التدوين : لاسيما وان صناعة الوراقة قد نشطت بشكل ملحوظ، وهي صناعة كان يقوم بها أصحابها بنسخ الكتب وتصحيحها وتجليدها وانتشرت دكاكين الوراقين التي كانت تعتبر مصدرا من مصادر الثقافة في الأمصار حيث يذهب إليها المتعلمون يطالعون الكتب، وصاحب ذلك ذيوع ظاهره المكتبات واقتناء الكتب وجعلها في متناول كل طالب علم، بسبب الإتجار في الكتب واحتراف الوراقة الذين كانوا في الغالب من أهل العلم وسيوله النشاط التجاري أيضا ساعد على سهولة تداول الكتب خاصة اقتناء نوادر الكتب من خلال الرحلات التي كانوا يقومون بها، كما برزت نزعة المباهاة بنوادر المخطوطات وجمعها على شكل مكتبات خاصة، حيث كانت تتولى هذه المكتبة نسخ الكتب ثم ترجمتها إلى العربية، أما المكتبات الخاصة، ومما ساعد أيضا علي شيوع ظاهرة التدوين عدم اقتناع العناصر المتدفقة إلى الإسلام كما كان ظهور الفرق الدينية من شيعة وخوارج وغيرها حافزا هاما علي التدوين، وتشتمل عملية التدوين علي تصنيف المعارف بمعنى وضع خطوط فاصلة تميز العلوم بعضها عن بعض وتجميع مسائل كل علم على حدة، أو وضع حدود تميز بين العلم النقلى وعلوم الأوائل، وبدأت حركة التدوين في ميدان العرب إلى جمع مفردات اللغة العربية التي نطق بها العرب، وتعددت الوسائل التي استخدمت لإنجاز هذا العمل من خروج العلماء إلى البادية في الحجاز ونجد وتهامة، أو من وفود كثير من الأعراب علي مدن العراق أو عن طريق الاتصال بالأعراب اللذين كان منهم من يكتب ويؤلف كتبا في النوادر واللغة والنحو، كما جمع الباحثون ألفاظ القرآن الكريم ومفرداته واجتهدوا في تحديد معانيها، وجمعوا حول كل لفظة ما يتصل بها، وقد عول البعض علي وضع معايير السند والآثار في المقام الأول ورتبوا ما ورد في اللغة ترتيب أهل الحديث بينما اعتمد الآخرون على أسلوب المفاضلة وفقا لتداول اللفظ . فظهر علم النحو من خلال وضع إطار كلى يجمعها تخضع له هذه المفردات من خلال الأحكام التي تخضع لها . كما انسحب التدوين أيضا على الأدب، فالعلماء الذين رحلوا إلى البادية نقلوا الكثير من أشعار أعرابهم وتم تدوينه ووضع قواعد عروضه، ولعب الخليل بن أحمد دورا هاما في حصر شعر العرب ووضع عروضه، وبمصر الليث بن سعد 791/175م، وارتبط علم الحديث في هذه الفترة بالفقه، لكن سرعان ما استقل علم الحديث بعد إتمام عملية الجمع التي تعددت تبعا للتيارات الفكرية السائدة، فالبعض اتبع منهجا على أساس الجمع فقط والبعض الآخر من ثقات المدنيين بذلوا جهودا كبيرة في التمحيص وشرحوا كل راوي عرفوا تاريخه وسيرته ووضعوا قواعد الجرح والتعديل كالبخاري . وامتد التدوين إلى الفقه، وكان لكل مدرسة اتجاهها، ثم بدأوا يبوبون الحديث أبوابا حسب الفقه ثم جمعوا الأحاديث المستقلة بموضوع واحد في باب واحد أما أهل العراق فكانوا أميل إلى الرأي . وحتى النصف الأول من القرن الأول الهجري كانت الدراسات التاريخية قد وضحت في عدة اتجاهات أولها كتب مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته، أما الكتابة في السيرة النبوية أدت إلى الكتابة في سير الصحابة والتابعين وأوضحت فيما سجلته كتب الطبقات، واتضح التأثر الواضح بعلم الحديث من خلال العناية بالإسناد وتحري الحقيقة . أما الاتجاه الثاني في ميدان الدراسات التاريخية، لكنهم لم يمهلوا منهج الإسناد الذي تبنته مدرسة المدينة، وتأثر المسلمون في هذه الفترة بالنماذج المحلية القديمة مثل الأدب السرياني القديم في سوريا،