هذا هو المقال العاشر والأخير في سلسلة المقالات التي كتبتها من هذا المنبر، كل يوم أحد من كل أسبوع على مدى الشهرين الماضيين، والتي ناقشت من خلالها الجوانب الرئيسة لوضع ريادة الأعمال والابتكار في منطقتنا العربية والخليجية. وتطرقت فيها إلى العوامل المطلوبة لخلق بيئة ابتكارية في منطقتنا، ومن هذه العوامل وجود ثقافة منفتحة، وخصصت مقال اليوم لأحاديث تجول في خاطري.الخاطرة الأولى: ما دفعني لكتابة هذه المقالات بداية ً، هو أنني لم أجد أحداً يكتب عنها باللغة العربية. وكأن المواضيع من شاكلة "الابتكار" و"ريادة الأعمال" وجدت فقط ليُكتب عنها بلغات أجنبية! وأنا هنا لا أريد أن ألقي باللوم على غيري، فأنا نفسي عندما بدأت الكتابة في هذا الموضوع كنت قد بدأتها باللغة الإنجليزية أيضاً في جريدة الجلف نيوز. ومعظم ما طرحته من أفكار كان وليد قراءاتي باللغة الإنجليزية. إضافة إلى أن ما يتم تدريسه اليوم عن ريادة الأعمال والابتكار في جامعاتنا يدرّس بالإنجليزية، وما يمارس اليوم في الحياة العملية في هذا المجال يمارس بنفس هذه اللغة.فكيف لنا ـ والحال هكذا ـ أن نتوقع قراءَ عرباً يرغبون في القراءة عن هذا باللغة العربية؟هذا أمرٌ منطقي ولا يثير دهشتي. ما أدهشني حقاً هو أنني عندما كنت أكتب باللغة الإنجليزية كان معظم قرائي من الأجانب، وكان التفاعل قوياً مع هذه المقالات. ولا أدري، ما إذا كان السبب هو كون المواطن العربي قليل القراءة أم أن ما أكتبه هو موضوعات متخصصة،الخاطرة الثانية: وضع ريادة الأعمال والابتكار يذكرني، بواقع التوطين في بلادنا. ولكننا، إلى الآن، لم نجد حلولاً جادة ومبتكرة للتوطين،هذا بالفعل هو ما يحدث حالياً في مجال الريادة والابتكار. وبما أني أعمل في هذا المجال، فإن لي طلباتٍ من المسؤولين والمؤسسات التي وُجدت لدعم هذا المجال. طلباتي ليست بالضرورة خاصة، بل هي في مجملها طلبات عامة وتصبّ في مجرى النفع العام.وما أجمل الكلمات التي تسمعها من المسؤولين عند الاتصال بهم، ولكن ما أن نخطو خطوة باتجاه الأفعال حتى يختفي ذلك المسؤول. نتصل به، مشغول بماذا يا رعاك الله؟ إن ما نطلبه منك هو من صميم عملك ومسؤوليتك. ولا أريد أن أعمم، وفي اعتقادي فإن ما يشهده مجال ريادة الأعمال في منطقتنا من خطوات، وإن كانت بطيئة ومتباعدة، فهي بفضل جهود هذه القلة. بأن الشباب الخليجي ما زال يتقاضى راتباً جيداً، بل وكبيراً في بعض الأحيان، وأنه ـ تبعاً لذلك ـ يعيش حياة مستقرة وآمنة.هذه النظرة ـ برأيي ـ لا تخلو من قصور. وأنا أختلف مع من يروّج لمثل هذا الافتراض! لأن الريادة والابتكار، كما أسلفت، جزء من منظومة متكاملة تتضافر فيها الثقافة بالتعليم بالتمويل، يرعاها الشركاء وتدعمها المؤسسات.الريادة والابتكار ليستا نتاجاً حتمياً لحالة ترف مادي أو ذهني، ولا هما ـ بالضرورة ـ تعويض عن وضع اقتصادي أو اجتماعي محبط.إنني من المؤمنين بأن العلم يفتح أبواباً كبيرة وكثيرة أمام صاحبه. وأن المجتمعات التي تخترع وتبتكر ليست هي المجتمعات الجائعة وإنما هي تلك المستقرة والتي تعدى أفرادها مرحلة الاكتفاء بتلبية الحاجات الأساسية، ليدخلوا مرحلة رغد العيش. لذلك أجدني على ثقة كبيرة بأن العلم الذي يتلقاه شبابنا اليوم ومستوى الرفاه الذي ينعمون به، هما حافزه الرئيس للإبداع والابتكار. وقد أتاح لي عملي أن أكون على اتصال دائم بهؤلاء الشباب،