وعلى الرغم من أن الحديث عن إشكالية المنهج في العلوم الإنسانية ليس شائعاً في الكتابات العربية، إلى أن تمكن العلم بمناهجه وتجاربه من أن يثبت جدارته / وصدقه، التي جعلت من أوروبا تعيش زمناً طويلاً من الجهل والظلام. ولهذا بدأ الكثيرون من المتخصصين في العلوم الاجتماعية ينظرون إلى المنهج العلمي، للبحث في صورته الحاضرة على أنه ما ينبغي في الحقيقة أن يكونه. ومنذ أن ظهرت المدرسة الوضعية (العلمية) على يد أوجست كونت الذي نادي بإمكانية دراسة الظواهر الإنسانية مثل دراسة الظواهر الطبيعية، ومنذ ذلك الحين ظهرت إشكالية المناهج في العلوم الإنسانية وبالتالي أصبح هناك فريقان من العلماء والمفكرين فريق يرى أن العلوم الإنسانية يمكن دراستها بالمناهج التي تدرس بها العلوم الطبيعية المناهج التجريبية"، وفريق على النقيض من ذلك يرى أن المناهج المستخدمة في العلوم الطبيعية غير صالحة لكي تستخدم مع الظواهر الإنسانية، وذلك نظراً لاختلاف الظواهر الطبيعية عن الإنسانية. قد انشغلت بدراسة الظواهر الطبيعية متخذة إياها موضوعات أو أشياء يمكن إخضاعها لكل إجراءات الملاحظة والقياس والتجريب، فإن قيام "العلوم الإنسانية " كمجالات تتناول بالبحث والدراسة كل الظواهر الإنسانية " جعلها تعتبر "الإنسان" موضوعا أو شيئا يقبل تطبيق نفس تلك الإجراءات التي أثبتت أهميتها المنهجية على مستوى العلوم الطبيعية. ومن هنا تطرح جملة من الأسئلة الإشكالية هل يمكن بالفعل دراسة الإنسان بما هو ذات واعية وحرة كما تدرس الأشياء الطبيعية (التي تتميز كموضوعات تفتقد صفات القصدية والحرية)؟ وإذا كانت الظواهر الإنسانية واعية وإرادية بشكل يجعلها خاصة ومتفردة،