. فالزي العربي يختلف عن الزى الأجنبي وهكذا. تأثير الملابس على الصحة: هناك بعض العادات يتمسك بها الناس مثل قلائد الزينة (الأساور والحلى يؤدى بعضها على حساسية في أجزاء الجسم التي تلامسها لدى بعض الناس. فهو يضغط على عضلات البطن والجزء السفلى للصدر مما يعوق التنفس بشكل خطير ويتسبب في تغيير شكل الكبد، وبالمثل يضغط رباط الجورب على الساق أعلى الركبة أو أسفلها على الأوردة ويساهم في إصابة بعض النساء اللاتي لديهن استعداد للإصابة بمرض الدوالي. ولكن إذا استخدمت الملابس بطريقة سليمة فهى تحمى الجسم من الظروف والعوامل الجوية (1) والكعب العالى له أثر خطير لأنه يجعل وزن الجسم بأكمله لا يرتكز على القدم بل على جزء صغير منه. وإذا كان مزدحما تعتبر عاملا منشطا للأمراض ونقل العدوى. السابع عشر (۱). أي أن طرق الحياة الحديثة وأساليبها التي يتبعها البشر واستخدام الوسائل الحضرية الحديثة له أثر فعال إما في الوقاية من المرض إذا استخدمت بطريقة صحيحة وأما أنها أدت إلى ظهور أمراض معينة أو ساعدت على ظهور أمراض أخرى. أمراض الحياة العصرية وهناك بعض الأمراض يمكن اعتبارها من أمراض الحياة العصرية أو أمراض الحضارة الحديثة لأنها أكثر حدوثا وتكرارا عن ذي قبل هي بالذات 1) السرطان يضمه كلودين إلى أمراض الحياة العصرية التي تتسم بالتوتر العصبي والانفعال الفيزيقي الذي يسود المدن ويرجعه إلى استنشاق الهواء الملوث (1) ويؤكد كثيرون أن السرطان أحد أمراض البيئة الصناعية أو التلوث البيئي (٢). ۲) الأمراض العقلية: الاضطراب العقلي Mental Disorder‏ ترتبط بالحياة المعاصرة غير المستقرة، والأفكار التي لم يتم التعبير عنها تظهر في صورة أمراض سيكوسوماتية، وهذه الحالات النفسية المثقلة بالتوترات لها أثر هام في ظهور الكبد، بالإضافة إلى الأمراض العقلية فإذا أصيب الشخص بخوف بالإضافة إلى التوتر والانفعال العميق، تظهر حينئذ علامات الإصفرار على وجهة الذي بعد علامة بداية مرض الكبد. كما ينشأ مرض الاكتئاب في رأى ميكانيك عن ضغوط الحياة المعاصرة (۳). تجلب الحياة الحديثة كثيرا من القلق والتوتر العصبي وخاصة تلك التي ترتبط بالمهنة كما سنرى فيما بعد. وهذا من شأنه أن يؤثر على مرض القلب. ٤) مرض (إيدز) Aids‏ ويسبب هذا المرض فيروس يصيب جهاز المناعة ولم يتوصل العلماء إلى هذا الفيروس فما زال مجهولا وتعقبه مجموعة من الأعراض المتزامنة يقسمها العلماء إلى فئتين الفئة الأولى: أورام سرطانية كسرطان الجهاز الليمفاوي وأورام السركوما. الفئة الثانية: وهناك أربع مجموعات تعد أكثر تعرضا للإصابة 1) أصحاب الشذوذ الجنسي من الرجال ( ٧٥% من الإصابات). ۳) الشخص النعور ذو النزعة الوراثية إلى النزف ( يقال عرق ناعور أو جرح ناعور أي الشخص الذي لا يسكن دمه ولا يجف ، بمعنى آخر الشخص المصاب بنزف مستمر (۱). ٤) أبناء جزر هاييتي ( اللواطيين). هذه الأمراض موضع حديث البشر في العصر الحاضر وهي أكثر الأمراض التي يخشاها جميع الناس. ٢ - العادات الغذائية: هناك فرق بين الغذاء والطعام، فالغذاء مفهوم علمی أو مادة عضوية تغذى الكائن الذي يستهلكها وتبقيه في صحة جيدة، ومن الصعب تغييرها أو تعديلها وتكمن خطورتها إذا كانت غير صحيحة، ولا ترجع مظاهر سوء التغذية إلى الحرمان الاقتصادي بقدر ما ترجع إلى العادات الغذائية الخاطئة وإلى الإصرار على تناول عناصر معدومة القيمة الغذائية. فالوجبة غير الكاملة لا تقود إلى المرض فورا ولكنها تمهد الطريق لنمو الأمراض. فقلة الغذاء وسوء اختيار المواد الغذائية أو خلوها من الفيتامينات يسبب إنهاك الأجسام ويضعف من قوتها ويقلل من مناعتها. هناك أيضا أنواع من الأطعمة تحتوى على مواد مضادة لنمو الميكروبات. وبالنسب المتوافقة المتزنة. على أن يكون الجسم قادرا على استخدامها لتفي بالغرض المطلوب منها (1) أما مصطلح سوء التغذية فكان يطلق على الأعراض الناجمة عن نقص كمية الغذاء أو نقص بعض العناصر الغذائية، فلا يصاب بسوء التغذية إلا الفقير، وسوء التغذية بمعناه الواسع ( عدم مطابقة الغذاء لشروط التغذية الكاملة كما وكيفا أو من حيث النوع والمقدار) (۲) وتعنى لدى بعض العلماء ( الوجبات الضعيفة التي تتكون من خبز القمح والبلح وينقصها العديد من الفيتامينات الضرورية) (1) وتعنى عند فيشين ) نقص العناصر الأساسية للوجبة المتوازنة التي تشتمل على نسب معينة من البروتين، الكربوهيدرات والفيتامينات والمعادن الأساسية ) (٢) ويؤثر سوء التغذية مباشرة على السلوك البشرى فيعوق النمو العقلي، وفي بعض الحالات تمثل الأنماط الثقافية استجابات لسوء التكيف البيولوجي. وكشف فولك Foulk's في دراسة حديثة عن العلاقة بين نقص الكالسيوم وبين سلوك الإسكيمو فوجد أن متوسط الكالسيوم في الدم بين الإسكيمو الذين يقطنون شمال ألاسكا منخفض بطريقة ظاهرة، فالحالة الفسيولوجية والنمط الثقافي والانفعالية ينجم عنها هستيريا المناطق الشمالية، وهذا التغير في الأوضاع العقلية تغيرا مؤقتا ويتميز بأنه ذو أصل ثقافي موروث وهو ما يعرف بالشامان فهناك علاقة بين البيئة والسلوك والثقافة. ويؤثر على كل من السلوك والحالة النفسية، والنسق الثقافي بدوره يتشكل ويشكل السلوك النفسي (1). وهناك دراسات أخري كشفت عن العلاقة بين الطاقات الصحية والعقلية لطلاب الجامعات الإنجليزية كأكسفورد وكامبردج وبين وسائل تغذيتهم (٢) ويؤكد البعض الآخر أن سوء التغذية الحاد يتسبب في إضطراب العقل وضعف الفكر عن الأطفال (۳) واكتشف والاس Wallace أن الأطعمة المفتقرة إلى الكالسيوم وخاصة فيتامين (دال) بالإضافة إلى القيود التي تفرض ارتداء ملابس كاملة تغطى الجسم بأكمله مسئولة عن زيادة إنتشار كساح الأطفال Rickets ولين العظام Osteoporosis (4) وتمنع كذلك العادات الثقافية والاجتماعية نساء البدو الذين يقطنون صحراء Negev من التعرض لأشعة الشمس، وتدفعهم لقضاء معظم وقتهن داخل المنازل أو في الخباء (الخيام) وحتى في حالة خروجهن يغطين كل أجسامهن بملابس داكنة مما يؤدى إلى إصابة معظمهن بلين العظام النقص ويرجع انتشارها فى رأى سيجرست إلى سببين السبب الأول اجتماعي يتمثل في الهروب من متاعب الحياة والثاني اقتصادي أي الفقر، ونجدها تنتشر أيضا بين الطبقات المتعلمة تعليما عاليا كرغبة لاستعادة النشاط، والتعويض عن الحياة ذات الوتيرة اليومية والإجهاد اليومى. وفي أماكن أخرى من العالم، فسوء التغذية لا يرجع إلى الحرمان الاقتصادي فحسب بل يرجع أيضا إلى الجهل وعدم معرفة العناصر الضرورية أو الإصرار على إتباع عادات سيئة كالإدمان والكحوليات مما له آثار بيولوجية وفسيولوجية على التطور النفسي والعصبي بدون شك (۱). يؤدى الإفراط الزائد في الأغذية إلى ارتفاع الضغط والأزمات القلبية وزيادة نسبة الكوليسترول، وبالتالي يؤدى إلى تصلب شرايين القلب والرأس معا. وأتضح أن مرض (Minemate ) زيادة نسبة المعادن في اليابان يرجع لتلوث مياه البحر بالزنبق مما يحدث أضرارا جسيمة بالجهاز العصبي لهؤلاء الذين يأكلون السمك الملوث (۲). أمراض الطبقة: وتختلف الأمراض التي تنشأ عن سوء التغذية عند الفقير عن الأمراض التي تصيب الأغنياء، فالطبقات الفقيرة أكثر الناس تعرضا لأمراض سوء التغذية من حيث الكم أو العدد، فالأمراض التي تصيب الفقراء ليست من النوع المستعصي ويمكن علاجها بتحسين الغذاء لأن المرء يتنبه لأعراضها بسرعة، أما الأغنياء، فالإفراط في تناول الأطعمة البروتينية والدهنية قد لا تظهر أضراره إلا بعد فترة طويلة وبعد عدد من السنوات، ثم تظهر أعراضه فجأة في صورة أمراض متأصلة في خلايا الجسم وأنسجته مثل النقرس وارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين وأمراض القلب والكبد والكلى والحموضة واضطراب الهضم والبول السكرى والبدانة. وفي نفس الوقت لا يحصلون على مقدار كاف من اللحوم أو البيض، فقلة الطعام وعدم جودته تؤدى إلى الهزال والضعف ولين العظام والكساح والأنيميا والبلاجرا وضعف المناعة وضعف الطاقة الجنسية والنزلات الشعبية والدرن (۱) والشعوب التي تعتمد على نوع واحد في غذائها تنتشر فيها وسوء تغذية الأنسجة أو الخلايا في الجسم عامة يسبب نقص مادة معينة في الغذاء هي سبب معظم الأمراض التي لا يكون الميكروب سببا لها، حدوث تقرحات في الجهاز الهضمى ( الأثنى عشر)، ولا تتوقف أهمية التغذية على مقاومة الأمراض فقط بل أنها تعتبر عاملا أساسيا لتقدم الشعوب وقدرتها على الإنتاج